لن يقف الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري مكتوف اليدين في ظل الانهيار الكبير الذي يفتك بالبلاد، مدركاً أنه لا يمتلك ترف الوقت. لكن عملية التأليف تحتاج إلى تضافر الجهود، وهذا ما لا يلقاه من رئيس الجمهورية وتياره، ولا من “حزب الله” الذي يبقى على موقفه بعدم الضغط على الرئيس ميشال عون ولا على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
فـ”حزب الله” وبيئته هما من أقل المتضررين في الأزمة الراهنة. ولا يشعر الحزب أنه محشور كباقي الفرقاء السياسيين وهو غير مهتم إذا تألفت الحكومة أم لا، على الرغم أنه يفضل أن تتشكل. وحتى رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يستطع أن يُقنع الحزب بالتدخل لتسهيل التأليف عبر سحب غطاء دعمه لباسيل الذي بدأ بالتصعيد السياسي وأول المصابين كان حليفه… “حزب الله”.
وتتحدث مصادر سياسية متابعة عن أن “حزب الله” مستاء من خطاب باسيل يوم السبت، وقرأ فيه أنه لا يريد المشاركة في الحكومة، ولا يريد أن تتألف أساساً، وشعر بأن باسيل يتجه لمخاطبة قاعدته الشعبية من منطلق معارضته لكل ما ستقوم به الحكومة العتيدة في محاولة للملمة شعبيته أو ما تبقى منها، من باب الحقوق المهدورة والاستهداف السياسي ومحاولة إقصاء وتحجيم أكبر كتلة برلمانية مسيحية. وهذا ما يعيد التأليف الحكومي إلى نقطة الصفر، فما هي الخيارات المطروحة والمتاحة إذن، ضمن هذه الأجواء الحكومية المقفلة؟
الخيار الوحيد هو تأليف حكومة من غير التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية والكتائب، ولكن هل يُعتبر هذا الخيار قابلاً للتنفيذ ولتجاوز العقبات؟ في هذا الحل تبرز عقدة فقدان الحكومة للميثاقية المسيحية التي لوح بها النائب باسيل. مصادر حليفة لباسيل تقول في رد على هذا السؤال: لا يمكننا القول أن تشكلت الحكومة بغياب أكبر حزبين مسيحيين تكون فاقدة للميثاقية المسيحية وخصوصاً أنها تشكلت سابقاً حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وكانت تفتقد للتمثيل السني الأكبر وهو تيار المستقبل، وكذلك تكررت التجربة مع حكومة الرئيس حسان دياب التي واجهت اعتراضاً سنياً جامعاً، وبناء على ما سبق، قضية الميثاقية غير مطروحة وغير منطقية.
فهل يؤلف الحريري حكومة من غير التيار الوطني الحر والقوات؟ لا يمانع الحريري تأليف حكومة من غير أكبر حزبين مسيحيين وهو يكتفي بثقة النواب المسيحيين الاثنين والعشرين الذين سموه، وخصوصاً أن رئيس الجمهورية ممثل في الحكومة، وتيار المردة سيشارك بوزيرين، وهو يطرح تمثيل النواب المسيحيين المستقلين الذين كلفوه في الاستشارات النيابية الملزمة، لذلك لا يرى إشكالية في الميثاقية المسيحية. ولكن هذا ليس كل شيء!! هل مع تخطي الميثاقية يمكن تخطي لغم توقيع رئيس الجمهورية ؟ كل الفرقاء السياسيين حلفاء لعون وخصومه، يعلمون أن عون لن يوقع مراسيم تأليف الحكومة إذا لم يكن باسيل موافقاً عليها وراضياً على تأليفها، لذلك نعود إلى نقطة “الصفر الحكومي” تحت عنوان: ليرضى عون بدنا نفتّش على باسيل.
استياء “حزب الله” الكبير من حليفه المسيحي باسيل لن يؤدي إلى فسخ التفاهم بينهما، على الرغم من أن رسائل باسيل وصلت إلى الحزب بسلبيتها. إذ إنه رمى خطاب السبت في وجه الحزب، وضرب كل خططه الاستراتيجية، بدءاً من رسالته الحكومية بأن لا حكومة من دونه، وصولاً إلى اقتراحه بتسييس الوفد المفاوض مع إسرائيل بضم ممثلين عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والخارجية والأشغال والطاقة والجيش اللبناني طبعاً، مروراً بتقاسم الثروات عبر طرف ثالث، أي شركة أميركية أو تحالف شركات.
في مواقف باسيل هذه، رسائل للأميركي والإسرائيلي بأنه متمايز عن “حزب الله” الذي لا يريد فريقاً سياسياً للتفاوض مثلما يطرح باسيل. و”حزب الله” ليس مع تحديد خط للترسيم لكي لا يتراجع بعدها. أما باسيل فمع وضعه لأن التفاوض يقتضي التنازل. الحزب لا يريد أي شيء مشترك مع الإسرائيلي، أما باسيل فمع شركة أميركية لتقاسم الثروات.
قرأ “حزب لله” أن باسيل يبيع الأميركي والإسرائيلي موقفاً إيجابياً لأخذ رضاهما، غير آبه برضاه. ولكن هذا الاختلاف لا يفسد في الودّ التحالفي أي قضية، وهذا السجال لن يصل إلى حد فسخ تفاهم مار مخايل، فسبق أن اختلفت مواقفهما وتساجلا، وهذه المرة ستضاف أيضاً إلى سجل خلافاتهما.. فأي حليف مسيحي يستطيع أن يحمل العبء الدولي لهذا التحالف غير التيار الوطني الحر، فـ”حزب الله” أكثر المستفيدين منه، وحليفه يتلقى العقوبات والحصار الدولي.. فليعطل باسيل الحكومة وليجُع الشعب اللبناني و”حزب الله” لن يتدخل..