هنا مزبلة التاريخ

مارون مارون

المشهد في لبنان بات واضحاً، سواء على المستوى السياسي، أم على المستويين الاقتصادي والمالي، أو على المستوىات الصحية والتربوية والخدماتية وغيرها… ملفات لا يلزمها الكثير من العناء لتشريحها ونقل حقيقتها، لأن معظم اللبنانيين باتوا يعانون تداعياتها ويدفعون ثمنها ويشهدون فضائحها على شكل مسلسلات يومية ومسرحيات هزلية، وقد وصلوا إلى قناعة تامة بأن مَن قاد لبنان إلى الانهيار، والى تصدّر لوائح الدول المتعثرة، كي لا نقول الفاشلة، لن يتمكن من إنقاذه، هذا إن كانت لديه النية والخبرة والقدرة.

لن أتناول كل هذه العناوين مرة واحدة، إلا أنه على المستوى السياسي، وبه ترتبط مختلف الملفات، فإن لبنان مُنقسم، ولو بنسب متفاوتة، حول مقاربات يراها كل طرف من زاوية، وطرف قد لا يراها أبداً.

فريق الممانعة مثلاً لا يستعجل حلولاً، إنما يسعى إلى الحصول على أكبر حصة ممكنة من الحكومة التي لم تبصر النور بعد، وقد لا تبصره، إنطلاقاً من قناعة راسخة لديه، بأن الحكومة المَنوي تشكيلها ستبقى حتى نهاية “العهد القوي” وما بعده، أي إلى فراغ محتمل، لا بل شبه أكيد، مماثل للفراغ الذي سَبَقَ انتخاب الرئيس ميشال عون، وذلك من باب تحصين وتحسين المواقع والقبض على ما تبقى من السلطة، متغافلين غضب الشارع الطامح إلى تغيير فعلي، تغيير ينطلق من مجلس النواب القادر على رفع لواء الإنقاذ فعلاً لا قولاً، من خلال انتخابات يتم اللجوء إليها في مثل هذه الحالات في كل دول العالم، إلا في لبنان، فالسلطة لا تجرؤ حتى على إجراء انتخابات فرعية لنواب بعضهم مَن استقال على خلفية تفجير مرفأ بيروت، وبعضهم توفاه الله قبل أن يرى لبنان وقد نزل عن خشبة الصليب المرفوع فوقها منذ خمسة عقود تقريباً.

أضف إلى كل ذلك، فإن الفريق ذاته المُمسك بالحُكم وبالسلاح غير الشرعي يُعطّل ويفرمل كل مبادرة أو طرح يلوح في سماء لبنان، سواء جاء من فرنسا، أي من الغرب، أم من روسيا أي من الشرق، وكل ما يطمح إليه هذا الفريق هو الإمعان في إفقار الناس وتجويعهم وإذلالهم، حتى يسهل إخضاعهم وشراء أصواتهم في انتخابات تضمن لهم البقاء فوق عروشهم، ولو كانت هذه العروش فوق نهر من دماء ضحايا المرفأ، ودموع أمهاتهم.

هذه الطبقة المُمَانِعة، الفاقدة للْحِس بالمسؤولية، والعاجزة عن تأمين أبسط مُقوّمات حقوق الإنسان، والمعزولة عن كلّ العالم الحر، بما فيه العربي والخليجي، هي طبقة أقل ما يُقال فيها إنها انتحلت صفة الحكّام الصالحين، وسَعتْ لدخول التاريخ من بابه العريض، إلا أنها ضلّت الطريق وطرقت بابه الخلفي حيث كُتِبَ فوقه: “هنا مزبلة التاريخ، أهلاً ومرحباً بكم”… والسلام.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً