fbpx

الورقة الكويتية للتفاوض وخريطة طريق للبرلمان والعهد المقبلين

وليد شقير
وليد شقير
تابعنا على الواتساب

يتطلع المراقبون في لبنان إلى معرفة تعليق وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح بعد تلقيه النص الرسمي لجواب السلطات اللبنانية على البنود الـ12 التي كان سلمها قبل أسبوع إلى كبار المسؤولين خلال زيارته بيروت، والتي قدمها تحت عنوان إجراءات إعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج العربي، إثر انفجار الأزمة بين الجانبين في آخر تشرين الأول الماضي، بسبب تصريحات لوزير الإعلام اللبناني آنذاك جورج قرداحي، اعتبرتها المملكة العربية السعودية مسيئة لها ولدول الخليج وأدت إلى سحب سفراء 3 دول خليجية وطلب مغادرة سفراء لبنان من 4 دول خليجية.

فالبنود التي حملها الوزير الكويتي في أول اتصال خليجي لبناني رسمي بعد اندلاع الأزمة صيغت بدقة متناهية وتتناول، إضافة إلى عناوين التأزم اللبناني الخليجي، العوامل التي تتشكل منها الأزمة اللبنانية بأوجهها كافة السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية لأنها تعدّد مجمل الثُغر التي يطالب اللبنانيون معالجتها والتصدي لها قبل أن تكون مطالب لدول الخليج وللمجتمع الدولي، إذا كان لبنان سيوضع على مسار التعافي والنهوض مما يعانيه منذ سنوات تراكمت خلالها المشاكل وصولاً إلى حد استعصاء معالجة جانب من دون التطرق إلى الآخر.

فالورقة الكويتية تبدأ بالتأكيد على التزام اتفاق الطائف ومدنية الدولة اللبنانية وإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في موعدها، والقرارات الدولية والعربية، بسياسة النأي بالنفس “قولاً وفعلاً، مروراً بتطبيق قرارات الحوار الوطني ووضع جدول زمني لتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالسلاح غير الشرعي والحدود ووقف تدخل “حزب الله” في الشؤون الخليجية وملاحقة أي طرف لبناني يشارك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون، ووقف كافة أنشطة الجماعات المناوئة لدول مجلس التعاون، وقيام آلية مراقبة “في شكل ثنائي” لضمان عدم تهريب المخدرات، وبسط سيطرة السلطات اللبنانية على منافذ الدولة (الحدود) ووضع نظام تبادل معلومات أمنية مع دول الخليج، انتهاءً بـ”العمل مع البنك الدولي لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين اللبنانيين من تسلم ودائعهم في البنوك اللبنانية”. وهي أبواب لعودة خليجية أمنية واقتصادية ومالية إلى لبنان…

وهي المرة الأولى يصدر التزام خارجي وعربي تحديداً بالسعي إلى معالجة مسألة الودائع المحتجزة في المصارف اللبنانية جراء الأزمة المالية غير المسبوقة في لبنان. وفهم هذا البند على أن طلب لبنان المساعدة المالية من دول الخليج مشروط بتنفيذ البنود الأخرى، أو بالسعي إلى تنفيذها وتبنيها بعد أن جرى تجاهل معظمها من قبل الحكم اللبناني في السنوات الأخيرة بفعل تمكن “حزب الله” من الإتيان بعون إلى الرئاسة الأولى.

مجرد قراءة النص تدل على أنه تمت صياغته بدقة متناهية، وجاء نتيجة إحاطة شاملة بتفاصيل الوضع اللبناني وعلاقته بالخارج، سواء على المستوى الدولي أو على المستوى العربي، ولم يكن ردة فعل على أزمة عابرة تتعلق بتصريحات الوزير قرداحي الذي استقال في كانون الأول تحت ضغط مطالبته بذلك من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقوى سياسية فاعلة.

وثمة من يدعو إلى قراءة نص الورقة الكويتية من آخرها صعوداً بدلاً من البدء في قراءتها بالبند الأول نزولاً. أي أن قراءتها بدءاً من البند الثاني عشر المتعلق بمسألة الحلول لودائع اللبنانيين، يعني التنبه إلى أنها تعد بمساعدة لبنان على معالجة مسألة إفلاس المصارف مقابل التزام لبنان بإيجاد حلول جذرية لأسباب شكوى الدول الخليجية المتواصلة من فرض سلاح “حزب الله” أجندته جراء انخراطه في المشروع الإيراني، على السلطة اللبنانية، في وقت تعارض أكثرية اللبنانيين ذلك.

لم تكن مفاجئة ردود الفعل المعارضة للسلطة التي اعتبرت التسريبات عما تضمنه الرد اللبناني غير مقنعة وغير كافية. وعبّر عنه وزير الخارجية عبد الله بوحبيب عشية سفره إلى الكويت حين قال: “لا أتوجه للاجتماع الذي سيعقد في الكويت لإنهاء وجود سلاح “حزب الله” إنّما ذاهب للحوار”.

