قصة الطفل ريان الذي ظل عالقاً لخمسة أيام على عمق 32 متراً تحت أرض في بئر ضيقة، قطعت أنفاسه وكسرت أضلعه وهشمت جسده، تشبه كثيراً حياة الشعب اللبناني العالق في بئر أزمات تحت سابع أرض بانتظار من يغيثه وينتشله ويمدّ له حبل الخلاص لأنه بات على “آخر روح” بعد سنوات من تضييق الخناق عليه، على المستويات كافة.
وفي حين سخّرت الدولة كل امكاناتها لانتشال ابن السنوات الخمس واعادته الى الحياة لكنها لم تنجح، فإن السلطة في لبنان لم تحرّك ساكناً لمساعدة شعب يموت ألف مرة في اليوم لا بل تشدّ الحبل على رقبته أكثر وأكثر، وتحقق نجاحاً باهراً في جعله معلّقاً بين الحياة والموت.
وللمفارقة، فإن الكون بأقطاره الأربعة يبدو أكثر اهتماماً بالشعب المعذّب من مسؤوليه المتلهين بمصالحهم، ويكاد لا يخلو يوم من حركة ديبلوماسية أجنبية على الساحة اللبنانية أو مبادرة خليجية وعربية ودولية أو زيارة مسؤول من الطراز الرفيع أو مواقف لرؤساء جمهوريات بلدان كبرى، كلها ترفع شعاراً واحداً، وتتّحد تحت طلب واحد: على المنظومة الحاكمة مدّ حبل النجاة لشعب أخذ حصة وافرة من العذاب الجهنمي، وبالتالي، لقد حان الوقت ليعيش في بلد سيد حر ومستقلّ، يسوده السلام والطمأنينة تحت جناح مؤسساته الدستورية والأمنية.
وكانت لافتة مواقف مجلس الأمن الدولي في جلسة عقدها بحضور أعضائه الذين أكدوا دعمهم “القوي لاستقرار لبنان وأمنه وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله السياسي، بما يتفق مع قرارات مجلس الأمن 1701 (2006) و1680 (2006) و1559 (2004) و2591 (2021)، وكذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبيانات رئيس مجلس الأمن بشأن الوضع في لبنان، داعين إلى تنفيذ سياسة ملموسة للنأي بالنفس عن أي صراعات خارجية، كأولوية مهمة، على النحو المنصوص عليه في الإعلانات السابقة، ولا سيما إعلان بعبدا 2012”.
هذه المواقف تتقاطع مع الرسالة الخليجية التي نقلها وزير خارجية الكويت الشيح أحمد ناصر المحمد الصباح الى المسؤولين اللبنانيين، وتحمل المطالب عينها التي تتلاقى ومواقف أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات الدولية المونسينيور بول ريتشارد غالاغير الذي دعا الى التغيير وعدم رهن لبنان لمصالح خارجية، من دون أن ننسى ما حصل في المملكة العربية السعودية خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والبيان المشترك الذي شدد على تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان والصادرة عن مجلس الأمن، ومنها القرارات 1559 و1680 و1701.
في ظل كل هذه الدينامية غير المسبوقة المطالبة بتطبيق القرارات الدولية، لا بد من التوقف عند أهمية هذه المطالبات بالنسبة الى لبنان؟ وماذا يعني موقف مجلس الأمن في هذا الاطار؟ وكيف يمكن للبنان أن يلاقي هذه الدعوات؟.
لا يمكن الوقوف في وجه مجلس الامن
رأى رئيس مجلس الشورى السابق القاضي شكري صادر أن “لبنان كان متروكاً في الفترة السابقة من قبل المجتمع الدولي، ووصلنا الى المهوار الذي نحن فيه لأننا لم نترك صاحباً الى جانبنا. بدأ اللبنانيون من خلال الانتفاضة بإطلاق صرختهم ضد الطبقة السياسية المافيوية والاحتلال بمعنى الهيمنة الايرانية، مشيراً الى أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة باتا على علم أن لبنان لا يمكنه نزع سلاح حزب الله، لكنهما في الوقت عينه يريدان من الشعب أن يطالب بهذا الامر. في انتفاضة 17 تشرين كما في كل المبادرات والمواقف الدولية المطالبة بتطبيق القرارات الدولية خصوصاً 1701 و1559 وبدعم من الفاتيكان ومن الدول العربية، نرى أن الضغط ليس على حزب الله فحسب، بل على ايران”.
