القائد “السني” العراقي… ظهور مؤجل على وقع الفيتو الإيراني

علي البغدادي

منذ سقوط نظام صدام حسين في نيسان 2003 على يد الاميركيين وحلفائهم، بدأت ازمة القيادة السنّية ماثلة للعيان وسط ضياع وتشتّت رافقه انهيار مجد اسماء لامعة وانزواء اخرى وغياب قسري فرضته اجراءات اجتثاث حزب البعث والاقصاء العشوائي على خلفيات مذهبية.

ويترسخ تشظي الساسة السنّة وانقسامهم على مدى سنوات ويظهر اكثر وضوحا في الاستحقاقات السياسية بعد كل انتخابات شارك فيها المكون العربي السنّي منذ اول انتخابات عام 2005 وحتى 2021، ففي كل استحقاق انتخابي يظهر جيل من الزعامات يطغى على من سبقه وحتى في الانتخابات الاخيرة فإن توحّد الكتل السنّية في تحالف واحد لن يكون كما يرى اكثر المتفائلين قابلا للحياة لاكثر من ستة اشهر.

ومارست الحكومات التي يقودها ساسة من الشيعة دورا كبيرا في اضعاف القيادات السنّية وتحييدها وحتى اقصائها كما حصل مع نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء رافع العيساوي وساسة بارزين آخرين ابان حقبة المالكي، بينما اكملت الفصائل المسلحة الموالية لايران مسيرة احكام قبضتها على المدن السنّية وكبت الاصوات المناوئة وصنع زعامات كارتونية ضعيفة موالية لها على حساب قيادات ذات باع وتأثير اضمحلا مع دخول سلاح الفصائل المسلحة الى المدن التي كانت خاضعة لسيطرة داعش.

وعلى الرغم من التقارب بين القيادات السنّية في حوارات تاليف الحكومة الجديدة عقب الانتخابات التشريعية الاخيرة الا ان التحالفات بين الساسة السنّة سرعان ما ستتهاوى على وقع اغراءات السلطة والتراجع عن التعهدات التي تم قطعها خاصة ان التجارب بين الساسة السنّة تثبت ان مصالحهم لا مصالح المكون الذي ينتمون له هي الاساس في الخلافات التي تؤدي لانهيار التحالفات السياسية.

ومع ان السنّة وعلى امتداد تاريخهم في العراق لم يتقوقعوا في قالب المرجعية الدينية او السياسية الا ان واقع الحال جعلهم في وضع حرج بعد سقوط نظام صدام حسين الذي كان الكثير من قياداته البارزة من المذهب السنّي الا ان انتماءهم كان بعثيا عقائديا وهو انتماء كان ذا اثر مدمر في ظل شمولهم بالتصفية والتضييق والطرد من الوظائف سواء على اساس الانتماء السياسي او المذهبي، كما ان الرئيس الراحل نفسه لم يسمح بظهور شخصيات لها ثقل في الوسط السنّي تنافسه في التأثير والقيادة الى جانب ان صدام حسين وان لم يكن يتعاطى مع الشأن العام من واقع كونه سنّي المذهب الا انه كان يرى بنفسه حاميا وزعيما للامة التي يشكل السنّة الاغلبية فيها.

ولا يختلف اثنان على أن أركان المكون السنّي او البيت السنّي اخفقوا بشكل كبير بعد دخولهم رسميا للعملية السياسية في 2006، ولم يتمكنوا من تحقيق اي مطلب او وعود اطلقوها في برامجهم الانتخابية بل بالعكس بات تراجع قيمة ومستوى الوعود سمة بارزة حتى اكتفوا بالحصول على الامتيازات من الحكومة ذات التوجه الشيعي ووفقا لرغبة ايرانية في منح السنّة نصيباً من الامتيازات حسب قرب شخصياتهم من ايران.

ومع ان واشنطن عملت على اكثر من محور لصناعة قيادة سنّية الا ان جهودها بهذا المضمار قد فشلت فشلا ذريعا منذ منحت التمثيل السني لشخصيات “متقدمة بالسن” مثل نصير الجادرجي والراحل عدنان الباجه جي ولاحقا الراحل عدنان الدليمي، وكلها اسماء تجاوزتها الاحداث الجسيمة التي مرت على العراق فيما ظهرت في الآونة الاخيرة شخصيات شابة تملك تأثيرا مناطقيا اكبر من كونها زعامات عامة للمكون الذي يحتاج الى ايجاد شخص سياسي فيه كاريزما القائد.