فصياغة الرد اللبناني أوكلت إلى تشاور بين رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، بالاشتراك مع بوحبيب، من أجل ضمان تسوية فيما بينهم حوله، لتدوير الزوايا، وتجنباً لعرضه على مجلس الوزراء حتى لا ينفجر خلاف بين أعضائه حول مسألة سلاح الحزب وتطبيق القرار الدولي الرقم 1559. فحجة الجانب اللبناني كانت على الدوام أن تطبيق هذا القرار ليس في قدرة الدولة اللبنانية، وأن مسألة سلاح الحزب تتطلب تسوية إقليمية نظراً إلى أن هوية هذا السلاح إيرانية وله وظيفة تتعدى قدرات السلطات اللبنانية على الوقوف في وجهها، على الرغم من معارضة شرائح لبنانية طائفية وسياسية واسعة لاستمرار هذا السلاح خارج سلطة الدولة، في وقت سبق أن تسبب رفض “حزب الله” طرحه بصدامات أهلية كما حصل في 7 أيار 2008 حين اجتاح الحزب بيروت وقسما من الجبل رداً على رفض قوى 14 آذار وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة حمايته بالسلاح لشبكة اتصالات خاصة به مستقلة عن الشبكة الهاتفية الرسمية. ويردّد السياسيون اللبنانيون المعارضون للحزب عن “فائض القوة” الذي يتمتع به في ميزان القوى الدقيق والحساس بين الطوائف اللبنانية كونه يتمتع بتأييد الأكثرية الشيعية المؤيدة له تحت شعار المقاومة ضد عدوان إسرائيل.

إيكال صياغة الرد إلى الرؤساء الثلاثة كان يعني سلفاً أنه لتجنب أي موقف من سلاح الحزب، لأن عون وبري حليفان له، فيما ميقاتي يتبع مبدأ تدوير الزوايا ويريد تجنب خلاف كبير مع الحزب، معتبراً أن المسألة تتعدى لبنان، ولا سيما بعد أن تسبب انتقاده الصريح للهجوم العنيف للأمين العام السيد حسن نصر الله على المملكة العربية السعودية مطلع الشهر الجاري، بموقف سلبي حياله وفق رسائل تبلغها في هذا الصدد.

الحجة الأساسية عند المسؤولين اللبنانيين هي التزام القرارات الدولية “بما يضمن السلم الأهلي والاستقرار الوطني للبنان” التي تردد أن الرد الذي سلمه بوحبيب للوزير صباح السبت، تضمن عبارة واضحة عنها. كما تضمن قبولاً واضحا بسياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً.

كيف سيتعاطى الجانب العربي مع الرد اللبناني الرسمي؟ الوزير بوحبيب قال من الكويت عقب تسليمه الوزير الصباح الجواب المكتوب إن اجتماعه مع نظيره الكويتي كان ممتازاً، وأن تنفيذ القرارين 1559 و1701 سيأخذ وقتاً. فهو يعتبر أن على مجلس الأمن تنفيذهما وليس لبنان، كما سبق أن أبلغ الوزير الكويتي خلال زيارته بيروت.

لكن المؤكد أن الدول الخليجية لن تقبل ببعض الردود اللبنانية، على الرغم من تفهمها لدقة الوضع الداخلي، في الشق المتعلق بحفظ السلم الأهلي. فهي ترى أن على السلطات اللبنانية، كأي سلطة أن تدافع عن احتكارها السلاح، وتعتبر أن التزام لبنان الرسمي سياسة النأي بالنفس لا ينسجم مع استمرار سكوت السلطات اللبنانية عن الحملات المستمرة والمتصاعدة من الحزب ضد دول الخليج، وإزاء رعاية الحزب لمجموعات مناوئة للحكام الخليجيين في لبنان وتدريب عناصر ترتكب أعمالاً أمنية في هذه الدول. كما أنها ستسأل عن وسائل تطبيق سياسة النأي بالنفس التي جرى الالتزام بها سابقا، وجرى خرقها…

إلا أن من لديهم معطيات حول خلفية تحرك الوزير الصباح، يرون أن أهمية الورقة الكويتية أنها تطلق مساراً تفاوضياً بين لبنان ودول الخليج، حول الأزمة مع لبنان، ولا سيما أن البنود الـ12 تحظى بدعم سعودي كامل، وإماراتي، فضلاً عن أن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على اطلاع عليها، وسط ترحيب بدور الكويت في إطلاق حوار مع الجانب اللبناني.

ويلفت مطّلعون إلى أن الوزير الصباح كان قال في 22 كانون الثاني حين زار بيروت إن “خطوات بناء الثقة مع لبنان، لا تأتي بين يوم وليلة، بل بخطوات ثابتة عملية، ملموسة، يلمسها جميع الاطراف، وبناء عليها تتقدم الأمور”. أي أن صاحب المبادرة لا يتوقع تنفيذاً سريعاً للبنود، ويدرك أنها تحتاج إلى جهود متعددة الأطراف.

وفي اعتقاد بعض المتابعين للنفس الديبلوماسي الطويل عند الجانب الكويتي، أن المبادرة ستدشن تعاوناً أمنيا أكثر وضوحاً بين دول الخليج والسلطات اللبنانية، لكون الرد اللبناني يتضمن اقتراحاً بقيام لجان مشتركة بين لبنان ودول الخليج، فيما الورقة الكويتية تحدثت عن “آلية وجود مراقبين في شكل ثنائي” لضمان خلو الصادرات اللبنانية من الممنوعات، مما يعني حضوراً خليجيا أمنياً في لبنان.

ويفترض طرح البنود الـ12، أن الورقة الكويتية خريطة طريق ستواكب استحقاقي الانتخابات النيابية والرئاسية، بحيث تصبح وثيقة يمكن أن يتبناها المرشحون لهذين الاستحقاقين، فينفذ ما يمكن تنفيذه منها خلال ما تبقى من العهد الرئاسي الحالي وتكون على جدول أعمال البرلمان والرئيس المقبلين.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال