لأنه سعد الحريري

عاصم عبد الرحمن

ليس خافياً على أحد أن هناك تململاً واضحاً لدى فئة واسعة من الحاضنة التنظيمية والجماهيرية لتيار المستقبل نتيجة غياب رئيسه عن الميدان السياسي الحزبي والوطني على السواء، ما خلا بضعة تغريدات في مناسبات معينة، وهو ما فتح على مصراعيه باب التحليلات الخارقة والتأويلات الواهية بعضها ذهب إلى حدٍ جعل من مطلقها أضحوكة فحرب الشائعات ذات خطوات تكتيكية متسلسلة لا ضربة قاضية تقول فلان انتهى.

وإذا كان للتململ ضجيجاً يملأ الأجواء السياسية أمام هول الحملات المبرمجة والتي تستهدف إنهاء الحريرية السياسية عبر الأسلحة النفسية والمعنوية نتيجة امتلاك إعلام موجه نحو ترويج مزعوم لحالة مزرية يعيشها الرئيس سعد الحريري مادياً ونفسياً وهو ما ينعكس بشكل مباشر على معنويات الجماهير الذين سجل منهم حالات تسرب أو اعتكاف أو صوم سياسي لأسباب مادية غير ملامة وسياسية مبهمة، ولكن هل هذه هي حال كل المستقبل؟ وأين تقف الأكثرية الحريرية من الخيار السياسي اليوم؟

لا شك أن اللعبة السياسية في لبنان لا تكتمل فصولاً ما لم يكن تيار المستقبل شريكاً أساسياً فيها، في الوقت الذي لطالما جلس العاجزون عن مواجهته شعبياً على مقاعد الإحتياط السياسي، وها هم يتحينون الفرصة التي يعتقدونها أصبحت ملائمة للإنقضاض على وراثة الشغور السياسي الذي قد يخلفه تيار المستقبل إن غاب، لكن ما فات هؤلاء الذين ينتشون فرحاً بوشوشة حول الخيار السياسي من هنا وصورة انهيار مادي ومعنوي مفبركة من هناك، أن الشريحة المستقبلية الأكبر والتي تعتصم بحبل الصمت حيال ثرثرة قد يزعجها ضجيج الكلام وليس مضمونه، هذه الفئة التي لطالما آمنت – ولا تزال – أن رفيق الحريري الذي أرسى الشراكة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين على السواء كرسالة لبنان الوجودية، رسم خط الإعتدال كلغة للتخاطب السياسي والوطني بين اللبنانيين من جهة والأشقاء العرب من جهة أخرى، عَبَرَ أسوار المناطق والطوائف كاسراً الحواجز والمتاريس الطائفية التي خلفتها الحرب الأهلية عبر التعليم والترميم… هي عينها المدرسة التي تخرج منها سعد الحريري ومعه قوافل الأوفياء.

يوما بعد يوم، يزداد الحريريون تمسكاً بالنهج الذي يسير عليه سعد الحريري، يعبِّرون بهدوئه، يقاربون الشأن العام بحكمته، يحرصون على وطنهم باعتداله ويردون الأذى بتواضعه.

هكذا هم الحريريون يعملون بصمت مزهر بعيداً عن الضجيج الذي يشبع نفوس مَن لم يستطيعوا التكلم حتى في حضرة المشروع الوطني الكبير الذي يمثله سعد الحريري والأوفياء.

يجيب تيار المستقبل السائلين عن المسار والمصير بمؤتمر شبابي من هنا، لقاءات سياسية ونيابية من هناك، إنتخابات نقابية، إجتماعات دورية الكترونية وفق ما تقتضيه الظروف الصحية، تعيينات داخلية وإجراءات تنظيمية وإصرار لا يهدأ.

يبتسم مستقبلي حين يتلو مسيحيٌ فعل الإيمان بضرورة الشراكة الوطنية التي يمثلها سعد الحريري، حين ينشد شيعيٌ ضمانته لحماية السلم الأهلي وحين يسأله درزيٌ العودة للإبقاء على التوازن السياسي والطائفي بين الحلفاء والخصوم على السواء.

إن هذه الثوابت التي لطالما عبر عنها سعد الحريري في التضحيات والتي سميت تنازلات في سبيل حماية السلم الأهلي والوطني، ترجمت احترامه للمنتفضين في 17 تشرين الأول يوم أهداهم شرعية الثورة باستقالته متحدياً اللاءات الثلاث التي أطلقت في وجهه والثوار، حفاظه على صلاحيات رئاسة الحكومة يوم فضل الإعتذار عن عدم تشكيل حكومة المزيد من الإنهيار والأهم وقوفه سداً منيعاً أمام أي فتنة طائفية ومذهبية.

يدرك المستقبليون جيداً أنهم ورئيسهم بخير أما اللا خير الذي يتصوره البعض فهو جرح انهيار حلم رفيق الحريري في لبنان الذي ينازع جراء التبعية القاتلة والمكابرة المقيتة والغطرسة السياسية المدمرة.

يغمز قيادي في تيار المستقبل من قناة انتظار معظم الأحزاب والشخصيات السياسية الأخرى لموقف الرئيس سعد الحريري حيال المشاركة في الإنتخابات النيابية من عدمها، لإدراك هؤلاء التأثير المباشر للمستقبل في وضعهم الإنتخابي سواء لناحية فرص التواجد السياسي أو إمكانية التحالف والتفاهم.

ولا شك أن المقبل من أيام تيار المستقبل سيشهد زخماً قوياً يحمل على أجنحته أمرين لا بد منهما:
1- عودة سعد الحريري إلى لبنان وتالياً استئناف نشاطه السياسي ودوره الوطني وملاقاة حاضنته الشعبية والتنظيمية المرابطة خلف جبهات الوفاء.
2- عودة الجمهور الأزرق للعب دوره الريادي في معركة سيادة الدولة والتي سيترجمها من خلال الإنتخابات النيابية.

وعلى الرغم من أهمية العامل المالي في العمل السياسي خاصة الإنتخابي إلا أنه لن يكون عائقاً أمام خوض المستقبل للإستحقاق الدستوري الأهم على اعتبار أن التيار على جاهزية لوجيستية شبه تامة والمرشحون معروفون والأصدقاء كثر، إلا أن صديقاً أوفى وأقوى لم يغادر يوماً ميدان الوفاء لمسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي حمل لواءها الرئيس سعد الحريري ومعه أبناء المدرسة الحريرية، إنه جمهور تيار المستقبل وقواعده الشعبية الصامدة في مهب العواصف الإلغائية، والصامتة أمام الحملة الشعواء التي تستهدف خيارها الكياني، فهذا الجمهور وحده مَن يملك قرار بقاء سعد الحريري على رأس الزعامة الوطنية والسنية من عدمه، سيقول كلمته ملبياً النداء الوطني الذي سيطلقه فور العودة المنتظرة.

وعليه هناك منتظران عند رصيف طريق سعد الحريري، الأول ينتظر مهرجان العودة لمتابعة المسيرة والآخر ينتظر اللا عودة للملمة فتات مستقبل سياسي على أنقاض بقايا وطن.

شارك المقال