من سنة “الكابوس” إلى سنة “الآتي أعظم”

هيام طوق
هيام طوق

كما توقع الخبراء والمحللون السياسيون والاقتصاديون، انطلقت سنة 2022 بانتشار كل أنواع الفيروسات السياسية والمالية والاجتماعية لأن السلطة لم تحاول البدء بالاسعافات الاولية لمنع البلد من الوصول الى مرحلة النزاع الأخيرة، لكن التعويل على بصيص الأمل هذا يبدو كحلم بعيد المنال من طبقة سياسية لا تنوي ولا تريد اخراج البلاد من العناية المركزة لأن همها الاول والأخير الحفاظ على مصالحها وتثبيت وجودها أكثر فأكثر.

يكاد لا يمر خمسة أيام على رحيل عام “الكابوس” ليحل محله عام “الآتي أعظم” إذ شهد لبنان موجات تسونامي سياسية متعددة، تسببت بالمزيد والمزيد من الخسائر الفادحة في العلاقات بين المسؤولين، تاركة خلفها حطام أمل بالوصول الى حلحلة ما لاعادة انتظام الحياة السياسية وتفعيل المؤسسات الدستورية، وضبط عقارب ساعة انطلاق قطار الاصلاح المتوقفة منذ زمن بعيد.

موقع التسونامي الأول كان قصر بعبدا حيث دعا رئيس الجمهورية ميشال عون الى طاولة حوار للتفاهم على “النقاط العالقة قبل ان يدهمنا الوقت”، وما رافقها من ارتدادات من هنا وهناك، لتلحق بها موجة عالية من المواقف اثر تصريح النائب جبران باسيل الذي شن هجومًا على رئيس مجلس النواب نبيه بري متهمًا إياه بالتحكم في قرار البرلمان، معتبرا ان “الدولة المركزية تسلب رئيس الجمهورية صلاحياته بالقوة من قبل مجلس النواب والمجلس الدستوري، وتسلب بقية الطوائف حقها بالمداورة بوزارتي المالية والداخلية، وهذا الأمر لم نعد نريده”. موقف باسيل استدعى موجة معاكسة ذات ارتدادات قوية من قبل النائب علي حسن خليل الذي أكد ان “الرئيس بري أدار حوارا داخليا جامعا اعاد تواصل اللبنانيين مع بعضهم ورسم خريطة طريق انقذت لبنان. اللبنانيون يشهدون من شوه الديموقراطية التوافقية بتعطيل الدولة والقرارات في مجلس الوزراء من اجل تمرير الصفقات، وانتم من عطلتم التصويت في مجلس الوزراء في ملفات الطاقة والاتصالات والبيئة”.

وفيما كانت أصداء الارتدادات تُسمع من كل حدب وصوب، دوّت صفارات إنذار الضاحية التصعيدية، اذ وصف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله السعودية بـ”الارهابية” وبإرسال الانتحاريين إلى العراق، مما ينذر بنسف الجهود في رأب الصدع في العلاقات بين لبنان ‏والسعودية، فجاء الرد هذه المرة على أثير “الهوا الشمالي” حيث شدد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على ان “ما قاله سماحة الامين العام لحزب الله بحق المملكة العربية السعودية لا يمثل موقف الحكومة اللبنانية والشريحة الاوسع من اللبنانيين”.

وسط كل هذه الموجات العاتية والمتلاحقة من التصريحات، لا بد من الأسئلة: هل فُقِد الأمل بالانقاذ؟ هل بات انعقاد مجلس الوزراء مستحيلا؟ وهل دخلنا في دائرة الفراغ الفعلي الى حين الاستحقاق الانتخابي؟.

يؤكد النائب علي درويش في حديث لـ “لبنان الكبير” على “اننا لم نفقد الأمل بالانقاذ على الرغم من الظروف التي نمر بها ووعلى الرغم من ارتفاع سقوف التصريحات. هناك خطابات أطلقت مع بداية العام أدت الى توتر معين على الساحة السياسية، ومن المفترض ان يكون هناك تهدئة في اليومين المقبلين ليتم العمل على اعادة التئام مجلس الوزراء وتحريك سلسلة الاتصالات في هذا الشأن”.

