صمت التنازل الحدودي أو بيعة المصير الوجودي؟

هيام طوق
هيام طوق

طوال فترة المفاوضات على ترسيم الحدود التي انطلقت في 14\10\2020 وتوقفت بتاريخ 4\5\2021، كان رئيس الجمهورية ميشال عون يصر أمام الوفد التقني العسكري المفاوض على ضرورة التمسك ببدء المفاوضات من الخط 29 ويرفض حصر التفاوض بين الخط 1 والخط 23 كما يطالب العدو الاسرائيلي. لكن، بعدما زار الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لبنان منذ أيام، وأجرى محادثات طغت عليها السرية التامة، تحول موقف رئيس الجمهورية ليصبح على الشكل التالي: التراجع عن الخط ٢٩ في ملف ترسيم الحدود البحرية، واعتبار الخط 23 هو سقف التفاوض، وأن المرسوم 6433 بات من الماضي، وأن الطاولة الرئيسة والأولى للتفاوض في قصر بعبدا، ولا عودة وشيكة الى الناقورة قبل أن ننهي المتبقي من الخلافات.

مواقف أراد العهد ومن هم في السلطة تمريرها بالتكافل والتضامن في ما بينهم تحقيقاً لمكاسب سياسية، يشوبها الكثير من الغموض والشكوك وفق مصدر مطلع لـ “لبنان الكبير”، الذي أكد أن السلطة في حال تخلت عن الخط 29 تكون أثبتت مرة أخرى أنها تفعل كل شيء حتى التنازل عن حقوق لبنان لصالح العدو الاسرائيلي، وأن أكثر ما يهمها الحفاظ على مراكزها، والاستمرار في جعل لبنان الحلقة الأضعف على طاولات التفاوض وخصوصاً المفاوضات النووية في فيينا.

وأشار المصدر الى أن رئيس الجمهورية يسعى الى تمرير هذه المواقف بعيداً من الضجيج الاعلامي في محاولة منه لكسب الثقة الأميركية علها ترفع العقوبات عن صهره على أبواب الانتخابات النيابية، مشدداً على أن مواقف كهذه “أقل ما يقال فيها انها بيعة أو صفقة ولكن لم ندرك بعد مقابل أي ثمن، إلا أن الأكيد وفق المعطيات والوقائع ليست لصالح البلد لا من قريب ولا من بعيد، وأنه في نهاية المطاف وافق على الشرط الأميركي الذي اعتبر أن لا طرح للحلول قبل الاتفاق على أن مساحة الـ 860 كيلومتر مربع هي منطلق المفاوضات”.

وسأل المصدر: “لماذا هذا الصمت الغريب ازاء خطورة ما يجري؟ وأين هو محور الممانعة والمقاومة؟ ولماذا هذا الكتمان؟ ولماذا نقل التفاوض من الناقورة الى قصر بعبدا؟ وهل يشك رئيس الجمهورية بحرفية الجيش وحرصه على تحصيل حقوق لبنان؟”.

الصمت عن مؤامرة التنازل مقابل رفع العقوبات

وقال العميد جورج نادر: “ان من هم في السلطة يستفيدون وتتقاطع مصالحهم في التنازل عن أراض لبنانية لصالح العدو الاسرائيلي. من ناحية رئيس الجمهورية، يؤكد عدد كبيرمن العارفين أنه يتنازل عن حقوق لبنان مقابل رفع العقوبات الأميركية عن صهره خصوصاً وأن هناك تلويحاً بإصدارها قبل الانتخابات النيابية المقبلة. من ناحية ثانية، فإن موضوع ترسيم الحدود البحرية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمفاوضات النووية الأميركية -الايرانية، وبالتالي، التنازل عن حق لبنان مقابل مصالح ايرانية”.

وسأل: “ما هذا الصمت المريب لمحور الممانعة والمقاومة في موضوع التنازل عن الخط 29؟ صمت مشكوك فيه بحيث أن حزب الله يقول اننا نسير بما تقرره الدولة في هذا الموضوع، لكن لماذا لم يسر وراء الدولة في أمور كثيرة كانت مصيرية في البلد؟”، معتبراً أن “الصمت يدل على أن المنظومة الحاكمة مشاركة في مؤامرة التنازل عن الأراضي اللبنانية لصالح العدو الاسرائلي. وعندما نتنازل عن أراض لبنانية نكون نخالف الدستور، وهذا يعني اتهاماً بالخيانة من قبل الرأي العام اللبناني الذي لن يرضى بقضم مساحات شاسعة لتحقيق مكاسب أهل السلطة، ولن نسمح بأن تمر البيعة”.

