معلومات “لبنان الكبير”: هكذا فُرملت مذكرة توقيف سلامة

رواند بو ضرغم

لا يرتدع الفريق الرئاسي الحاكم عن تقديم أفكار انتقامية غير مدروسة النتائج، وآخرها المطلب القديم الجديد: “توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة”. ولهذا الهدف، استدعى رئيس الجمهورية ميشال عون مدعي عام التمييز الرئيس غسان عويدات مطلع الاسبوع الى قصر بعبدا، طالبا منه أخذ الاجراءات اللازمة بحق سلامة وتوقيفه.

فعلى اثر الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، وبعد التعاميم التي سماها تيار عون السياسي تعاميم عشوائية صادرة عن مصرف لبنان، اعتبر رئيس الجمهورية أن التعميم الخاص بالشركات المستوردة للنفط برفع قيمة تأمينها للفريش دولار بمعدل 15% بدلا من 10%، كان يجب على المركزي أن يتوقع تداعياته بارتفاع سعر الصرف، خصوصا أن لجوء الشركات الى السوق لتأمين الدولار وتغطية الـ 5% الاضافية سيخفض العملة الوطنية أمام الدولار مباشرة. كما أن فريق رئيس الجمهورية امتعض من التعميم الآخر المتعلق برفع سعر الدولار الى 8000 ليرة لبنانية بدلا من 3900 ليرة.

الا أن رئيس الجمهورية يتغاضى عن العامل الاساسي لتدهور العملة اللبنانية، الذي أشار اليه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وهو أن منصات خارجية مسجلة تعمل من خارج الاراضي اللبنانية وتتلاعب بسعر الصرف، على الرغم من أن الحكومة اللبنانية راسلت حكومات هذه الدول، إضافة الى مراسلات النيابة العامة التمييزية، لكن من دون نتيجة ولم تُقفل هذه المنصات. وبقي “التيار الوطني الحر” ورئيس الجمهورية من خلفه، يصران على أن السبب الاساسي لارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر الليرة يعود للقرارات التي يصدرها رياض سلامة فقط. ودائما نعود الى “الموال عينه”: “كيف بدنا نوقف رياض سلامة؟ وبأي طريقة؟”.

وفق المعلومات، طلب عون من عويدات أن يحرك ملف ادعاء القاضية غادة عون على سلامة، الذي برأته المحكمة التمييزية من خلال القاضية سهير حركة بعدما قبلت الدفوع الشكلية المقدمة من سلامة على اعتبار أنه يرتكز الى قانون النقد والتسليف. واعتبرت يومها القاضية حركة أن الادعاء على سلامة يتطلب اجراءات خاصة ولا يجوز ان تدعي عليه، وبالتالي أدرك القصر الجمهوري أن الملف الذي ضجت به القاضية عون لن يوصل الى النتيجة المتوخاة، وكان من الأفضل للفريق الرئاسي أن يُبقي الملف بيد قاضية القصر عون كي يتحكموا بنتائجه.

فلم يبق أمام الرئيس عون خيار الا تحريك ملف سلامة الموجود أمام الرئيس جان طنوس، الا أن هذا الملف أيضا تابعه المحامي التمييزي المكلف من النيابة العامة التمييزية، وحضر سلامة أمامه مرتين، ولم يُتخذ قرار في حينه، فلماذا سيتخذ قرار بحقه الآن؟ ولمصلحة من؟

مما لا شك فيه أن توقيف حاكم مصرف لبنان بات مطلبا سياسيا، ولم يعد مطلبا مبنيا على القضاء والأحكام القضائية. فرئيس الجمهورية هو من يريد توقيف سلامة على اعتبار أنه المسؤول عن العملة، ويشنّ تياره حملة ممنهجة ضده، ويتذرع بالمستندات الفرنسية والسويسرية التي تدين سلامة.

معلومات خاصة بموقع “لبنان الكبير” كشفت أنه بعد يوم على لقاء عون – عويدات، التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالقاضي عويدات طالبا منه التريث بإصدار قرار التوقيف: وسأل ميقاتي عويدات: هل من قضايا قانونية تدين رياض سلامة؟ وهل تمتلك النيابة العامة التمييزية أي مستندات تؤكد إدانته؟ فأجابه عويدات أن لا شيء يدينه حتى اللحظة. وهذا ما اعتبره ميقاتي تأكيدا أن لا حق في إصدار مذكرة توقيف بحق سلامة.

وهنا انتقل البحث من التريث في إصدار مذكرة التوقيف بحق سلامة، الى حين تبيان أي جديد، وتؤكد مصادر مطلعة على المفاوضات حول مصير سلامة لموقع “لبنان الكبير” أن الختام كان تريثا، لا قرارا بحماية سلامة أو إبقائه حاكما، ونُصح الرئيس عون أن يرتدع عن توقيف سلامة، لأن من سيتولى تصريف الاعمال مكانه الى حين التوافق على إسم للحاكم الجديد هو نائب الحاكم الأول وسيم منصوري، المحسوب على الرئيس نبيه بري، الا أن عون لم يرتدع وما زال مصرا على توقيفه لتعيين بديل عوني قبل نهاية ولاية عهده، يزكّيه رئيس تياره النائب جبران باسيل. ويصر عون على الادعاء على سلامة بتهمة تأخير التدقيق الجنائي وتدهور العملة الوطنية.

غير أن فرملة توقيف سلامة نقلت عون الى الدفع باتجاه إقالة عويدات. وأشارت مصادر قضائية لـ”لبنان الكبير” إلى أن عويدات كان يريد أساسا أن يقدم استقالته وهو غير راغب في الاستمرار بمهامه، إنما العقبة الوحيدة التي حالت دون تقديم استقالته هي طرح باسيل استبدال اسماء القضاة على قاعدة الستة وستة مكرر: القاضي سهيل عبود مقابل القاضي علي ابراهيم، والقاضي غسان عويدات مقابل القاضي فادي الياس. وجوبه الطرح الباسيلي يومها بفيتو الرئيسين بري وميقاتي.

هو الرئيس نفسه الذي اقسم على احترام الدستور، يطلق المواقف الداعمة لفصل السلطات، ويتذرع بعدم تدخله في القضاء في قضية المرفأ، ويترك البلاد عرضة لزعزعة السلم الاهلي. في المقابل، يضع قاضيا أمامه فقط ليأمره بتوقيف موظف رسمي في الدولة برتبة حاكم مصرف لبنان. فلا البلاد بخير ولا القضاء بخير، والمواطن “فرق عملة” الكيد السياسي وهوس الانجازات لفلول العهد.

شارك المقال