مشهد ما قبل الـ1975 في 2022

محمد شمس الدين

على الرغم من تطمينات إقليمية ومحلية، وعلى الرغم من شعار “من يريد الحرب لا يملك القدرة، ومن يملك القدرة لا يريد الحرب”، إلا أن المشهد في لبنان اليوم شبيه جدا بمرحلة ما قبل الحرب الأهلية سنة 1975.

التوازنات المختلة

اختلال التوازنات الداخلية بين الطوائف واضح جدا اليوم، كما كانت مختلّة قبل الحرب، لأن هناك مكونا أساسيا يتم تهميشه، وعلى الرغم من محاولات الرئيس سعد الحريري المتعددة لتجنب هذا السيناريو، إلا أن الخصوم والحلفاء لم يرحموه، فخصومه اليوم يتغنّون بأنهم أنهوا الحريرية السياسية، بينما حلفاؤه يزايدون عليه بالمواجهة، وبالتالي أصبح الموقع السني الأول، بعد انتهاء مفاعيل الصفقة الرئاسية، مغلوب على أمره، حتى مع محاولات الرئيس نجيب ميقاتي لإعادة الاعتبار إليه، إلا أنه “لا يصلح العطار ما أفسد الدهر”.

حزب الله

لم يعد حزب الله هو التنظيم الذي يتغلغل في بساتين جنوب لبنان ليشنّ عمليات ضد العدو الصهيوني فقط، بل تمدّد وأصبح حزبا إقليميا منتشرا في عدة دول في المنطقة، بل إن بعض التقارير الغربية تؤكد وجوده في اميركا الجنوبية وأوروبا. أما في الداخل اللبناني، فتميل دفة ميزان القوى للحزب وحلفائه، ومستحيل أن يؤخذ قرار كبير في البلد من دون الحزب ورضاه، وهو يشبه بهذه الحالة منظمة التحرير الفلسطينية في فترة السبعينيات، التي كانت شبه مسيطرة على القرار اللبناني، ومنتشرة قي الدول الإقليمية والعالم، وتنفذ عمليات من أجل فلسطين في أنحاء الكرة الأرضية، وكانت تحظى بدعم إقليمي كبير، ربما حتى أكبر من الحزب اليوم.

النظام السياسي

انتهت الحرب الأهلية اللبنانية باتفاق الطائف، وكانت الطائفة السنّية ركيزة أساسية به، اليوم وبغياب الأغلبية السنّية عن المشهد، وبات اتفاق الطائف في اكثر الاوقات تهديداً وهناك من يريد دفع البلد الى نظام جديد يناسب مصالحه الضيقة، وسط أصوات تنادي بالفدرلة والتقسيم، واقتراحات إقليمية تدعو إلى انشاء مناطق آمنة بحماية غربية، وبذلك يكون مستقبل لبنان مجهولا، لكون لا رؤية واضحة للمرحلة المقبلة، مع استحالة الوصول إلى الدولة المدنية.

الإقليم

يُشتهر لبنان بكونه باحة خلفية للدول الإقليمية، وينقسم شعبه بين هذه الدول. اليوم التطورات في الإقليم ستفرض حضورها على الساحة اللبنانية، كما فرضت حضورها قبل وخلال الحرب الأهلية، وسيكون لبنان في عين العاصفة، حتى لو توصل الإقليم إلى تسويات، لأن لبنان اعتاد أن لا يصل إلى حل إلا بعد سفك دماء أبنائه، التي ستكون حبر أقلام الصفقات التي تفرض الاتفاق.

بدأ بعض “خفاف” السياسة الاحتفال بعد مؤتمر الرئيس الحريري البارحة، وهم يتغنّون بانتصار وهمي موجود فقط في مخيلاتهم، ولو يعلمون بما يحضّر للبلد لربما كانوا سبقوا الحريري، إلا ان تعطشهم للسلطة والدماء غلبتهم كما جرت العادة في تاريخهم، ولن يندموا اليوم، وربما أبدا، لكن سيلعنهم المستقبل.

شارك المقال