الراعي ونصرالله… قطبان لا يلتقيان

هيام طوق
هيام طوق

عشية عيد مار مارون، أطلّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في مقابلة تلفزيونية، تحدث فيها عن أمور كثيرة إلا أن المطلوب واحد: إعلان شعار “لبنان أولاً”، لكن ما تضمنه حديثه من مواقف في الشؤون الداخلية أو تلك المدافعة عن ايران التي “أصبحت قوة إقليمية عظمى”، اضافة الى صورة المرشدين الايرانيين الخميني وخامنئي التي ظهرت في الخلفية، كلها أمور توحي بالاصرار على رفع شعار “ايران أولاً”.

وفي يوم عيد مار مارون، أطلّ البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من كنيسة مار مارون في الجميزة، محاطاً بالرؤساء الثلاثة، ليعلن حياد لبنان عن صراعات المحاور واستكمال اتفاق الطائف وتطبيق القرارات الدولية لينعم بالأمن والسلام والسيادة والاستقرار في جوار أشقائه العرب.

وفي مقارنة سريعة بين مواقف “رجلي الدين”، يمكن استخلاص الآتي: السيد نصر الله اعتبر أن “الرهان على أغلبية في البرلمان لا داعي لها حالياً ولا يزال هناك وقت للانتخابات والأكثرية ببعض النواب لا تؤدي إلى تغيير جوهري”. في حين شدد البطريرك الراعي على “إجراء الانتخاباتِ النيابيّة والرئاسيّة في مواعيدِها الدستوريّة، فالشعبَ اللبنانيَّ، المقيم والمنتشِر، التائقُ إلى التغييرِ، يَتطلَّعُ إلى هذين الاستحقاقين ليُعبِّرَ عن إرادتِه الوطنيّة”.

وعن الورقة الكويتية بشأن لبنان، رأى نصرالله أنه “كان الأفضل أن تذهب الأمور نحو حوار بين لبنان والدول العربية وهذا أمر مناسب ونحن نؤيده، معتبراً أن المقاومة في لبنان مصلحة وطنية كبرى ومصلحة أمان وكرامة وحريّة. هناك الكثير من الأمور المخبّأة والتي تشكل مفاجأة للعدو الإسرائيلي في أي حربٍ قادمة”. وقال: “لبنان أمام نفوذ سياسي ومالي واقتصادي وأميركي، وكل من يتحدث عن السيادة والاستقلال يجب أن يوجه كلامه لهذا النفوذ. هناك ضباط أميركيون يجلسون في اليرزة، ولا أعلم لأي حد يتدخلون في الشؤون اللبنانية”.

أما البطريرك الراعي، فأكد “أننا أردنا لبنان معاً أن يكونَ مشروعاً رائداً في الشرقِ وللشرق بحيث تتعدّى صيغة تعايشه في المحيط الداخلي إلى التعايشِ مع محيطِه العربي على أساسٍ من الإحترام المتبادل. انّنا نُناضل معاً لئلّا يَسترسِلَ لبنان في أن يكونَ ساحةَ صراعاتِ المِنطقةِ، ومِنصّةَ صواريخ، وجبهةَ قتال. ما تأسَّسَت دولة لبنان لتكونَ عدوَّةَ أشقّائِها وأصدقائِها، فلا نَجعلَها عدوّةَ ذاتِها”. وشدد على “استكمال تطبيق اتفاق الطائف، والسعي إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن من أجل تحقيق سيادة لبنان على كامل أراضيه، وإذا استمرّ عجزُ الدولةِ عن ذلك، فلا بدَّ من الاستعانةِ بالأممِ المتّحدةِ لعقدِ مؤتمرٍ دوليٍّ يَضمَنُ تنفيذَ الحلولِ وسلامةَ لبنان”.

بين رجل دين يرتبط بالانتماء الى القضية وآخر يناقضه

وفي مقاربة لخطابَي “رجلي الدين” البطريرك الراعي الوطني والسيد نصرالله الحزبي، أوضح المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصّائغ في حديث لـ “لبنان الكبير”، أنّ “البطريرك الراعي تحدّث عن ثوابت لهوية الكيان اللبناني، وهي واضحة: أوّلاً: العيش الواحد المسيحي – الاسلامي. ثانياً: الميثاق بما يعني الحياد. ثالثاً: أنّ لبنان أرض حرية وحوار وسلام وتعددية ودولة دستور. رابعاً: ضرورة الحوار مع صندوق النقد الدولي وإجراء الاصلاحات. والأهمّ افتتاحه الأولويّات بموجب قيام الاستحقاقات الدّستوريّة في موعدها. هذه كلّها ثوابت للخروج من حالة الانقلاب على هويّة الكيان، لا بل ذهب البطريرك الرّاعي أبعد من ذلك عندما قال إنّ المجتمع الدولي معني بإنقاذ لبنان، بما يعني تدويل القضيّة الّلبنانية”.

