بقعة استراتيجية قد تقلب الموازين في أوكرانيا

حسناء بو حرفوش

على الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تراقب بحذر رد فعل موسكو على المساعدات المتزايدة التي تقدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها لأوكرانيا والعقوبات الاقتصادية والمالية الغربية المفروضة على روسيا، عليها أن تحول انتباهها إلى منطقة صغيرة نسبياً شمال شرق أوروبا ومألوفة للاستراتيجيين العسكريين. وتتمثل هذه المنطقة التي غالباً ما يتجاهلها معظم صانعي السياسات وعامة الناس في الممر الذي يفصل بين منطقة كالينينغراد الروسية على بحر البلطيق وبيلاروسيا، التي تستضيف حالياً الآلاف من القوات الروسية والطائرات المقاتلة المتقدمة والأسلحة النووية. وتشكل هذه المنطقة التي تعرف باسم ممر سوالكي (Suwalki)، بحسب قراءة نشرها موقع “نيويورك بوست” الأميركي عن المحلل جون دني، الطريقة الوحيدة للوصول عن طريق البر أو السكك الحديدية من بولندا وأوروبا الوسطى إلى دول البلطيق، وهي أكثر أعضاء الناتو تعرضاً للخطر.

وحسب القراءة، “قد يبدو التحرك الروسي في الممر بعيد المنال، لأنه سيتضمن هجوماً على أراضي الناتو، وسيؤدي إلى رد عسكري أميركي. ومع ذلك، تستدعي إعادة غزو موسكو لأوكرانيا استعداد الأميركيين وحلفائهم لأسوأ السيناريوهات من خلال التركيز على القدرات العسكرية الروسية الفعلية في المنطقة، بدلاً من نية الكرملين المعلنة. وليس الممر بكبير، على الأقل من حيث الحدود الطبيعية مثل الأنهار أو السواحل أو الجبال. ويقع في منطقة ريفية مفتوحة تتميز في الغالب بالأراضي الزراعية المتدحرجة التي تتخللها الغابات والقرى الصغيرة. وهناك أيضاً طريقان سريعان، إضافة إلى خط سكة حديد، وكلها بنية أساسية للنقل تربط بولندا بدول البلطيق. ومنذ الغزو الروسي الأول لأوكرانيا، في العام 2014، أولى المسؤولون الحكوميون الغربيون والقادة العسكريون وخبراء مراكز الأبحاث اهتماماً إضافياً بهذا الممر الضيق نسبياً بين الحلفاء، ويرجع ذلك أساسا إلى ما يمثله هذا الممر إذا سعت روسيا إلى عزل دول البلطيق.

ولم تتضخم هذه المخاوف إلا في الأسبوع الماضي، بحيث يفكر المسؤولون الغربيون بأن المساعدة المقدمة لأوكرانيا قد تصور الغرب كمقاتلين مشاركين في نظر القانون الدولي، مما يوفر لبوتين مبرراً للهجوم. ومن المحتمل أيضاً أن ترد موسكو عسكرياً على العقوبات المنهكة التي فرضها الغرب في الأسبوع الماضي. وبينما تتدفق القوات الأميركية والقوات الأخرى المتحالفة إلى بحر البلطيق والجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، قد يرى الكرملين تهديداً متزايداً لكالينينغراد ويستولي على ممر سوالكي لإنشاء جسر بري. وكانت كالينينغراد أرضاً روسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي الآن موطن لقوات قتالية روسية كبيرة، بما في ذلك أسطول البلطيق الروسي والدفاعات الجوية المتقدمة وصواريخ محمولة ذات قدرة نووية. وبالنظر إلى ذلك، فإن روسيا قد تخاطر بالتصعيد إذا أساءت تفسير تصرفات الناتو بالقرب من كالينينغراد.

من الواضح أن الاستيلاء على الممر يستلزم مهاجمة ليتوانيا أو بولندا أو كلتيهما، مما يؤدي مباشرة إلى حرب بين الناتو وروسيا. وهذا يبدو غير منطقي أو غير حكيم من الناحية الاستراتيجية بالنسبة الى بوتين. ومع ذلك، من الواضح أن قدرة الغرب على معرفة منطق بوتين وفهمه والأساس المنطقي وراء اتخاذه القرار كانت مقيدة بشكل واضح. وعلى سبيل المثال، اعتقد البعض أنه من غير المنطقي أن يأمر بوتين بغزو شامل لأوكرانيا ببساطة من أجل إبعادها عن الناتو. إضافة إلى ذلك، لم تضغط أي سلطات في واشنطن أو بروكسل بجدية من أجل عضوية أوكرانيا في التحالف، ومن المؤكد أن ديبلوماسيي روسيا وأجهزة مخابراتها يعرفون ذلك. علاوة على ذلك، لم يحمل خطاب بوتين الأخير بشأن التظلم من الغرب شيئاً جديداً – فهذه موضوعات تبناها لسنوات – فلماذا يغزو أوكرانيا الآن؟ الجواب غير واضح، بصرف النظر عن الاستنتاج بأن هذه الحرب تدور حول شيء أكثر من مجرد إبقاء أوكرانيا خارج الناتو.

وبالتالي، لن تفضي محاولة فهم نية بوتين الى المضي قدماً. ولا يمكن للغرب أن يفترض أنه يفهم كيف يمكن لبوتين أن يتفاعل مع انهيار الاقتصاد الروسي، أو كيف يمكنه استغلال علاقته الاستعمارية الجديدة عملياً مع بيلاروسيا، التي تستضيف حالياً عشرات الآلاف من القوات الروسية. وعلى المنوال نفسه، لا يمكن للغرب أن يفترض أن روسيا لن تتخذ خطوة ضد الممر لمجرد أنه يبدو غير منطقي. وبدلاً من محاولة فهم نية بوتين أو منطقه، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها التركيز على القدرات التي جمعها الكرملين في وحول أوكرانيا وبيلاروسيا. وعشية الغزو الأخير، نشرت روسيا 30 ألف جندي في بيلاروسيا، إضافة إلى مجموعة من المعدات مثل طائرات الهجوم الأرضي وطائرات الهليكوبتر الهجومية ووحدة الدفاع الجوي والمسيرات وانتقلت معظم هذه القوات إلى أوكرانيا في الأسبوع الماضي أو تواصل دعم العمليات هناك من بيلاروسيا. وفي مكان آخر من شمال شرق أوكرانيا وشرقها وجنوبها، يدخل ما يقرب من 120 ألف جندي روسي أوكرانيا إلى جانب مجموعة من المركبات المدرعة والصواريخ والمدفعية وغير ذلك. باختصار، تمثل هذه القدرات أهم تجميع للقوة القتالية التقليدية في أوروبا الشرقية منذ نهاية الحرب الباردة. وبالنظر إلى كل هذا، يحتاج الغرب إلى تعزيز موقفه وبنيته التحتية بشكل كبير في المنطقة الحدودية وحولها. كما يجب على واشنطن التركيز على الوجود الدائم للدروع والطيران القتالي والحرب السيبرانية، كما يجب على إيطاليا وإسبانيا وفرنسا الالتزام بوحدات قابلة للتشغيل المتبادل (حوالي 800 جندي في كل كتيبة) منها في قواعد دائمة في بولندا أو ليتوانيا أيضاً”.

شارك المقال