الحرب الأوكرانية والولايات المتحدة “الأوروبية”

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي توقع فيه العديد من المحللين أن يتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا بانقسام حاد حول كيفية الرد داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، أطلقت الحرب الروسية حقبة جديدة من الوحدة الأوروبية، حسب قراءة في موقع “ذا ويك” الإلكتروني الأميركي. وتعتبر القراءة أن قرار الرئيس فلاديمير بوتين دفع باتجاه ولادة “الولايات المتحدة الأوروبية”، التي توحدت واجتمعت بعزم لأول مرة في تاريخها.

ونقرأ قي المقال: “لقد حدث عكس ما كان متوقعاً. وأغلق المجال الجوي الأوروبي أمام الطائرات التجارية والخاصة القادمة من روسيا. وبسطت دول عدة سلطتها على الممتلكات الروسية، بما في ذلك اليخوت الفخمة كما أرسلت الأسلحة إلى أوكرانيا. وزادت ألمانيا، أغنى دولة في أوروبا من إنفاقها الدفاعي. وفي حال جمعت كل الجهود الأوروبية، يتضح جلياً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمكن عن غير قصد، من إنجاز ما بدا مستحيلاً في كثير من الأحيان، بحيث جمع القارة معاً في السياسة الخارجية وبالتالي وضع أساساً متيناً لـ “الولايات المتحدة الأوروبية” الحقيقية. فقد أثار غزو بوتين الوحدة في القارة ككل، حيث شعر أعضاء الاتحاد الأوروبي بالتهديد الشديد من قبل خصم مشترك. وهذا توضيح مباشر لديناميات التماسك الداخلي لأي مجموعة عندما تحدد نفسها ضد تهديد خارجي.

لكن هذا التغيير يحقق أيضاً الخطوة الأخيرة باتجاه التكامل على مستوى القارة. وبدأ الاتحاد الأوروبي كسوق مشتركة توسعت ببطء في الحجم. وأتى هذا الترتيب الاقتصادي الأولي ليتم استكماله بالعديد من المؤسسات السياسية والتنظيمية للقارة ككل، فوق المؤسسات السياسية للدول الفردية، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي. وأتت النتيجة ولادة بطيئة وتدريجية لحالة استثنائية. لكن المجال الوحيد الذي أجهضت فيه عملية التوحيد السياسي مراراً وتكراراً بقي الدفاع. ومع استمرار تحمل الولايات المتحدة المسؤولية النهائية، من خلال الناتو، عن أمن القارة، وإيلاء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأولوية للمصالح الوطنية على تحديد المصالح الجماعية والدفاع عنها، تعثرت جهود الاتحاد الأوروبي المتوقفة لإقامة روابط مشتركة حول العلاقات مع بقية العالم.

وإذا انسحبت روسيا بسرعة من مغامرتها في أوكرانيا، ووصلت الحرب إلى خاتمة سريعة، فمن المؤكد أن تماسك اللحظة قد يتلاشى، مما يترك القارة مرة أخرى في موقعها قبل شهر. ولكن هذا النوع من الحل السريع غير مرجح. وكلما طال الصراع، زاد احتمال ترسخ العادات الجديدة للوحدة والعزم داخل مؤسسات الدفاع المشترك للقارة. ويحدث أن مثل هذه المؤسسات لن تبنى من الصفر. وهي موجودة بالفعل في شكل الناتو نفسه. ويوجد تداخل كبير في عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وفي الوضع الحالي، وبوجود مدفعية العدو وعشرات الآلاف من القوات الروسية التي تشق طريقها، يبدو هذا التقسيم سخيفاً بشكل متزايد.

خلال هذا الأسبوع وحده، استجاب البرلمان الأوروبي بحماس لطلب أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وتسعى دولة جورجيا الصغيرة، الواقعة مباشرة على الحدود الروسية، للحصول على العضوية أيضاً. فما معنى قبول هذه الدول في المؤسسات الاقتصادية والسياسية في أوروبا من دون تقديم ضمانات أمنية لها؟ سيكون الأمر مثل قبول الولايات المتحدة بدولتين جديدتين بينما تعلن أن الجيش الأميركي لن يفعل شيئاً للدفاع عنهما إذا تعرض للهجوم. هذا ليس سلوك كيان سياسي متماسك، ويجب أن يتغير التنظيم مع الاتحاد الأوروبي، ليصبح بشكل فاعل وزارة جاهزة للدفاع القاري للاتحاد الأوروبي. كما يتعين على الدول الأعضاء بالفعل في الاتحاد الأوروبي أو التي ستنضم إليه في المستقبل أن تصبح أعضاء تلقائيين في الناتو. وخلال الأسبوع الماضي، أبدت دولتان عضوان في الاتحاد الأوروبي (فنلندا والسويد) استعداداً لمثل هذه الخطوة.

أما بالنسبة الى الدول الأعضاء في الناتو ولكن ليس في الاتحاد (على غرار ألبانيا وكندا وأيسلندا والنرويج وتركيا والولايات المتحدة بالإضافة إلى المملكة المتحدة منذ العام 2020)، فسوف تختلف قراراتهم بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باختلاف المناطق الجغرافية والحقائق السياسية. المهم أنه ستتم دعوتهم على الأقل ليظلوا حلفاء في المعاهدة مع الاتحاد الأوروبي، وملتزمين بالمشاركة في الدفاع المشترك في حالة وقوع هجوم على دولة عضو. وهذا مهم بشكل خاص للولايات المتحدة، التي تساهم بأعداد كبيرة من القوات (وجزء كبير من التمويل) للتحالف. ومع تحول الناتو بشكل أكثر وضوحاً إلى قوة الدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي، يجب أن تنخفض هذه المساهمات بمرور الوقت، على الرغم من أن هذه العملية ينبغي ألا تبدأ في ظل استمرار العمليات الروسية في أوكرانيا والتوترات على طول الجناح الشرقي لحلف الناتو. لكن المسار طويل الأمد بشكل واضح. ولم يسبق للاتحاد الأوروبي أن تصرف ككيان سياسي متماسك أكثر مما يفعل الآن. وهذا ما يجب تشجيعه على الاستمرار، ليستمر الاتحاد الأوروبي في التطور باتجاه أن يصبح دولة عظمى مستقلة وإمبراطورية ليبرالية متعددة الجنسيات تتحمل مسؤولية الدفاع بشكل متزايد. ولم يكن ذلك ليحدث أبداً من دون مغامرة بوتين”.

شارك المقال