قدر البطاركة ستر عورات القيادات المسيحية؟

كمال ريشا
كمال ريشا

في كل مرة تسقط القيادات المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً، في درك المناكفات السياسية والأطماع الآنية للوصول إلى كرسي الرئاسة الأولى، أو من يغلب عليهم طموح تمديد ولايته الرئاسية، يقف الصرح البطريركي بالمرصاد، ويعمل على إعادة تصويب البوصلة، ويعمل على انقاذ الموارنة من أنفسهم أولاً، وممن يتربص بهم سواء من داخل طائفتهم أو من خارجها ثانياً.

تتبع مسيرة البطاركة الموارنة خلال المئة عام المنصرمة، منذ ولادة لبنان الكبير الذي لن نحتفل بها، خير دليل على مواجهات فعلية بين البطاركة المتعاقبين على كرسي أنطاكية وسائر المشرق، والقيادات السياسية المارونية، التي غالباً ما تغلب مصالحها الشخصية على المصلحة الوطنية، وتثبت الأيام أن رؤى البطاركة كانت الأصح.

ألم يقف البطريرك الياس الحويك، في وجه موارنة فرنسا، وأدار لهم ظهره، وترأس وفد لبنان إلى فرنسا، سلطة الوصاية آنذاك، وطالب بدولة لبنان الكبير، وكان له ما أراد، وكان لهم التراجع وإجبارهم على الاندماج مع اللبنان الذي انشئ بطلب من الحويك رئيس الوفد اللبناني المفاوض وليس الماروني؟

ألم يقف البطريرك المعوشي في وجه الرئيس كميل شمعون، وتعرضت بكركي يومها لما تتعرض له اليوم من هجمات من عامة الموارنة الذين سحرهم شمعون، وعابوا على البطريرك تدخله في الشأن السياسي، حتى إن شمعون قال يومها إنه “سيجعل العشب ينمو على طريق بكركي”، فكان أن تراجع وسقطت محاولات الرئيس جر لبنان إلى ما كان يسمى بـ”حلف بغداد”، وأثبتت بكركي أنها على حق.

ألم يقف البطريرك خريش في وجه الحرب وعسكرة المجتمع المسيحي عموماً والماروني خصوصاً؟ وعندما عجز عن المواجهة فضل أن يترك الكرسي البطريركي، لخلفه البطريرك صفير.

مسيرة الراحل صفير، لا تختلف عن أسلافه، فهو وقف في وجه الوصاية السورية، إلا أنه أيضاً وقف في وجه المسيحيين الذين انتهكوا سيادة الدولة وقرارها، فكان أن تعرض الصرح البطريركي، لهجوم من رعاع التيار العوني، الذين تعرضوا للمقام وللبطريرك معاً، في سابقة لم يشهدها الصرح البطريركي منذ أيام المماليك، اذ لم يسبق أن تعرض بطريرك للمهانة كما حصل يومها.

وخلال نفي عون، وسجن رئيس القوات اللبنانية، عمل البطريرك صفير على سد الفراغ الذي خلفه النفي والسجن، فكان خير معبر عن هواجس الموارنة والمسيحيين، إلا أنه وفي الوقت نفسه، ستر عورات التقلبات العونية والصمت القواتي القسري. وبعد خروج رئيس القوات من السجن وعودة الجنرال عون من باريس، تراجع الهم السياسي لدى البطريرك صفير، وأصبحت مواقفه السياسية عند الضرورة القصوى، ليقوّم اعوجاجاً أو يصوّب موقفاً، وكانت كلمته مسموعة لما يكنه اللبنانيون له من احترام وتقدير.

وبعد أن آثر البطريرك صفير الانسحاب والانصراف إلى التحضير لملاقاة الباري، كما قال، انتهج خلفه البطريرك الراعي سياسة دينية راعوية، مؤثراً ترك الشأن السياسي للسياسيين الموارنة، وراح يجول ويطوف في العالم متفقداً الرعايا المارونية في أقاصي الأرض ومغاربها.

مع استفحال الأزمة السياسية، وجد البطريرك الراعي نفسه مرغماً على تعاطي الشأن العام، وهو قال إن “الكنيسة معنية بالشأن الوطني”. وعلى غرار أسلافه، وجد نفسه مرغماً على ستر عورات القيادات السياسية المارونية، بعد أن أوغلوا في اليومي والشخصي على حساب الشأن الوطني، فأطلق مبادراته التي بدأت بالمطالبة بـ”تحرير الشرعية” من خاطفيها، وصولاً إلى المطالبة بـ”مؤتمر دولي” لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وحياد لبنان الناشط والإيجابي.

مواقف الراعي تلاقت مع قيادات وطنية لبنانية يتقدمها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، خصوصاً لجهة تسمية معرقلي تشكيل الحكومة، ويسعى إلى تصويب البوصلة السياسية، وربما هو الوحيد على المستوى المسيحي الذي يتعاطى اليوم الشأن السياسي الوطني، في حين يتلهى معظم القياديين الموارنة بمناكفات أقرب إلى حفلات الزجل التي ينتهي ضجيجها بمجرد نزول الشعراء عن المنبر.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً