“عروس الثورة” مشلولة في يوم “الغضب”!

إسراء ديب
إسراء ديب

تطغى الهموم المعيشية في مدينة طرابلس على أيّ همّ آخر يرزح المواطن تحت وطأته، فلا ينكر أحد أنّ كلّ مواطن طرابلسي يعيش في حال غضب شديدة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية التي جعلته في “الدرك الأسفل” من “جهنّم” السياسيين الذين أحرقوا كلّ نعمة قد يجدها المواطن في كلّ مجال أو ميدان اقتصادي، اجتماعي، سياسي، وصحي.

وفي “يوم الغضب”، انضمّ منذ الصباح الباكر السائقون العموميون والكثير من العمّال إلى فعالياته من مختلف المناطق والأحياء الطرابلسية التي شُلّت الحركة فيها تمامًا، وذلك بعدما عمد المحتجون إلى إقفال الطرقات الداخلية منها والرئيسية من خلال ركن السيّارات، الحافلات والشاحنات وسط الطريق، مما منع الكثير من المواطنين من الوصول إلى أماكن عملهم، أو حتّى من المشاركة في هذا الاحتجاج الذي استمرّ ساعات من دون مشاركة شعبية واسعة.

في الساعات التي قطعت فيها الطرقات في المدينة، وبجود العديد من المحتجين الذين لا يُمكن إغفال مدى صدق بعضهم وحجم معاناته، بقيت طرابلس مشلولة اقتصاديًا وسياسيًا ولم تُغيّر خريطة الغضب منها شيئًا، فهذه المدينة التي تأقلم النّاس فيها على ساعات الغضب، لم تعتد أصلًا على ألّا تُشارك في احتجاجات شعبية بكلّ قوّة وجدارة، وألّا يُشاركها أهالي الضنية وعكّار أوجاعها وآلامها التي يُواجهونها “على أضعاف” في محافظاتهم التي أغرقتها الدّولة ورجال الأعمال والمال بالوعود والإهمال طوال أعوام وحتى يومنا هذا.

حال الطرابلسيين مع يوم الغضب

قد تُشبه حال الطرابلسيين اليوم، الحال التي تعيشها ليْلى.ع. وهي من سكّان التبانة، وعملت لسنوات في مهنٍ عدّة لتتمكّن من تربية أطفالها الثلاثة الذين تحمّلت مسؤوليتهم وحدها منذ أكثر من 40 عامًا بعد اختفاء زوجها خلال الحرب الأهلية، إذ عملت في تنظيف المنازل، بيع الخضار والفاكهة، وغيرهما من المهن البسيطة التي تعجز اليوم مع معاناتها من مرض القلب وتصلّب الشرايين عن الاستمرار في هذه المهن التي تحتاج إلى نفسٍ طويل وقلب يصبر على نوائب طرابلس وثغر نوابها.

يُمكن القول أنّ المرض قد دفع ليلى إلى الانهيار ولا سيما مع غلاء ثمن الأدوية التي كانت عجزت عن شرائها في الفترة الأخيرة، مما دفع أحد المغتربين في أستراليا إلى مساعدتها منذ أشهر عبر إرساله دعمًا ماديًا ضئيلًا، وأنّ بطالة أولادها (وهم كلّ من علي ومحمّد وخالد) قد جعلتها في حالة من الإرهاق. “هي كانت تُريد المشاركة في “يوم الغضب” لكنّها تراجعت بسبب عدم ثقتها بالمحتجين من جهة، وعدم مشاركة الكثير من المواطنين من جهة ثانية في هذه الفعاليات، التي تحتاج فعليًا إلى حشد من المشاركين لا يقطع الطرقات، بل يقوم بمظاهرات مسيّرة وشعارات مندّدة بالسلطة يوميًا، فأنا أرى أولادي عاطلين عن العمل وأحدهم تمكّنت من حمايته من أحد التنظيمات المتطرّفة منذ فترة، بعد إرساله إلى أحد المخيّمات لأحميه وأحمي اسم عائلة زوجي الذي تركني وحيدة بعد نضاله ضدّ الظلم وتحكّم النّظام السوري فينا منذ ذلك الوقت، لكنّ اليوم لا طاقة لأولادي على تحمّل نضال أبيهم أو ليكون لديهم النضال عينه ضدّ الأنظمة الاستبدادية الموجودة على الخريطة اللبنانية”، وفق ما تقول لـ “لبنان الكبير”.

إنّ هذا اليوم الذي دعا إليه اتحاد النّقل البري في لبنان، لم يُشارك فيه أبو وليد أيضًا وهو بائع قهوة متجوّل في المدينة، معتبرًا أنّ الاحتجاجات لا يُمكن اختصارها في يومٍ واحد، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “في بلد منهار وباقتصاد متدهور مثل لبنان، من المستحيل شرح معاناتنا باقتضاب في يوم واحد وبساعات محدّدة، فالثورة تعني الاستمرارية، والاستمرارية لا تكون بقطع الأرزاق والطرقات عن النّاس المتضررين مثلنا، بل يجب التوجه إلى قصر بعبدا والمجلس النيابي ومجلس الوزراء وأيّ إدارة رسمية تُواجه شللًا بسبب سلوكيات السياسيين الذين يُريدون مصالحهم مع مناصريهم الذين باعوا ضمائرهم وهم كثر في طرابلس التي لا تستحقّ هكذا رجال، بل تحتاج إلى استعادة قواها والوقوف من جديد ضدّ الظلم الذي تتحمّل القسط الأوفر منه”.

من جهته، توجّه مروان (يعمل في ميني ماركت) إلى عمله منذ الصباح الباكر قبل البدء بقطع الطرقات، لافتًا إلى عدم رغبته بالالتزام بالإضراب. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “لست ضدّ المواطن، لكن إن لم أعمل سيطردني صاحب المنزل الذي أدفع له مليون و800 ألف شهريًا وأنا أعمل بشكلٍ يومي لا شهري، عدا عن حاجات ابنتي التي لا أتمكّن من تلبيتها حتّى أنّني لم أقم بتسجيلها في المدرسة هذا العام لأنّني عاجز عن تحمّل أعباء ومصاريف إضافية”. ويتساءل: “هل أبيع إحدى الكليتين لأدفع الاشتراك وبدل الإيجار ومصاريف لا تُعدّ ولا تُحصى؟، وحتّى لو بعنا كلّ أعضائنا، لن نتمكّن من العيش في وطنٍ ميّت”.

شارك المقال