الصهر يريد كرسيًّا!

حسان الرفاعي

“بيعوا الحمار واشتروا لي علك”…

هو مثلٌ عاميٌّ قديم من بلاد بعلبك يحكي قصّة ولدٍ غير آبهٍ بمصلحة العائلة، يطلب منها أن تبيع حمارها الوحيد الّذي تعتمد عليه لقضاء أعمالها وتأمين تنقلاتها، كي يصبح بمقدورها شراء العلك المصنّع حديثًا بألوانه وأشكاله المختلفة إرضاءً لولدها.

هي حال اللّبنانيّين، وخاصةً رئيس الجمهوريّة مع صهره جبران الّذي لم يوفّر معركةً إلّا وفتحها، منذ اليوم الأوّل لوصول عمّه إلى بعبدا كي يحصل بدوره على كرسيّ الرّئاسة.

كلّ شيءٍ يهون في سبيل هذه الغاية!

أجواء محمومة في البلاد، تحديّات، مناورات، تهجّم وتطاول، معارك وهميّة شعبويّة، صفقات، تسويات، توزيع تُهَمٍ، تطاولٌ على الغير، تمزيق الدّستور، عنصريّة، نسف علاقات لبنان مع أصدقائه وأشقائه، تسليم البلد لحزب ولاية الفقيه، تهجّمٌ على الجيش وعلى قطاع المصارف وصولًا وليس انتهاءً بالمزايدة على الإيراني والسّوري في تحقيق مطالبهما في لبنان وعلى حساب لبنان.

أستعيد بالمناسبة واقعتين، الأولى حدثتْ قبل ثورة تشرين بحوالي السنة، عندما زرتُ الرّئيس ميشال سليمان برفقة مجموعة من الوجوه المعروفة والمهتمة بالشأن العام حيث جرى استعراض تردّي أوضاع البلاد.

فاقترحتُ أنْ يبادر المجتمعون إلى شجب كلّ أنواع عبث جبران باسيل بالمشهد العام لأنّ الأوطان، وحتّى أرقاها، لا تستطيع تحمّل أجواء المعارك الانتخابيّة المفتوحة خارج إطارها ووقتها الطبيعيّين. ففي بلاد العالم تُنظَّم المعركة الانتخابيّة من حيث توقيتها ومراحلها وأدواتها من قِبَل المشرّع، إذ ما يُسمح به في فترة الانتخاب، من أداءٍ وخطابٍ ومواكب وإعلاناتٍ وصخب، لا يمكن أن ينجرّ على الحياة اليوميّة للبلاد! فكيف إذا كانت هذه البلاد تعاني ما يعانيه لبنان من عدم استقرار وضائقة معيشيّة! لذلك، اقترحتُ على المجتمعين الرّد على باسيل بتشكيل جبهةٍ أو تجمّع مهمّته إفهام المعني الأوّل تصديها ديموقراطيًّا لأطماعه وفضحًا لشعبويّة حركته رأفةً بالبلاد والعباد.

أمّا الواقعة الثّانية فكانت في مكتب أحد السّياسيين الحقوقيين في الأشرفيّة، وبحضور نخبةٍ من الشخصيّات المخضرمة والنّاشطة من الطائفة المسيحيّة، حيث كرّرتُ ما سبق وقلته عند الرّئيس سليمان بأنّ “أفهموا، باسيل وعمّه، فخامة الرّئيس، أنّهما يضحيان بلبنان وبمستقبل أبنائه إرضاءً لشهوة الحُكم في حين أنّ الأوطان هي حتمًا أهمّ من الأشخاص”.

جرى ذلك قبل انفجار المرفأ والمأساة الّتي خلّفها في العاصمة وفي أهلها.

إنّ موقفي الّذي كرّرته بإلحاحٍ في الاجتماعين لم يكن من منطلق اختلافي السّياسيّ مع جبران باسيل، بل من أجل التّأكيد للمعني أنّ هناك من يقف له بالمرصاد من أجل درء أخطاره عن لبنان وعن موقع رئاسة الجمهوريّة الماروني، لأنّ الرّئيس الّذي أقسم على احترام الدّستور والقوانين وسلامة أرض الوطن بدا ضعيفًا أمام رغبات وأهواء صهره وهو الّذي سبق وقال دون تردد: “لعيون صهر الجنرال ما تتشكّل الحكومة”.

كما يبدو اليوم، أنّ امتناع الرّئيس عون عن توقيع المرسوم 6433 لتعديل الإحداثيّات البحريّة وحماية حقوق لبنان النّفطيّة والغازيّة، فيه مقايضة لرفع العقوبات الأميركيّة عن الصهر.

نعم، الوطن ينهار ولكن ما الهمّ… فالولد المدلّل يريد علكًا والصهر المدلّل يريد كرسيًّا، ويبقى أن الحمار قابل للبيع أما الأوطان فلا تباع.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً