إيران: جيش الجياع يتحرك وفساد تحت غطاء العقوبات

حسناء بو حرفوش

يعاني الاقتصاد الإيراني من الإنهيار بسبب سوء الإدارة والفقر الذي يضيّق الخناق على أكثر من 30 مليون مواطن، حسب تحليل بموقع “Eurasia review”. ووفقا للقراءة، “تعمد النظام وجماعات الضغط التابعة له في الكثير من الأحيان الإشارة باصبع الإتهام للعقوبات المفروضة من الغرب بأنها وراء معاناة الشعب الإيراني وفقره الكبير في بلد غني بالمناجم والاحتياطيات. ومع ذلك، يثبت تدهور العملة الإيرانية مقابل الدولار الأميركي على مدى السنوات الأربعين الماضية، أن تدهور الاقتصاد يسلك اتجاها يصعب إيقافه. ولم يتحسن الإقتصاد على الرغم من الأموال الكبيرة المكتسبة من النفط الإيراني، بل تعرضت الأرباح على عكس ما هو متوقع، للنهب خصوصا في السنوات الأخيرة.

وهذا يطرح الكثير من التساؤل حول السبب وراء تأجيل النظام الإيراني المحادثات النووية لأكثر من ستة أشهر بذرائع مختلفة أو حتى الفشل في التوصل إلى اتفاق في المفاوضات الأخيرة لتخفيف العقوبات؟ وفي حين لا يستطيع المرء إنكار تأثير العقوبات في الاقتصاد الإيراني، إلا انها لا تعتبر السبب الرئيسي للتحديات الاقتصادية الإيرانية وانهيار الإقتصاد. كما أن قادة النظام يدركون جيداً أنهم سيكونون قادرين على الأقل على بيع نفطهم وتحقيق مكاسب غير متوقعة إذا توصلوا إلى اتفاق مع الدول الغربية. ومع ذلك، لا يبدو النظام الإيراني حريصا للغاية على التوصل إلى اتفاق آخر. فما السبب وراء هذا الرفض؟

الفقراء ليسوا الأولوية

في الواقع، لا يقع الاقتصاد والفقراء في إيران ضمن أولويات النظام الإيراني بعكس الطموحات النووية، التي يُنظر إليها كمفتاح بقاء النظام. بالنسبة له، سيضمن صنع القنبلة الذرية بقاءه. ولفهم مكامن ولاءات النظام، يمكن أخذ ميزانية إبراهيم رئيسي المقدمة إلى البرلمان الإيراني بعين الاعتبار وتحليلها، حيث تفضل الميزانية بشدة الحرس الثوري الإيراني وغيره من الكيانات الأمنية، وتزيد من تمويلها بنسبة هائلة تصل إلى 240٪! وتبرر هذه الزيادة الهائلة في النسب بحجة الدفاع ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. ويوجد في إيران الآن وزارتان مختلفتان ومتوازيتان للمعلومات، يدير أحدها الحرس الثوري الإيراني والأخرى تقع تحت سيطرة الحكومة. لكن الجميع يعلم أن كل المناورات تهدف إلى محاربة الوضع المتفجر للمجتمع الإيراني. وهذا ما يظهره إرسال عشرات الآلاف من القوات من جميع أنحاء إيران لقمع الاحتجاجات السلمية الأخيرة في أصفهان بعد الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية نقص المياه. وهذا يعني أن راحة ورفاهية الشعب الإيراني تأتيان في المرتبة الأخيرة. 

أولويات النظام

ربط النظام الإيراني بشكل واضح مصيره وبقاءه بامتلاك أو تصنيع قنبلة ذرية وهو أبعد ما يكون عن إجهاض هذه النية. وبالتالي، ينظر لأي انتكاسة في النوايا النووية للنظام وبرنامج الصواريخ والنفوذ الإقليمي، كحجر عثرة في حياة النظام. وتهدف تكتيكات شراء الوقت والتخويف التي تتبعها إيران لإقناع دول 5+1 بتنشيط خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 من دون أي تغييرات. بعبارات بسيطة، تريد إيران الاستفادة من بيع نفطها بحرية والتهرب من أي تغييرات في بنيتها التحتية النووية أو برنامجها الصاروخي أو حتى في نفوذها الإقليمي.

طبقة جديدة داخل المجتمع

وبالعودة إلى انتفاضة منتصف شباط 2019، قد يعتقد المراقب للوهلة الأولى أن أسبابها اقتصادية بشكل كامل لكن التحليل الاجتماعي يظهر مع ذلك أن الأسباب السياسية لعبت دورا أكثر أهمية في تشكيل الاحتجاجات. وتشير الدلائل إلى نشوء طبقة اجتماعية جديدة داخل المجتمع تدرك مطالبها وتوقعاتها بتعبير أدق (…) فالطبقة الوسطى، التي ازداد فقرها في إيران، والتي غالبًا ما تضم فئة من المتعلمين وأصحاب الشهادات الجامعية، تمتلك طبيعة متمردة. وعاجلاً أم آجلاً، ستستأنف الاحتجاجات عندما يعيد الناس التركيز على احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية الأساسية في حقبة ما بعد جائحة كورونا.

الوقت ليس لصالح النظام

وتحاول إيران في إطار مفاوضات فيينا الأخيرة، الحصول على أكبر عدد ممكن من الحوافز من دون أن يتوجب عليها التخلي عن الكثير. أي أن تحافظ على بنيتها النووية وتستمر في صواريخها وتأثيرها الإقليمي. ومع ذلك، قد لا يدرك النظام أن الوقت ليس لمصلحته. الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تسبب به الملالي يدفع أكثر من أربعة ملايين شخص كل عام إلى ضائقة اقتصادية لا تطاق. هؤلاء هم جيش الجياع والعاطلين عن العمل. وأظهرت انتفاضة 2019 أن جيش الجياع يتحرك.

علاوة على ذلك، دقت انتفاضات خوزستان وبلوشستان وأصفهان ناقوس الخطر للنظام. فهل يستطيع النظام الإيراني تجاوز التحدي الذي يفرضه الوقت؟ في ظل هذا المأزق، يقف النظام الإيراني أمام خيارين: الخيار الأول هو الامتثال لمطالب المجتمع الدولي والتخلي عن نفوذه الإقليمي وعن طموحاته بامتلاك أسلحة نووية، وهو احتمال مستبعد إلى حد كبير. وهذا ما يعني وفقا لخامنئي، الاستسلام والانهيار. أما الخيار الثاني فهو عدم الامتثال ومواجهة انتفاضة أخرى أكبر وأكثر انتشارا بمئات المرات مقارنة بانتفاضة 2019″.

شارك المقال