“أمل” أسيرة مواقف “حزب الله” من “التقدمي”… وجنبلاط: مشروعه إلغائي

عبدالله ملاعب

مع إقتراب الخامس عشر من آذار، تاريخ إنتهاء مهلة الترشح للانتخابات النيابية، تتضح أكثر معالم ترشيحات القوى السياسية وتحالفاتها ونواياها لاسيما مع المعطيات الجديدة التي طرأت على الساحة السياسية اللبنانية هذا العام مبدلة الكثير مما كان “تحصيلاً حاصلاً” في السابق. وفي الإطار، بات واضحاً أن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط يخوض المعركة هذا العام بمفرده متسلحاً بشعار مؤتمره العام الثامن والأربعين “لا إصلاح دون سيادة” الذي سيواجه عبره “حزب الله”، “بحزم وبهدوء” حسب قوله، وسيعلن ونجله تيمور جنبلاط البرنامج الانتخابي لـ “اللقاء الديموقراطي” في الذكرى الخامسة والأربعين لاغتيال كمال جنبلاط، في حفل حاشد ستشهده المختارة.

إن إنفراد جنبلاط في المعركة ضد “حزب الله” لا يعود الى عزوف حليفه سعد الحريري أو الى التباينات التفصيلية بين المختارة ومعراب وحسب، إنما يعود أيضاً الى الواقع المفروض على تحالف “الاشتراكي” مع حركة “أمل” التي لها معاركها الخاصة وحساباتها الداخلية والأولويات التي تأتي في طليعتها سياسة “صون البيت الداخلي” المصحوبة هذا العام مع تراجع في شعبية حركة “أمل” وعزم من “حزب الله” على كسر وليد جنبلاط لتكون القاعدة بين الحليفين التاريخيين “مجبرٌ أخاك لا بطل”.

يُقرأ هذا الواقع بوضوح في دائرتين انتخابيتين. ففي التفاصيل، إن المقعد الدرزي في دائرة حاصبيا مرجعيون شَغَلَه أنور الخليل منذ العام 1991 كشخصية متوافق عليها بين جنبلاط الذي تربطه به علاقة وطيدة وبري الذي عيّنه أميناً عاماً لكتلته، ناطقاً بإسمها ومحضراً اقتراحات قوانين عنها. مع إعلان الخليل عزوفه عن الترشح الى الانتخابات النيابية في أيار 2022، فُتح باب النقاش حول الشخصية الدرزية التي ستترشح عن هذا المقعد، وكان جنبلاط طلب من القياديين الحزبيين في حاصبيا مرجعيون اقتراح أسماء عليه كي يصار الى التشاور فيها مع بري. إنما “حزب الله” كان أقوى بقراره ترشيح الوزير مروان خير الدين عن هذا المقعد واقفال الباب أمام شخصية يُتفق عليها بين بري وجنبلاط وتكون ضمن لائحة الثنائي. إختار “حزب الله” قريب طلال أرسلان وأنور الخليل ورئيس مجلس إدارة “بنك الموارد” الوزير خير الدين الذي يسعى الى كسب موافقة جنبلاط على ترشيحه فزاره في دارته في كليمنصو. الإشتراكيون في حاصبيا ومرجعيون أرادوا مواجهة هذا القرار الذي لا دخل لوليد جنبلاط فيه، إنما الأخير أبلغهم أنه لن يواجه بري بل يُفضّل عدم ترشيح اسم درزي في وجه لائحة الثنائي التي تضم خير الدين، ويقول في أوساطه: “لن أدخل في معركة مع بري”. وفي السياق تؤكد مصادر “التقدمي” لـ “لبنان الكبير” أن لا صفقة بين بري وجنبلاط حول هذا المقعد. وتفسر موقف جنبلاط إنطلاقاً من سببين: الأول متمثل في رفض جنبلاط التحالف مع “حزب الله” في أي دائرة كانت وتحت أي ظرف، فالقيادة لا ترى مبرراً لوجود حزبي تقدمي في لائحة تضم مرشحين عن “حزب الله”. والاشكالية الثانية رقمية متمثلة في حاصل هذه الدائرة المرتفع، فـ “الاشتراكي” يملك ما بين 4000 و6000 صوت في حاصبيا انما حاصل هذه الدائرة يتخطى 17000 صوتاً، وبالتالي لا يستطيع جنبلاط ضمان هذا المقعد إن واجه لائحة بري – “حزب الله” عبر التحالف مع جمهور “المستقبل” و”الجماعة الاسلامية” و”القوات اللبنانية” والمستقلين. في هذا تشير المعلومات الى أن خيار طلال أرسلان كان ترشيح رئيس دائرة الحزب “الديموقراطي” في حاصبيا وسام شروف الذي ترشح في العامين 2009 و2018، إنما قيادة محور الممانعة فرضت من تريد. وقد عبَّر الارسلانيون عن امتعاضهم من ترشيح خير الدين البعيد عن المنطقة وشؤونها.

كما في حاصبيا، كذلك في بيروت، تفرض الممانعة من تريد، ولـ “حزب الله” الكلمة الفصل. إنما في بيروت الخلاف على المقعد الدرزي بين الممانعة الدرزية وممثليها على أشده. فـ”الديموقراطي” يريد وزيره صالح الغريب، و”القومي” بتوجيهات من الرئيس السوري بشار الأسد يريد فراس الشوفي، وقالها هذه المرة بالفم الملآن: “لن نعطي أصواتنا في عاليه ان لم نأخذ مقعداً درزياً مقابلها”. والمعضلة كبيرة، إذ أن “حزب الله” كان يرضي “القومي” بترشيح أسعد حردان في حاصبيا مرجعيون، انما الخلافات الداخلية في “القومي” ألقت بثقلها على هذا الحزب المشتت. ففي عاليه، غالبية القوميين معارضة لأسعد حردان الذي لا يمثلها، وتصرّ على إقناع “حزب الله” بتبني ترشيح الكاتب الصحافي والقيادي في حزبها فراس الشوفي عن المقعد الدرزي في بيروت لاسيما وأنه مدعوم من سوريا. وفي الاطار، يحاول “الديموقراطي” استمالة القوميين لاسيما وأن ربطهم ترشيح الشوفي في بيروت بأصواتهم في عاليه خطر جداً بالنسبة الى طلال أرسلان الذي تقول إستطلاعات الرأي انه سيخسر مقعده النيابي على يد المعارضة إن تكتلت في لائحة واحدة في قضاء عاليه ولن تسعفه أصوات “حزب الله” الـ1200 في هذه الدائرة. وبالتالي، يعمل “الديموقراطي” على خطين: الأول إقناع “حزب الله” بتبني ترشيح صالح الغريب لا الشوفي في موازاة إقناع “القومي” بأن صالح يُمثلهم إن كسب مقعد بيروت. ومن “عدة الشغل” في هذا الاطار تسويق الارسلانيين روايات تظهر اللحمة القومية “الميرية”، وكان آخرها التذكير بمصطلح “القوميريون” أي القوميون الذين يرون في طلال ارسلان امتداداً لفكرهم ولنهج أنطون سعادة، إنما هذا كله لم ينفع ولا يزال “القومي” يريد مقعد بيروت ويحارب لأجله بالسيف السوري، ولكن الكلمة الفصل ستكون لـ”حزب الله” الذي استطاع صالح الغريب كسب ثقة قيادته في فترة قياسية.

وفي السياق، تقول أوساط بري – جنبلاط ان الرئيس بري لا يزال يقول “لا” إلى اليوم في ما يخص ترشيح قومي أو ارسلاني على المقعد الدرزي في بيروت ضمن لائحة “حزب الله” – حركة “أمل”. وحسب المعلومات فقد أبلغ بري “حزب الله” أنه لن يجيّر أصواته في بيروت لأيٍ من المرشحَين.

يمتلك المقعد الدرزي في بيروت حيثية كبيرة و”الاشتراكي” الذي شغل هذا المقعد منذ نشأته بعد إتفاق الطائف، لن يتخلى عنه، فجنبلاط ماض في ترشيح فيصل الصايغ على هذا المقعد وسيخوض المعركة عبر لائحة تضم سياديين أساسها العائلات البيروتية العريقة المنتمية الى نهج تيار “المستقبل” اضافة الى جمهور جنبلاط في بيروت.

وعن هذا المقعد، تنفي مصادر “التقدمي” لـ “لبنان الكبير” ما يشاع عن أن “حزب الله” سلَّم هذا المقعد لـ “التقدمي” في السابق، فهي ترى أن شيئاً لم يتغيّر، انما الجديد بحسبها مرتبط بطبيعة الخصوم الذي إختار “حزب الله” اسقاطهم هذا العام.

في العام 2018، كانت أولوية “حزب الله” القضم من “المستقبل” وإنشاء كتلة وازنة لجبران باسيل، فأتوا بالسني عدنان طرابلسي بـ13,018 صوتاً تفضيلياً والانجيلي إدكار طرابلسي الذي نجح بـ1,919 صوتاً تفضيلياً اضافة الى مرشحهم أمين شري الذي حاز على 22,961 صوتاً تفضيلياً ونائب حركة “أمل” محمد خواجة الذي حصد 7,834 صوتاً. وبالتالي تركت لائحة “حزب الله” من دون درزي في العام 2018 بسبب أولوياته لاسيما وأنه لا يستطيع حصد أكثر من أربعة مقاعد في بيروت الثانية. أما هذا العام، فمع عزوف الحريري، حسم “حزب الله” خيار مواجهة جنبلاط لأنها مربحة شعبياً. فالسيد حسن نصرالله الذي لا يستطيع مواجهة بري كما يريد جمهوره، يستطيع تبني إسقاط جنبلاط كشعار انتخابي لحملته “باقون نحمي ونبني”.

تقول مصادر “التقدمي” لـ”لبنان الكبير”: “إن العلاقة بين بري وجنبلاط طبيعية ومستمرة في كثير من العناوين السياسية ويوجد تفهم متبادل للاعتبارات الانتخابية وظروف الحزبين”. وهذا ما أكدته أوساط عين التينة التي وصفت العلاقة بـ “الممتازة والمستمرة”.

مع ذلك تبقى قدرة الطرفين على التعاون في الاستحقاق الانتخابي صعبة ومعقدة لجملة من الأسباب أبرزها ارتباط بري بـ “حزب الله”، الذي أتى وليد جنبلاط على ذكره في الاجتماع الأخير للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في معرض حديثه عن ملامح إلغاء الدور الوطني العربي للمختارة ورفاقها قائلاً: “نعلم أن ما يسمى مقاومة تبتدئ مشروعها الإلغائي، الذي كان في الأساس إلغائياً ويتوضح كل يوم ويستمر كل يوم”.

شارك المقال