ولفت نادر الى أن “التفاوض حالياً يتم بسرية تامة، وهذا أمر غير مريح لأن من هم في السلطة يفعلون أي شيء لاستمرار بقائهم في مراكزهم حتى ولو على حساب خسارة أجزاء من لبنان”.

ورأى أن ” الملفت في الأمر أن الوفد المفاوض أثناء لقائه رئيس الجمهورية كان يؤكد له عدم التنازل عن الخط 29، فما الذي جرى كي يتنازل عن هذا الموقف ويقول ان النقطة 23 هي حدودنا البحرية؟”، مشيراً الى “أننا نخسر كل حقل قانا وكل حقنا من حقل كاريش”. وتساءل: “هل هناك أحرص من الوفد العسكري في الحفاظ على الأراضي اللبنانية؟ هول هناك شك بحرفية الوفد المفاوض؟ طبعاً لا”.

أضاف: “الوسيط الأميركي اسرائيلي وولد من أب وأم في اسرائيل، وخدم في الجيش الاسرائيلي من سنة 1992 الى 1995، وسافر الى أميركا. صفة الوسيط هي الحياد. هل هوكشتاين محايد؟ هل تقبل اسرائيل بوسيط أميركي من أصل لبناني؟ قبلنا بالوسيط الأميركي لكنه يضع شروطاً للحصول على حق لبنان، وبالتالي يمكن التنازل عن الحق قليلاً لكن لا يمكن التنازل بهذا الشكل المريب، وبهذه المساحات الشاسعة”.

وأكد نادر أنه يملك “خريطة اسرائيلية تشير الى أن الخط التفاوضي بين لبنان واسرائيل جنوب الخط 29 أي عندما نقبل بالخط 23 نكون خسرنا 2660 كيلومتراً مربعاً، وسنعرضها مع وثائق أخرى خلال مؤتمر صحافي بعد أيام قليلة لنظهر للشعب اللبناني خطورة ما يجري”، داعياً “الناس الى الوقوف سداً منيعاً أمام ما يتم التخطيط له من أجل مكاسب سياسية أو تحقيقاً لمصالح اقليمية”.

القبول بالشروط الأميركية

بدورا، أوضحت خبيرة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتايان أن “الوسيط الأميركي أجرى لقاءات مع المسؤولين، لأنه عندما استلم الملف قال اننا سنتجه الى اللقاءات المكوكية بين المسؤولين ولن نكتفي بلقاءات الناقورة، وعند زيارته لبنان منذ أيام، قال ان خطوط لبنان هي بين الخط رقم 1 الاسرائيلي والخط 23 اللبناني، وان مساحة 860 كيلومتراً مربعاً هي المساحة المتنازع عليها، ونحن نجري مفاوضات، وفي المفاوضات لا يمكن لأي طرف أن يحصل على المطالب كاملة”.

ولفتت الى أن “الرئيس عون أعلن في حديث أن حدودنا الخط 23 وتعديل المرسوم بات وراءنا والمفاوضات تحصل في بعبدا. هذه هي الشروط التي وضعها الأميركيون لاطلاق أي نوع من المبادرات لايجاد حل لترسيم الحدود أي أن يقبل لبنان بالـ 860 كيلومتراً مربعاً، وهذا ما حصل. وأعتقد أن الاميركيين يتجهون اليوم الى وضع الحلول على طاولة المفاوضات لأن في لقاءات الناقورة كان لبنان يدافع عن خط 29 واسرائيل عن خط رقم 1 ولم يكن هناك طرح لحلول، لأن الأميركي كان يصر على أنه لا يجوز طرح الحلول قبل الاتفاق على أن مساحة الـ 860 كيلومتراً مربعاً هي منطلق المفاوضات. اليوم بما أن لبنان قبل بهذا الموضوع، فإن الطرح سيكون باتجاه تقاسم الـ 860 كيلومتراً مربعاً بين اسرائيل ولبنان، وهذا خسارة كبيرة للبنان”.

وتابعت: “لا نعرف ما الذي حصل للتنازل عن الخط 29 وتراجع رئيس الجمهورية عن موقفه، ونأمل أن يكون لمصلحة لبنان وليس من أجل مصالح أخرى”، مؤكدة أنه “اذا كان هدف لبنان عدم التنازل شبراً واحداً عن الـ 860 كيلومتراً مربعاً، بهذه الطريقة يتنازل عما هو أكثر من الـ 860 لأنه سيتشارك هذه المساحة مع الاسرائيليين”.

وأشارت الى “كتمان شديد يخيم على المفاوضات، وفي حال عاد الوسيط الأميركي فربما سيكون ليتم الامضاء على الاتفاق أو لمناقشة الحل المطروح مع العلم أن التنقيب سيبدأ قبل نهاية آذار في حقل كاريش”.

شارك المقال