ويشدد على انه “في حال توافرت النية السليمة عند البعض حينها من الممكن ايجاد الحلول التي تجد طريقها للتنفيذ، لكن هناك اعتبارات عدة يتم العمل عليها في المشاورات، لافتا الى ان الحلّين المطروحين حتى اللحظة اما من قبل القضاء اللبناني المعني بالموضوع القضائي أو من خلال المجلس النيابي حيث هناك مسودة صيغة معينة قد يعاد طرحها في أي لحظة”.

ويرى ان “التصعيد يؤدي الى مشهدية لا يرغب أحد برؤيتها، واستقالة الحكومة في هذه المرحلة ستكون عاملا مساعدا لانهيار البلد، وبالتالي، وجود حكومة كاملة الصلاحيات أفضل من الفراغ المميت والمدمر. الحكومة تعمل وفق صيغة التهدئة بغض النظر عن خلفية كل فريق”.

من جهته، يعتبر الباحث والكاتب السياسي مكرم رباح ان “المناوشات والتصريحات والتصريحات المضادة التي سمعناها هي محاولة لتقطيع الوقت. هم لا يتوجهون للآخر انما لقواعدهم الشعبية لشد العصب عشية الانتخابات النيابية التي يحاولون تطييرها بأي طريقة”.

ويرى ان “ما يحصل هو تصفية حسابات داخلية، وهم يختلفون على الحصص لكنهم يتفقون على الشعب. في كل مرة يكون هناك محاولة لمعالجة الوضع بين لبنان والخليج العربي يعيد السيد حسن نصرالله الامور الى الصفر. التصريحات التي نسمعها مسرحية سياسية داخلية”.

ويشدد رباح على انه “لا توجد أي محاولة للانقاذ لأن المهم عند الطبقة السياسية ليس انقاذ البلد والشعب انما إنقاذ نفسها علما ان الانقاذ الاقتصادي يجب ان يبدأ باستعادة السيادة المنقوصة التي يمثلها حزب الله والطبقة الحاكمة التي تعطيه الشرعية، مؤكدا ان الحكومة لا يمكنها التغيير حتى لو كانت تعقد جلساتها بشكل دوري، ولا تملك القدرة والخبرة بعكس مزاعمها للتغيير”.

أما الصحافي والناشط السياسي سمير سكاف، فيؤكد ان “لا أمل بالانقاذ، والتصريحات والتصريحات المضادة تؤزم الامور أكثر فأكثر. الصورة أصبحت واضحة: الاصلاح مستحيل مع الطبقة الحاكمة ولا حل الا بالتغيير، معتبرا ان المشكلة أن معظم الاتهامات المتبادلة صحيحة، وهذا يدين كل الاطراف. وعلى الشعب ان يحجب الثقة عن الطبقة السياسية في صناديق الاقتراع، واختيار طبقة سياسية قادرة على استحواذ ثقة المجتمع الدولي والمجتمع العربي اذ ان الخيار العربي هو الاساس لأن المساعدة الفعلية تأتي عبر الاشقاء العرب وخاصة الخليجيين لان كل المحاولات الاخرى لادخال الاموال الى لبنان شبه مغلقة”.

وختم سكاف: “نحن ذاهبون الى انهيار اقتصادي اجتماعي سيؤدي الى انهيار تام في كل المؤسسات مع التخوف من وصول الانهيار الى المؤسسات الأمنية، وهنا تكمن الخطورة الكبرى. وبالتالي، فإن الطبقة الحاكمة لا يمكنها وغير مستعدة لفرملة هذا الانهيار لأن الاصلاح يتطلب منها الغاء نفسها وهي لا تريد هذا الخيار. لا شيء يبشر بالخير، ولا أمل بالطبقة الحاكمة في اخراجنا من الازمة”.

شارك المقال