اجتماع بعبدا… صفقة “مثمرة” أو تسوية “مرّة”؟

هيام طوق
هيام طوق

من راقب التصريحات والتصريحات المضادة، والاتهامات والاتهامات المعاكسة بين المسؤولين منذ انطلاق العام الحالي، ظنّ ان البلد ذاهب بسرعة قياسية الى الانهيار الكلي، وان هذا المنحى الانتحاري قضى على بصيص أمل في الانقاذ، وان الفراغ الدستوري القاتل سيكون سيد الساحة السياسية وصولا الى الانتخابات النيابية اذا لم يتم تطييرها. 

الاجتماع الاول في السنة الجديدة بين عون وميقاتي والذي وُصف “بالمثمر”، تم الاتفاق خلاله على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب. كما أبلغ ميقاتي الرئيس عون بأن الموازنة العامة لعام 2022 باتت جاهزة، وسيتم استلامها خلال اليومين المقبلين وفور استلام الموازنة سيتم دعوة مجلس الوزراء للانعقاد حيث سيكون على جدول اعماله بند الموازنة باعتباره شرطا اساسيا في التفاوض مع صندوق النقد.

وللمفارقة، فإن الأجواء التي كانت سائدة قبل الاجتماع تفيد بأن رئيس الجمهورية لن يوقع على مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب كرد مباشر على الرئيس بري و”حزب الله” لتعطيلهما انعقاد جلسات مجلس الوزراء ولرفضه إعطاء الحصانة للنواب الملاحقين في قضية انفجار المرفأ، مع العلم ان عددا من النواب يعملون على توقيع عريضة نيابية لإلزام رئيس الجمهورية بفتح الدورة الاستثنائية في حال حصلت على توقيع الأكثرية المطلقة وفق المادة 33 من الدستور. فيما رئيس الحكومة، كان على مدى الفترة السابقة يؤكد عدم الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء اذا لم يشارك فيها الجميع، وانه يراهن في تريّثه على الحس الوطني لدى جميع الفرقاء لمعاودة عقد الجلسات. أما “الثنائي الشيعي”، فكان متمسكا بقراره بعدم المشاركة بأي جلسة حكومية طالما لم تحل قضية البيطار.

في ظل هذا المشهد السياسي المستجدّ، جرى الحديث عن صفقة تحت الطاولة تتمثل بعودة الحكومة إلى الاجتماع مقابل عودة البرلمان، وبالتالي عودة الحصانات كما تناقلت معلومات عن امكانية الاتفاق على تسوية جديدة في ظل الترجيح بقرب اصدار المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، قراره الظني في ملف تفجير المرفأ بحيث تسقط مبررات منع مجلس الوزراء من الانعقاد لأن قاضي التحقيق متى أصدر قراره الظني ترتفع يده عن الدعوى، وتصبح أمام المجلس العدلي. ووفق أصول المحاكمات الجزائية استثناءً، قرارات المحقق العدلي غير قابلة للاستئناف بمعنى ان قضاء التحقيق عادة يتم استئناف قراراته امام الهيئة الاتهامية، لكن عندما تكون الدعوى امام المجلس العدلي، تأتي قرارات المحقق العدلي مبرمة غير قابلة للاستئناف وفق ما أوضحه مدير مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتجية” محمد زكور لـ”لبنان الكبير”. 

وعن موقف “الثنائي” من المشاركة في الجلسة في حال دعا اليها الرئيس ميقاتي، قال النائب محمد خواجة لـ”لبنان الكبير”: “ليس لدي أي معطى بالموضوع الحكومي، وحين يدعو الرئيس ميقاتي الى جلسة، ندرس الظروف والتوقيت، ويبنى على الشيء مقتضاه. هناك مشكلة، واذا كان العمل يجري على حلها، فهذا أمر جيد”. واعتبر انه “في حال صح الكلام عن فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، فهذا أمر ايجابي جدا لأنه يفتح ثغرة في الجدار المسدود. ونتمنى ان تتم حلحلة كل العقد لأنه يكفينا مشاكل، ونحن محكومون بإيجاد تسوية وان كان نظامنا الطائفي يتطلب تسويات يومية. لا يمكننا الاستمرار بهذه الطريقة”. 

وحول الحديث عن تسوية جديدة، لفت خواجة الى “انني لم أسمع عن تسوية، ولا يمكن التعليق على كل ما يقال او يتم التكهن به، لكن أتمنى ان تزول الاسباب التي أدت الى التعطيل، وكل المسائل العالقة بين اللبنانيين لا تحل الا من خلال الحوار والوصول الى تسويات دائمة وليس موقتة كي نتفرغ حكومة ومجلسا لمعالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الخانقة. نحن في حالة انهيار شامل على الصعد كافة، ولا يمكن مواجهتها الا من خلال اتحادنا حول رؤية، ونتفق على برنامج عمل سريع لأن الشعب لم يعد بإمكانه التحمّل”.

على الصعيد الحكومي، أكدت مصادر مقربة من رئيس الحكومة لـ”لبنان الكبير” ان “هناك تلمس لأجواء ايجابية لدى “الثنائي الشيعي” لناحية امكانية المشاركة في جلسة مجلس الوزراء التي سيتم الدعوة اليها إلا ان لا شيء مؤكدا وواضحا حتى اللحظة، لكن طالما جرى الاتصال والنقاش بين الرؤساء الثلاثة وطالما هناك حاجة لانعقاد جلسة حكومية، كلها أمور تؤشر الى نوع من الحلحلة والأيام المقبلة توضح الصورة”.

وشددت المصادر على ان “لا مجال الا ان يأتي الفرج، وفتح دورة استثنائية لمجلس النواب حاجة لمواكبة الحكومة في مشاريع القوانين، والرئيس ميقاتي يعول على الحس الوطني لدى الجميع لأن الكل بحاجة الى الهدوء ووضع الامور في نصابها ان كان على مستوى العمل في مجلس النواب او على مستوى عمل الحكومة، والكل معني”.

ولفت الى ان “التسويات بمعنى التسويات لا تبني دولة، وعقد دورة استثنائية لمجلس النواب حاجة للتشريع كما ان انعقاد مجلس الوزراء الذي على جدول أعماله 200 بند بالاضافة لموضوع الموازنة حاجة أيضا. أما في السياسة، كل جهة يمكنها التحليل والتحدث عن صفقات وتسويات وربح وخسارة، لكن يبقى الاهم ان انعقاد مجلسي الوزراء والنواب حاجة للجميع”.

الرأي القانوني 

وقال مدير مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتجية” محمد زكور: “تبادر الى السمع بتسوية مفادها توقيع رئيس الجمهورية عقد فتح دورة استثنائية لمجلس النواب وانعقاد جلسة لمجلس الوزراء يتم خلالها مناقشة مواضيع عدة أهمها متابعة مناقشة الموازنة والتي حسب الدستور يخصص العقد الاول من جلسات مجلس النواب لمناقشتها. كما وينص الدستور على ان الموازنة في حال لم يتم الانتهاء من دراستها في العقد الاول الذي ينتهي في بداية السنة، يصار الى عقد جلسة استثنائية لمجلس النواب لاتمام البحث بالموازنة”. 

وتابع: “هناك معلومات تؤكد ان ثمة تسوية سيصار من خلالها دعوة رئيس الحكومة الى جلسة مجلس وزراء يتم خلالها استئناف الحياة السياسية، لكن أي معلومات تنص على ان ثمة ربط بين التسوية السياسية الكبرى التي سيتفق عليها والتي على أساسها سيشارك “الثنائي الشيعي” في جلسات مجلس الوزراء ان كانت ستكون مقابل ملف القاضي البيطار، فإنها ستكون تعدٍ متجدّد وواضح على القضاء، ذلك لأن عمل المحقق العدلي وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات يشوبه ويجب أن يشوبه مبدأ استقلالية القضاء ولا شأن للسلطة السياسية بإجراء تسوية سياسية على حساب القضاء”.

وأشار الى ان “هناك معلومات تقول ان البيطار سيصدر قراره الظني، وبذلك يتم الانتهاء من موضوع المطالبة بتنحيته، لكن السؤال الكبير الذي يطرح هنا: ماذا لو أصدر البيطار قرارا ظنيا قضى بالظن بالرؤساء والوزراء المشتبه بهم مقرونا بمذكرة توقيف أو بالقاء القبض عليهم؟ حينها ستتعقد المشكلة أكثر وأكثر لأن مفعول مذكرة التوقيف الغيابية يقتصر على توقيف المشتبه به ليتم التحقيق معه وعندها يتم استرداد مذكرة التوقيف الغيابية حين يعمد الى توقيف المشتبه به، لكن المعضلة الكبرى والتي يظن البعض واهما أنه سيحل المشكلة من خلالها بأن يعمد البيطار الى اصدار قراره الظني الذي نسميه استثناء اتهاميا. لأن المحقق العدلي لدى المجلس العدلي يلعب دور الهيئة الاتهامية في الوقت عينه. ان أصدر قراره الاتهامي بالظن بالمشتبه بهم والقاء القبض عليهم ستتعقد المشكلة أكثر وأكثر”.

وشدد على ان “أي ربط بين اصدار القرار الظني وانهاء ملف المرفأ ليس الا من قبيل الوهم والهرطقة. ان أي تسوية سياسية بين الرؤساء الثلاثة أو بين “الثنائي الشعي” من جهة ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى ان كانت ستتم على حساب قضية المرفأ، فأي نموذج نقدم للمجتمع الدولي وللعدالة ولدماء الشهداء؟، معتبرا ان الحل بفصل السياسة عن القضاء، وترك القضية تأخذ مجراها القانوني، وحذارِ من تفجير أمني”.

شارك المقال