التحركات “فشة خلق”… والإنقاذ باستعادة الشرعية المخطوفة

هيام طوق
هيام طوق

منذ سنوات قليلة، أصبح يتردد على مسامع اللبنانيين ان أبواب جهنم ستكون مفتوحة على مصراعيها أمامهم، وانهم سيتذوقون مرارة معيشية تجعلهم يحاكون أنفسهم، ويخافون من خيالهم، ويحسبون ألف حساب قبل شراء أبسط حاجياتهم، ويموتون ألف مرة قبل أن يزوروا طبيبهم، ويسألون ألف سؤال عندما يستيقظون من نومهم الثقيل: هل نعاني حلما مزعجا أو كابوسا مفزعا؟ ليأتي الجواب سريعا عندما يلتفتون من حولهم، ويتأكدون من الأسعار التي تتسابق وعقارب الساعة صعودا: أيها اللبنانيون أنتم تعيشون واقعا ما بعده واقعية يتمثل في تخطيط السلطة الحاكمة لشد الخناق على أعناقكم شيئا فشيئا، والقبض على أرواحكم رويدا رويدا من دون أن يرفّ جفن ضميرها أو يتحرك احساسها الانساني تجاه شعب حكمت عليه بالموت رجما بالحجارة الصحية والمعيشية والحياتية.

أمس، وككل يوم، استفاق الناس على زيادة “قفزية ” في أسعار السلع الاستهلاكية، من دون تحريك أي ساكن لان السلطة مرتاحة على وضعها، وتنصرف الى تأمين مصالحها على قاعدة “من بعد حماري ما ينبت حشيش”. أما الشعب الذي يرزح تحت أثقال لم يعد باستطاعته القيام من تحتها، يتلقى صفعات على رأسه من دون هوادة، فتخدّر وانكسر وأُحبط وأصيب بكل أنواع الشلل الحركي، والكل يسأل الكل: لماذا هذا الصمت المدوي والرضوخ المخزي أمام حاكم حكم على شعبه بالاعدام من دون السماح له بطلب أخير يطلب فيه الاستغاثة؟

تحركات خجولة وقطع طرقات في مختلف المدن والمناطق لبعض الوقت لا تجسّد حجم الأزمات التي تخنق الجميع، كما ان الاضرابات وأيام الغضب التي دعا اليها الاتحاد العمالي العام وقطاع النقل البري لم تكن على قدر الآمال والتطلعات، والتعويل على مدى نجاح الاضراب المفتوح غدا الخميس ومدى التزام القطاعات والتصعيد في الشارع إذ أشار رئيس إتحاد ​النقل البري​ ​بسام طليس إلى أن “كل الأبواب أقفلت بوجهنا بعد عدم إلتزام رئيس الحكومة بالإتفاق الذي تم معنا، وسنقطع الإتصالات مع المعنيين ونوقف أي تفاوض بشأن وقف التحركات بعدما فقدنا الأمل من كلّ الوعود السابقة التي أطلقت ولم تنفذ”.

ويبقى أن نسأل: هل التحركات الخجولة وقطع الطرقات المتقطع بمثابة “بروفا” للانفجار الاجتماعي الكبير الذي يتحدث عنه الخبراء والذي بات وشيكا؟ وفي حال نزل الناس الى الشوارع، هل ستكون الامور مضبوطة أو انها ستنزلق الى وضع لا يمكن احتواؤه وصولا الى أعمال شغب وانزلاق أمني؟ وهل هذه التحركات ستؤدي الى النتائج المرجوة اذا لم تنطلق من معالجة أسباب الازمات الحقيقية وليس الاكتفاء بردود الافعال على النتائج؟.