أضاف: “منذ سنتين كان الحديث عن عدم التعاطي مع لبنان طالما هو محكوم من حزب الله، ولكن الآن عاد اهتمام المجتمع الدولي بلبنان، وكل ما نراه من مبادرات ومطالبات بتطبيق القرارات الدولية اليوم يقول نريد من لبنان تطبيق هذه القرارات لكي نساعده. وانطلاقاً من المثل القائل: العين لا تقاوم المخرز، فإن الشعب غير قادر على نزع السلاح لأنه غير مسلح لكنه يطلب من مجلس الأمن التحرك واتخاذ التدابير لاجبار الحزب على التخلي عن سلاحه ان كان من خلال المفاوضات مع ايران أو عبر أي طريقة أخرى لاقناعه بنزع سلاحه”.
واعتبر أن “لبنان يمكن أن يلاقي هذه المبادرات الى منتصف الطريق من خلال أكثر من آلية وطريقة، ولكن من المؤكد أننا لا نريد تطيير النظام بالانقلاب عليه بل ما نطالب به هو تطبيق الدستور لأن ما يحصل اليوم خارج عن الدستور. ولا يجوز أن ننسى وجوب مساعدة أنفسنا ليساعدنا الآخرون، وما حصل في 14 آذار 2005 خير دليل على ذلك. وبالتالي، علينا اعلاء الصوت نحو المجتمع الدولي لمساعدتنا خصوصاً أن هناك أكثرية تريد بناء دولة القانون، لكن على هؤلاء أن يطلقوا صرخة موحدة وأن يتضامنوا في مواقفهم، وفي تعبيرهم عن عدم رضاهم عن البقاء تحت الاحتلال الايراني، وأن لبنان يريد العودة الى الدستور لتسيير الأمور وفق الأولويات”.
وسأل: “هل يجوز أن نخسر لبنان ونبقى ساكتين كالخراف التي تساق الى الذبح؟، لافتاً الى أن أهمية قرارات مجلس الأمن تكمن في أن العالم كله يطالب بتطبيق هذه القرارات، ومجلس الأمن يمكن أن يطبق الفصل السابع الذي ينص على فرض قراراته بالقوة، لكن آخر الدواء الكيّ”.
وأكد صادر أن “مجلس الامن يمكن أن يدعو الى اجتماع بشأن لبنان، ويقول انه أصبح بلداً مفلساً ويجب وضعه تحت وصاية الأمم المتحدة مما يعني تعليق الدستور وازاحة الطبقة الحاكمة وتعيين من يحكم البلد لفترة انتقالية ما بين 3 و5 سنوات. هناك احتمالات واجراءات كثيرة، لكن المهم عندما يقرر مجلس الأمن التدخل في بلد ما لا يمكن الوقوف في وجهه”.
قرارات مجلس الأمن ملزمة
من جهته، أوضح مدير مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية ” محمد زكور أن “مجلس الأمن مسؤول عن السلام والأمن الدوليين والعالميين، وبالتالي كل ما من شأنه أن يحفظ هذا السلام ولا يعكر صفوه، مشيراً الى أن قرارات مجلس الأمن ملزمة ويستطيع أن يلزم الدول التي تصدر بحقها هذه القرارات عبر وسيلتين: وضع الدولة تحت الفصل السادس أو تحت الفصل السابع. بالنسبة الى الفصل السادس، يتضمن فرض عقوبات اقتصادية عليها. أما الفصل السابع، فهو معاقبة البلاد عبر القوة العسكرية أو ما يعرف بالتدخل العسكري”.
ورأى أن “مقولة تصنيف لبنان كدولة فاشلة أو وضعه تحت الوصاية الدولية، هرطقة سياسية وكل من يقولها لا علم له بالقانون الدولي، وذلك لأن لا شيء في القوانين الدولية ينص على اعلان دولة ما دولة فاشلة أو جعل دولة ما تحت الوصاية الدولية”.
وشدّد زكور على أن “الأمم المتحدة لا تستطيع سلب أي بلد استقلاله وسيادته، مستبعداً اللجوء الى تطبيق القرارات الدولية عبر وضع لبنان تحت الفصل السادس أو السابع لأن الكلام يبقى في خانة البازار السياسي والضغط من جهة، ولأن هذا الالزام لا يؤتي أكله من جهة أخرى خصوصاً ان لبنان الرسمي أعلن مراراً وتكراراً أنه عاجز عن تطبيق القرارات الدولية كافة ولا سيما تلك التي لها علاقة بسلاح حزب الله”.