الدولة لم تنزع سلاح “حزب الاحتلال” فنزع سلاحها

عبدالوهاب بدرخان

ما من دولة عربية اخترقتها إيران إلا وخربتها، وما من حزب تعامل معها أو طرف اصطنعته إلا ووُضع على اللائحة السوداء. أساساً لا يمدّ اليد الى إيران إلا مَن تكون انتهت صلاحيته كالنظام السوري الذي نخره العفن وتحاول روسيا عبثاً إعادة تسويقه، فيما هو يصرّ على البقاء على حاله، مجرّد عصابة تابعة لطهران.

حالان أُخريان من التخريب الإيراني في العراق واليمن. تعوّل الأولى على الدولة وقواها المسلحة في مواجهة الميليشيات الولائية للخروج، ولو ببطء، من الوضع الذي زجّت به، متعرّضةً لإخفاقات لكنها تبدي تصميماً على النجاح. أما الثانية فمثّل فيها الحوثيون بمهارة دور “طابور خامس” بائس، فغدوا من جهة ظاهرة تآمر مكشوفة على البلاد والعباد، ويمارسون أسوأ صنوف الظلم لاستتباع مواطنيهم، كما أعطوا من جهة أخرى نموذجاً مكشوفاً للفشل وعدم الأهلية في إدارة البلد، فلا أحد يراهن عليهم، لأنهم انطلقوا ولا يزالون “ورقة مناورة” في يد إيران ولن تحقّق لها أي مكسب استراتيجي.

أمّا لبنان فتأخّر كثيراً في اكتشاف مكمن العلّة، بل أضاع البوصلة باكراً. وإلى اليوم لا تجرؤ غالبية أهل السياسة على تبنّي مصطلح “الاحتلال الإيراني”، حفاظاً على مصالح ومكاسب يؤمنها لهم “حزب الاحتلال” لكنه جعلها فخّاً لهم، صاروا أسرى الاحتلال ورهائن “الحزب”. فما بدأت مقاومة لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي صارت بعد العام 2000 عصابة مهمتها حماية سلاحها وشهرت هذا السلاح أولاً ضد لبنان واللبنانيين، وراحت تعطّل كل مشاريع التنمية وإنهاض الاقتصاد، بدءاً بـ “باريس واحد” وانتهاءً بـ “سيدر”. وفي الاثناء وُظّف سلاحها غير الشرعي في قتل السوريين والعراقيين واليمنيين وغيرهم.

عدا إتخام “حزب إيران/ حزب الله” بأسلحة إيرانية متطوّرة وصواريخ دقيقة وخطورته على لبنان، فإن عسكرة طائفته، وتربّصه بالمكوّنات الأخرى، واستغلاله نظام التوازن الطائفي لاختراق الدولة، وسعيه الى تطويع الجيش والأمن والقضاء، وتجاهله الأزمة الاقتصادية، بل استثماره في بؤس اللبنانيين… ظلّت الأسلحة الأكثر فتكاً وإفساداً للعيش المشترك. فأي جهة ترتكب كلّ هذه الكبائر اللاتُغتفر في حق مواطنيها، حتى لو كانت “حزباً” متنكّراً بالإسلام، أو بالأحرى ميليشيا (التوصيف يعني عصابة مسلّحة، وينطوي تعريفاً على انتفاء الشرعية والوطنية والأخلاقية)، لا يمكن والحال هذه أن تكون سوى جهة في خدمة الاحتلال، وبالتالي وصمة عار للبنان، كما وُصف يوماً “جيش لبنان الجنوبي” الذي وضع نفسه في خدمة إسرائيل. ولا فارق بين الاثنين إلا بمقدار الأذى الذي تسببا به للبنان واللبنانيين.

