أوكرانيا: الإيديولوجية الهشة بمواجهة المبرر الأخلاقي

حسناء بو حرفوش

يعتمد مصير حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا على الروح المعنوية للجنود الروس واستعدادهم لمواجهة الحقائق على الأرض. هذه هي خلاصة قراءة في موقع “بوليتيكو” الاكتروني الأميركي، والتي تربط نتائج الحرب بمفاعيل الثقافة واللغة المشتركة بين الجنود الروس والمدنيين الأوكرانيين.

ووفقاً للمحللة فيكتوريا سمولكين، المؤلفة وأستاذة التاريخ في جامعة ويسليان في الولايات المتحدة الأميركية، “في تحد للتوقعات، تمكنت أوكرانيا من الصمود في الأسبوع الأول منذ بداية الغزو في وجه الهجوم الروسي، الذي تضمن هجمات على جبهات متعددة استهدفت المدن الكبرى في أوكرانيا، بما في ذلك عاصمتها كييف. ومع تزايد حجم الهجوم الروسي، يطرح السؤال عن سقوط أوكرانيا كأمر حتمي، بالنظر إلى حقيقة أنها تواجه أقوى جيش في أوروبا وأنها تقاتل هذا الجيش بمفرده. ويدرك الاستراتيجيون العسكريون أن المعارك لا تحسمها الموارد أو القدرات أو حجم الجيش وحسب، بل هناك أيضاً العامل البشري الحاسم: إرادة القتال. فهل يمتلك الجنود إحساساً واضحاً بالهدف من الحرب؟ هل يؤمنون بقادتهم أو بحكومتهم؟ هل يشعرون بتأييد الرأي العام في الوطن؟ باختصار، هل يمتلك الروس مبرراً أخلاقياً لاستخدام العنف الذي تستلزمه الحرب خاصة في ما يتعلق بالعنف ضد المدنيين؟

لا شك في أن الأوكرانيين يمتلكون الإرادة للقتال وقاموا فعلاً بالمقاومة، بمساندة المدنيين الذي انضموا الى القتال، حتى أن العديد من الأوكرانيين عادوا من الخارج للدفاع عن البلاد. كما يواجه الأوكرانيون العاديون العزل الجنود الروس، لكن الأمر يبدو مختلفاً من الجانب الروسي. ويُلاحظ في هذه الحرب الارتباك والتناقض بين الجنود الروس، لا سيما في مواجهة المدنيين الأوكرانيين. إذاً، تشكل الروح المعنوية العسكرية العامل الرئيس في فهم الهدف من القتال والاستعداد لاتباع الأوامر.

ويكثر السؤال حول القدرة على ارتكاب العنف في معظم الكتب التاريخية التي تتناول القرن العشرين في أوروبا، وخاصة تلك التي تغطي الحرب العالمية الثانية. فما الذي قد يدفع أي انسان عادي الى ارتكاب عنف غير عادي (…) عندما تتعارض طاعة الأوامر العسكرية مع الحس الأخلاقي؟. وأثبتت التجارب السابقة في التجنيد أن الأشخاص الذين دفعوا الى ارتكاب المذابح والتغلب على اشمئزازهم من هذا الفعل كانوا مقتنعين بوجود “سبب أخلاقي” مفاده أن عدم المشاركة في هذا الفعل سيعرض رفاقهم للخطر.

ويصر المسؤولون ووسائل الإعلام الروسية على وجود “سبب أخلاقي” أيضاً وراء الغزو الروسي لأوكرانيا وهو إنقاذ العالم الروسي. كيف ذلك؟ عمل هؤلاء على التحذير من أن “نظام كييف” يضم “مدمني المخدرات والنازيين الجدد”، ويستخدم الأطفال والنساء وكبار السن كـ “دروع بشرية”. كما روّجوا لمعاناة اللاجئين من دونباس وحكاياتهم المروعة عن الحياة في أوكرانيا “الفاشية”، وحذروا من الإبادة الجماعية للناطقين بالروسية. وفي السرد الأيديولوجي لروسيا وتغطيتها للحرب، ينقسم الواقع إلى أجزاء ويشوه ثم يعاد تجميعه إلى شيئ بالكاد يمكن التعرف عليه. أخذت الدعاية الروسية لغة ومفاهيم من الحرب السوفياتية ضد ألمانيا النازية وقلبتها رأساً على عقب.

لكن هل يؤثر هذا الخيال على الجنود الروس؟ ماذا يحدث عندما يواجهون الواقع على الأرض في أوكرانيا؟ تروّج الصحف في كييف للدعوات إلى “المغادرة والحفاظ على الإنسانية” ومناشدات في الشارع مثل “لا تدمر حياتك من أجل بوتين. عد إلى ديارك مرتاح الضمير”. وتتوجه هذه الرسائل وسواها بلغة “إنسانية أساسية مشتركة بين الروس والأوكرانيين” إلى الجنود الروس بصفتهم أشخاصاً عاديين لديهم أسر وأطفال.

ويترك هذا التقارب الثقافي تأثيراً قوياً على الروح المعنوية العسكرية الروسية (…). يبدو أن روسيا توقعت أن تؤدي “عمليتها العسكرية الخاصة” إلى استسلام أوكرانيا السريع. ربما توقعت أن يقف العالم مكتوف الأيدي بينما سيطرت على الأراضي الأوكرانية تماماً كما في العام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم (…). ما أصبح واضحاً مع اندلاع الحرب في أوكرانيا هو هشاشة الأرضية الأيديولوجية التي أرستها روسيا. فالجنود الروس لم يكونوا مستعدين لهذا الصراع سواء عسكرياً أو معنوياً. وتظهر مقاطع فيديو لجنود روس، شباناً أسرى، غالبا مجندين حديثاً، وهم مرتبكون أكثر من أي شيئ آخر. وفي بعض الحالات، يقولون إن قادتهم لم يخبروهم حتى أنهم ذاهبون إلى الحرب. لقد ظنوا أنهم أرسلوا للمشاركة في تمارين تدريبية.

باختصار، تزداد الأدلة على أن الروح المعنوية الروسية تعاني من الانخفاض. وتشير المركبات العسكرية الروسية المهجورة إلى الاتجاه نفسه. هذا لا يعني أن الجيش الروسي لم يلحق بالفعل أضراراً مدمرة بأوكرانيا أو قد يتوقف عن إلحاق المزيد من الضرر. ولكن بما أن الجنود الروس يجدون أنفسهم أكثر فأكثر في مواجهة المدنيين الأوكرانيين، فإن هذا يثير بالفعل السؤال حول مدى استعدادهم للامتثال للأوامر. وبغياب إحساس أقوى بالتبرير الأخلاقي، قد يجد بوتين أنه على الرغم من ترسانته ودباباته، فان الجيش الروسي يفتقر إلى الروح المعنوية لتنفيذ ما يتطلبه الأمر للفوز في حربه ضد الأوكرانيين”.

شارك المقال