أضاف: “كلّ ما تحدّث عنه البطريرك الراعي هو الثوابت في هوية الكيان اللبناني، وفي النظام السياسي، وفي فرادة الشخصية اللبنانية التعددية وانتمائها العربي وامتدادها الدولي، وأضاف اليها موضوع العدالة في تفجير مرفأ بيروت كي يُثبت أنّه لا يمكن قيام دولة من دون عدالة وسيادة، لأن كل ما هو قائم اليوم خارج عن العدالة والسيادة، خارج عن عدالة الدستور، وعن عدالة القضاء، وعدالة مكافحة الفساد، والحياد والميثاق والعيش الواحد لأن هناك هيمنة واستقواء. كما لا بد من أن نشير إلى تأكيده أن لبنان ليس منصة صواريخ للاعتداء على أشقائه وأصدقائه، وأنه مرتبط بمحيطه العربي”.

ولفت الى أنه “علينا الاشارة الى الكلمة التي ألقاها راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر الذي تحدث عن أن بيروت تقاوم الهيمنة والاحتلال والتهجير والتقسيم، وكلها مواقف عالية السقف. وكل هذا سبقه مساء كلام انقلابي للسيّد نصرالّله على كل ثوابت الكيان اللبناني”.

أما في ما يتعلق بحديث السيد نصرالله، فقال الصائغ: “السيد نصرالله تمنى أن تذهب الأمور نحو حوار بين لبنان والدول العربية، في حين أنه كان يهاجم الدول العربية بشكل دائم، وفريقه منخرط في توترات اقليمية وفي حرب اليمن وفي خلايا ارهابية وتعميم المخدرات والممنوعات على الدول العربية. هذا الحديث عن الحوار هو انقلابي على الثوابت، وهذا أول تمايز بنيوي عن كلام البطريرك الراعي الذي فيه أخلاقيّة ثوابت الهوية اللبنانية، وفرادة الكيان الّلبناني”.

وتابع الصّائغ: “في وقت تحدث البطريرك الراعي عن ضرورة اجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، رأى السيد نصرالله أن الأكثرية ببعض النواب لا تؤدي إلى تغيير جوهري، لكن التجارب تقول ان من هيمن على البلد بسطوة السلاح فرض عليه خيارات كارثيّة وهي: تأجيل الانتخابات من الـ 2009 الى 2018 ، وعرقلة الانتخابات الرئاسية لأنه أراد ايصال حليفه الى الكرسي الرئاسي. كل ذلك انقلاب على جوهر النظام بسبب الاستقواء بالسلاح وبإيديولوجيا خارج منطق الدولة، مع العلم أن البطريرك شدد على أن نظام لبنان ديموقراطي برلماني”.

وأكد أن “من يربط ترسيم الحدود بأجندات إقليمية، يخرج عن ثوابت الدستور والمصلحة الوطنية العليا. أما الجيش اللبناني فوطني بامتيا، وعقيدته القتالية واضحة ودوره حماية النظام والحريات وصون التعددية واستعادة منطق الدولة. وربّما يعتبر السيد نصرالله أنه يجب استتباع المؤسسة العسكرية إلى المقاومة، وهذا لن يحدث. بهذا المعنى تخوين الجيش الذي عبّر عنه السيّد نصرالّله والذي يأتي ضمن الانقضاض والتدمير المنهجي لمؤسسات الدولة، ونحن معنيّون بالنّضال لاسترداد منطق الدّولة كي ننقذ لبنان”.

وفي الخلاصة، رأى الصائغ أن “المقارنة بين رجل دين هو البطريرك الماروني المرتبط بالانتماء النقي الى القضية اللبنانية، ورجل دين يناقض كلياً هذا الانتماء لحسابات لا علاقة له أساساً بها ولا علاقة للقضية اللبنانية بها، هذه المقارنة معضلة وجوديّة مؤلمة، والمطلوب توبة وعودة الى لبنان في عيد القديس مارون”.

شارك المقال