فالولايات المتحدة مدعومة بدول عربية حليفة تريد صناعة شخصية بعيدة عن محور ايران وحاصلة على شهادة مرموقة ولها باع سياسي وهي مميزات قد تظهر في غضون السنتين المقبلتين مما يتيح لها المشاركة في الانتخابات لحصد اعلى الاصوات على ان يكون وسطيا وغير مرتبط بالنظام العراقي السابق.

ويرى المحلل السياسي رعد هاشم ان “جمهور المكون السنّي عموما لا يستسيغ وصف القائد السنّي لكن ربما مؤيدو بعض الشخصيات يلجأون إلى هذه الأوصاف لكن في الحقيقة لا توجد هكذا تسميات أو هكذا مصطلحات”.

ويرى المحلل السياسي العراقي ان العقبات التي تواجه ظهور “قائد سنّي” ملامحها واضحة منذ 2003 وبداية العملية السياسية في ظل إسقاط وعراقيل وضعها القائمون على العملية السياسية من المتنفذين وحرصهم على اختيار شخصيات سنّية ضعيفة لا تتجانس مع رغبات وتطلعات الجمهور السنّي.

واضاف هاشم ان “اختيار الشخصيات عنوة حتى تتصدى للمشاركة بالعملية السياسية، ادى الى رد فعل أو ضعف استجابة من قبل جمهور المكون”.

ووجه المحلل السياسي رعد هاشم اصابع الاتهام الى إيران بوقوفها خلف اضعاف القيادات السنّية قائلا ان “ايران هي الجهة الرئيسية التي تعيق أو تضع الحواجز للحؤول دون بروز واجهة سياسية سنّية تتحمل المسؤولية بكفاءة او ظهور قائد سنّي يحظى باجماع المكون، فالتجربة أثبتت إن أي واجهة سنّية تريد ان تبني لها اسما يتجانس مع تطلعات الجمهور سيحبط مسعاه ويتاخر مساره، مشيرا الى ان ظهور نموذج لقائد سنّي سيتأخر حتى لسنوات طويلة، ليس بمعنى أن الخلافات التي تضرب الجماعات السياسية السنّية تساهم في عرقلة اختيار القائد السنّي لكن الجماعات التي تصدرت لا تضم من يمتلك المواصفات الملائمة بحكم المحددات الإقليمية والسياسية العامة الداخلية اضافة الى استئثار جماعات المكون الشيعي بالسلطة على كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية وعدم وجود التوازن السياسي والتوازن المكوناتي في دوائر الدولة والوزارات.”

واستبعد المحلل السياسي العراقي “بروز قيادة سنّية تحظى باستجابة أو بمقبولية من قبل أبناء المكون فالسياسي السنّي ليس له أي قدرة او صلاحية او مرونة في موضوع التوظيف على سبيل المثال فهو لا يملك صلاحية التأثير في أصغر معمل أو مؤسسة في المناطق السنّية، لذلك تجده يلجأ إلى القيادات الشيعية البارزة في بغداد بهدف التقرب إليها “.

واوضح المحلل السياسي رعد هاشم ان “تواجد الفصائل المسلحة جعل لها قصب السبق أو الهيمنة والنفوذ والسيطرة على الجانب الأمني والاستخباراتي والسياسي، لذلك يجد السكان السنّة ان لا نفع للسياسي السنّي في المنطقة بقدر ما ينفعهم ربما عنصر مسلح في الفصائل الموجودة في المناطق المحررة، وهذه عوامل من ضمن عوامل كثيرة تحول دون بروز أي واجهة سنّية او قائد سنّي”.

ويبقى ظهور “القائد السنّي” الواحد مؤجلا في ظل الصراع الداخلي بين الشخصيات السنّية على الرغم من محاولات لململة شتاتها الى جانب الفيتو الايراني المدعوم بنفوذ المليشيات المسلحة.

شارك المقال