لم يعد هناك سقف للأذى الذي يلحقه “حزب الاحتلال الإيراني” بلبنان. إذ أنه يتمثّل بإسرائيل في القيود والشروط التي تفرضها على المجتمعين العربي والدولي في تعاطيهما مع السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. بل انه يذهب أبعد من ذلك بتعمّد قطع الروابط بين لبنان والدول العربية ولا سيما دول الخليج، متجاهلاً تماماً مواقف الجهات الرسمية والأهلية الرافضة تحدّياته الفارغة سواء في خطب حسن نصرالله، أو في إظهار “الحزب” دعمه/ تسليحه لما يسمّيه “المعارضة في الجزيرة العربية” وحتى لـ “جبهة بوليساريو” ضد المغرب… هذه كلّها أدوار ملعوبة سبقه إليها النظام السوري، لكنها في السياق الراهن تكشف نيات إيران وكذبها بالنسبة الى “الحوار” مع السعودية والانفتاح المزعوم على دول الجوار.

عندما يصبح لـ “حزب إيران” دور تدميري وإجرامي و”كبتاغوني” واضح في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وعندما يبدي افتخاراً بهذا الدور وإصراراً عليه، هل يتوقّع أن يُوصف بشيء آخر أقلّ من “الإرهابي”؟ إذا كان له أن يلوم أحداً فليلمْ “وليّ الفقيه” الذي يأمره، لا الجهات المتضرّرة منه. وحين اعتبر نصرالله اللبنانيين العاملين في دول الخليج بأنهم “رهائن” فإنه تجاوز في الشطط كلّ حدّ، معتقداً أن الجميع نسوا مغامرات حزبه في احتجاز الرهائن الأجانب بالتنسيق مع أجهزة نظامَي طهران ودمشق، أو نسوا كيف أن نظام الملالي أسّس على احتجاز الرهائن ولا يزال يمارسه عبر جهاز “قضائي” شكلي يخضع لأوامر المرشد و”الحرس”.

لا تستطيع بيانات الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي حماية اللبنانيين ومصالحهم في السعودية ودول الخليج، ولا رأب الصدع في العلاقات معها. وحدها حكمة هذه الدول تؤمّن تلك الحماية، وهي المدركة منذ زمن أن لبنان واقع تحت احتلال إيراني يستخدم ما يسمّى “حزب الله” كجيش تابع له. إذاً فإن الدولة ومؤسساتها مُصادرة لدى هذا الاحتلال، وطالما أنها كذلك فلن يتمكّن لبنان من طرح قضيته دولياً.

كان أقصى ما ذهبت إليه مذكرة الرؤساء الخمسة الى الأمين العام للأمم المتحدة أنها طالبت بـ “التضامن مع لبنان في تحرير أرضه، والحفاظ على دوره وثرواته، وفي رفض السلاح غير الشرعي، وضرورة بسط الدولة اللبنانية وأجهزتها العسكرية والأمنية لسلطتها وحدها على كامل التراب اللبناني وعلى جميع مرافقها، كما هو مقتضى السيادة وحكم القانون والشرعية”… كل ذلك واردٌ في القرارات الدولية، لكن ما لم يكن على الأجندة اللبنانية الداخلية فإن أي “تضامن دولي” لن يجدي، فلبنان رهينة إيران و”حزبها” ويُخشى أن يؤدّي الضغط الدولي الى قتل الرهينة في أي وقت.

الحصافة منعت الرؤساء الخمسة من ذكر “الاحتلال”، لذا أوردوا كل التفاصيل التي تعبّر عنه، والحصافة أيضاً منعت أنطونيو غوتيريش وتمنع غيره من القول: للأسف، دولتكم سلّمت السيادة والشرعية الى الاحتلال، تركت له الحدود وقرار الحرب والسلم، وبما أنها لم تتقدّم بأي شكوى ضدّه، فهذا يعني أنها قوننت وضعه، ولم تعد مؤهلة لحثّ المجتمع الدولي على إعمال قوانينه ضد الاحتلال… أما مناشدة الرؤساء الخمسة للأمم المتحدة كي تحول “دون أي تسويات إقليمية أو دولية على حساب سيادة لبنان واستقلاله وحرّياته ونظامه الديموقراطي البرلماني” فلا أحد يستطيع تلبيتها طالما أن الداخل اللبناني مخطوف لدى إيران و”حزبها”. منذ الازل تطالب القرارات الدولية ببسط سلطة الدولة وحصر السلاح في يدها، لكن الواقع الذي بلغه لبنان هو أن ميليشيا “حزب إيران” هي التي نزعت سلاح الدولة وحيّدت سلطته عليها.

شارك المقال