نعمة محفوض: لا حل قبل استعادة الشرعية المخطوفة

أشار النقيب السابق للمعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض الى ان ” الناس حاليا تعبر عن غضبها، وتأخرنا في الوصول الى الذروة لأن اللبنانيين أحبطوا في أكثر من محطة لكن عندما يصل الجوع الى كل العائلات لن يبقى أحد في بيته. نحن ذاهبون الى انفجار اجتماعي كبير لأن لا بصيص ضوء في النفق المظلم، ويطلبون من الناس القيام بأعمالهم، وهم منعوا عنهم كل مقومات الحياة”، مشددا على “الحرص الا يذهب الانفجار الاجتماعي الى الفوضى والتخريب بل التوجه ضد السلطة والمنظومة الحاكمة التي تعيش حالة انكار، ويتعاطون مع الناس كأنهم مسؤولين عن دولة أخرى”.

وأكد ان “البلد اليوم مخطوف، ولا يمكن ايجاد حل لأي مشكلة قبل استعادة الشرعية المخطوفة وضبط الحدود، واذا لم تتم معالجة الاسباب الاساسية التي أوصلتنا الى ما نحن عليه، فلا جدوى من التحركات. نريد حكومة تقف في وجه من يعكّر علاقتنا بالدول العربية والغربية”.

ولفت الى ان “التحركات تعبير عن غضب ونقمة اذ لا يجوز الطلب من المذبوح عدم الصراخ. وعندما نصل الى الانفجار الاجتماعي الكبير يجب ان يكون هناك قيادات توجّه الانفجار بالاتجاه الصحيح، باتجاه سبب الازمة الحقيقي”.

سلامة: الاتحاد حول السبب الرئيسي للضربات المتلاحقة

اعتبر رئيس جبهة السيادة اللبنانية بهجت سلامة انه “طالما التحركات ضد الغلاء وضد الحكومة، لن تؤدي الى نتيجة بل ستكون بمثابة فشة خلق لا أكثر. السبب الاساسي الذي أوصلنا الى هنا هو الاحتلال الايراني للبلد بواسطة حزب الله، لافتا الى ان الكل يتحرك انطلاقا من النتائج وليس من اسباب الازمات. وطالما الشعب لم يّتحد حول السبب الرئيسي للضربات المتلاحقة لن تؤدي التحركات الى أي نتيجة”.

ورأى ان “الانفجار الاجتماعي سيؤدي الى حالة أمنية وأعمال شغب وعنف لكن لن تصل الى مرحلة حرب، والجيش والقوى الامنية ربما لن يعرضوا حياتهم للخطر في ظل الازمة التي يعيشونها، ومعاشاتهم التي باتت تساوي بعض الدولارات، مشددا على ان الانفجار الاجتماعي اذا لم يؤد الى انتفاضة سياسية وطنية لن نصل الى الهدف المطلوب”.

أيوبي: جبروت الاستبداد سيأخذ البلد إلى انفجار

ولفت الباحث والكاتب السياسي مروان أيوبي الى “اننا لم نصل الى الاصطدام والانفجار الاجتماعي بعد، انما نحن في مرحلة الانهيار الكامل، وما يجري حاليا هو تعبير شعبي لاخراج الغضب من النفوس لأن الجوع وصل الى كل بيت، لكن قد نكون على بعد خطوات من الانفجار الاجتماعي لأن ما من أحد يستطيع لجم هذا التدهور السريع في سعر الصرف أو ضبط الاسعار التي ترتفع بشكل جنوني”.

وأضاف: “التحركات لا تزال خجولة لكنها ستتدحرج مع كل ارتفاع في سعر الصرف وصولا الى الانفجار الاجتماعي. نحن في بلد مشلّع ومشرع أمام الرياح، والسلطة في مكان آخر، وما من احد مستعد للقيام بخطوة للانقاذ، وهذا النوع من جبروت الاستبداد سيأخذ البلد الى انفجار لا تحمد عقباه، مشيرا الى انه ربما نصل الى مرحلة حيث كل شخص يأخذ حقه بيده، وهذا أخطر ما يمكن”.

واعتبر ان “الناس ربما يقومون بأعمال شغب كحرق دواليب ومكبات نفايات، لكن الانفجار الأمني، بعض قوى السلطة لديها امكانية افتعاله وليس الشعب”.

شارك المقال