ما الذي يحصل في كازاخستان؟

حسناء بو حرفوش

من المتعارف عليه على الساحة الإخبارية أن ارتفاع أسعار الوقود شكّل الشرارة الأولى لاحتجاجات عامة نادرا ما سجلت في كازاخستان، إلا أن حدة الاضطرابات ودرجة العنف تكشف عما هو أبعد من مجرد امتعاض من الأسعار. إذ تشهد البلاد استياء واسع النطاق من النظام الاستبدادي الذي يحكمها منذ استقلالها، حسب تحليل يتساءل حول ما يخفى وراء تفجّر العنف في كازاخستان؟

ووفقا للتحليل، “يبدو أن العام 2022 ارتدى بالفعل حلّة العام المضطرب والدموي في البلاد التي كانت جمهورية سوفياتية في السابق. وامتدت رقعة الاحتجاجات الأولية التي بدأت في غرب كازاخستان على خلفية ارتفاع أسعار البنزين في ألماتي، وهي أكبر المدن في البلاد، وسرعان ما تحولت إلى أعمال عنف، حيث أضرمت النيران في المباني الحكومية وفتحت الشرطة الكازاخستانية النار على المتظاهرين. وبحلول صباح الخميس، قتل عشرات المتظاهرين وسقط 12 شرطيا، كما عثر على جثة ضابط مقطوعة الرأس. ومقارنة بما تردد حول الاضطرابات الاقتصادية، بدا العنف المتفجر غير عادي. ويلاحظ المراقبون أن هناك أسئلة سياسية وجيوسياسية أعمق بكثير تطرح حول النظام المنتج للنفط، والذي يديره بشكل فعال منذ استقلاله عام 1991 نور سلطان نزارباييف. وفي ساعات ما قبل فجر الخميس، استقالت حكومة رئيس الوزراء عسكر مامين في محاولة لتهدئة المتظاهرين، وأرسلت روسيا مظليين إلى البلاد.

وذكرت صحيفة “كوميرسانت” (Коммерса́нтъ) الروسية أن الاحتجاجات كانت مدفوعة بقرار 31 كانون الأول حول مضاعفة سعر الغاز الطبيعي الذي يغذي معظم السيارات في البلاد. وارتفعت كلفة الغاز في بلد يحتل المرتبة 13 بين أكبر منتجي النفط في العالم من 13 إلى 25 سنتًا لليتر الواحد، علما أن الحد الأدنى للأجور أكثر بقليل من 100 دولار شهريًا.

تصاعد الغضب إزاء الاستبداد

بدأت الاحتجاجات للمرة الأولى في منطقة غرب البلاد الغنية بالمعادن. وكان عمال النفط قد أضربوا من قبل في تلك المنطقة عام 2011، حيث قُتل 16 شخصا في حملة القمع، علما أن جماعات حقوق الإنسان تقول إن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير. وسرعان ما تردد صدى ضربات 2022 في مدن أخرى في كازاخستان، حيث تنامت مشاعر المعارضة بقوة وبشكل تقليدي. وطوق الحرس الوطني عاصمة البلاد، كما اشتدت الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين وشهدت استخدام المدرعات والقنابل اليدوية.

الحكومة لن تسقط

وعقب هذه الأحداث، صدر مرسوم رئاسي اعاد تعديل أسعار الغاز الأولية الثلاثاء، واستقالت الحكومة في اليوم التالي. وكرر الرئيس في خطابه مرتين عبارة: “الحكومة لن تسقط”. ويشغل حاليا عليخان سمايلوف، نائب رئيس الوزراء السابق، منصب رئيس الوزراء بالإنابة. ومع ذلك، يظهر أن أسعار الغاز مجرد قوة دافعة للاحتجاجات. في الواقع، حدثت الاضطرابات العنيفة بعد أن أعلنت الحكومة أن الأسعار ستعود إلى مستوياتها السابقة. واشعلت النيران في سيارات الشرطة في المدن، وهاجم الناس الشرطة وطردوا المركبات العسكرية خارج المدينة، مما يشير إلى الاستياء المتراكم في الشارع. وهتف المتظاهرون بالدعوة إلى رحيل نزارباييف البالغ من العمر 81 عامًا ونعتوه بـ”العجوز”. وقد شغل منصب الرئيس والزعيم المطلق حتى العام 2019. لكنه لا يزال يمسك بالسلطة الحقيقية في البلاد وراء الكواليس. ولا تقدم تصريحات الرئيس الصوري ولا تغيير الحكومة أي تأثير حقيقي للنظام السياسي الاستبدادي في البلاد.

ولم يقدم نقل نزارباييف الظاهري للسلطة شيئا يذكر لمساعدة النمو الاقتصادي في البلاد. ويتطلب النمو الاقتصادي نظاما سياسيًا مختلفًا عن النظام الاستبدادي الذي يحكم منذ الاستقلال، وهذا ما يطالب به المحتجون. وعلى الرغم من قربها من روسيا والتاريخ السوفياتي المشترك، ليست كازاخستان تماما كجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي الأخرى. فمتوسط ​​العمر فيها منخفض (30-35 سنة) والدين (الإسلام) فيها منفصل عن السياسة والحياة الاجتماعية، مما يعني أنه سيكون من المستحيل على الأصوليين الدينيين الاستيلاء على السلطة. كما تتمتع البلاد بموقع جغرافي تحسد عليه على مفترق طرق لتدفقات النقل بين أوروبا وآسيا. وهي تمتلك نفطا أكثر من روسيا وليس لديها تاريخ دموي على غرار معظم جيرانها. ولا شك أن احتجاجات كانون الثاني التي بدأت للتو ستؤثر بلا شك في المنطقة بأكملها وجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي. واستفادت روسيا من دون شك من الموقف ونشرت مظليين، لكن الأمور لن تنتهي عند هذا الحد، ولا حتى عند القضاء على نزارباييف، الذي كان لا يمكن المساس به في السابق. ويطالب شعب كازاخستان بالتغيير. وقد بدأت إراقة الدماء بالفعل، وهذا يعني استحالة التعويل على نتيجة سلمية”.

شارك المقال