صادرات لبنان

علي نون
علي نون
صادرات لبنان

طبيعي أن يقال عن “الصادرات ” اللبنانية في هذه الأيام ما يتلاءم مع هذه الأيام، مثلما كان طبيعياً في زمن مضى أن تكون صادرات بلدنا شبيهة بذلك الزمن الذي مضى .

بين الزمنين، تاريخ مرّ وعبر وأخذ معه جلّ ما ميز لبنان بين العرب، في الجغرافيا والتاريخ والدور والإنشاء والإنشاد والإبداع والخلق المهني… مثلما أخذ معه سيرة مجد تالد بناه الرواد الأوائل بالفن والأدب والشعر والثقافة والصحافة والكياسة وحسن التدبير في كل شأن يسير أو عسير !

انكسر ذلك اللبنان، وما كان ممكناً بسهولة إعادة وصل أجزائه المحطمة وترميم بنيانه المبعثر طالما أن البناة الثقاة، أرباب الوصل والربط والعمران والبنيان، صاروا جزءاً من ذلك الماضي، وغيبهم الدهر والعمر والزمان، ثم تكفل أهل الشر بعد ذلك بإكمال العتم والعدم وإطفاء ما بقي مشعّا من بينهم في سياق وزقاق سردية تثبيت الظلم والظلام، وإتمام عدة السيطرة والسطو والتمكن .

… لا تلام المملكة العربية السعودية على ما اتخذته من تدابير وإجراءات ردعية وعقابية. مثلما لا تلام أي دولة على اتخاذ ما يناسب مصالحها ويدفع الشر عنها ويحمي أهلها ومواطنيها من كل ضيم آت من خارج أو من داخل. ولا تلام قبل ذلك وفوق ذلك، أي دولة في العالم الأرحب على أي إجراء تعتمده أو تدبير تتخذه ضد من يهدد أمنها واستقرارها ورخاءها وتجارتها وصناعتها واقتصادها وثقافتها وقيمها واجتماعها البشري… وما لا ينتبه اليه كثيرون في لبنان، أو لا يريدون الانتباه إليه، هو أن العالم خارج منظومة ممانعة آخر زمن، لا يزال “طبيعياً” و”عادياً” ويتصرف وفق القيم الخالدة المتبعة في كل شأن نظامي ودستوري وسيادي، واستناداً إلى قوانين وأعراف ومبادئ تنظم شؤون العلاقات بين الدول وداخل الدول… وذلك العالم القريب والبعيد في جملته وغالبيته الكاسحة، لا يزال يعتبر أن لبنان مستباح، ودولته فاشلة، وسيادته منتهكة وناقصة، وقيمه حمالة أوجه، ودستوره معلق بالانتهاك المستدام، وقوانينه أسيرة في كتبها ونصوصها ولا ترى الضوء، وشؤونه مضطربة في كل نواحيها: في السياسة والأمن والاقتصاد والمال والتعليم والقضاء والغذاء والاخلاق سواء بسواء!! وأن الكامشين بمقدراته لا يريدون شيئاً غير ذلك، لأنه في جملته يتمم شرط تمكنهم بالحديد والنار ويحكم شد حبالهم على الوريد !

المنظومة الممانعة الراهنة، الإيرانية التوجيه والتدبير والالتحاق والاسترزاق، ووريثة نظام الأسد في التحكم بلبنان مساراً ومصيراً، تعتبر لبنان الماضي شيئًا لا يُعتدّ به! ولا يولد افتخاراً ولا مجداً ولا عزاً ولا ارتطاماً بالأعالي!! ثم تستنتج بعد هذا، أن لبنان والمقاومة صنوان أخوان عزيزان لا ينفصمان! وأن هذا هو الصح الوحيد، وغيره هو كل غلط ممكن! وتلك “شذرات” سمعتها مثلما سمعها غيري في تصريحات علنية ادلى بها كثيرون في حزب ايران عندنا. وهؤلاء ليسوا بسطاء ولا عاديين انما ذوو شأن وسلطة ونفوذ في حزبهم وبين اتباعه.

ولأن “ضرورات المقاومة ” تجيز وتبرر أن ينكسر لبنان بجملته، بناسه ومؤسساته ودوائره واداراته وسلطاته وشرعياته وعلاقاته وتاريخه وانتمائه وعروبته وعالميته، فهي تجيز وتبرر بطبيعة الحال ما دون ذلك من عطيات كبيرات أولها التهريب والاشتغال من خارج السياقات القانونية والنظامية الطبيعية، أكان مع سوريا أخذا وردًا، أو مع غيرها تصديراً وتخريباً !

من يفترض أن لبنان الماضي كان خطأً عابراً، يفترض تلقائياً أن صادرات ذلك اللبنان من المشهيات والمشهديات المأكولة والمسموعة والمرئية والمقروءة كانت رجساً من الشيطان!! وذلك يعني استطراداً تلقائياً ومنطقيًا، أن لبنان الحاضر، المقاوم والمتمكن من عوامل العز والأمجاد والبطولات الصلدات المكينات، يفترض بصادراته أن تكون مرآته الصافية مثل عين الديك! ولا بأس “شرعاً” أن لا يقتصر إعدام الحياة وشروطها، فنونها وآدابها واقتصادها وسياحتها وزراعتها ومطاعمها ومستشفياتها وجامعاتها ومدارسها وصحافتها وإعلامها وابداعات أهلها، على الداخل المتخم! بل لا بد من تصريف الفائض إلى الخارج، خصوصاً، وخصوصا جداً، إذا كان ذلك الفائض، كالمخدرات مثلاً، مميزاً واستثنائيًا وصاحب دورين كبيرين: الاول هو المردود المادي؛ والثاني هو المساهمة في تدمير مجتمعات دول تصنف في خانة العداء… وأي بلاء؟!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً