سد بسري مجدداً: بروباغندا انتخابية أم تهرب من المحاسبة؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

بشكل مفاجئ، طرح مشروع سد بسري على طاولة جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، من قبل وزراء “أمل” و”حزب الله”، بعد أيام على اعلان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عن حملته الانتخابية.

وكلف مجلس الإنماء والإعمار إعداد دراسة تفصيلية حول هذا المشروع بعدما رفض في العام 2019 من قبل أهالي المنطقة وفاعلياتها والناشطين البيئيين الذين بيّنوا خطورته كونه مشروعاً تدميرياً لبيئة مرج بسري، وطالبوا بالحفاظ عليه كمحمية بيئية، بعدما نجح الضغط الشعبي في إجبار البنك الدولي على التراجع عن تمويله.

ويتهم البعض “حزب الله” بتبنيه المشروع كونه يقضي بجر المياه من القرعون وجزين والشوف الى الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها، علماً أن كلفته خيالية تصل الى مليار دولار. ويشير ناشطون الى أن “حزب الله” يستخدم ورقة سد بسري لتحقيق مكاسب إنتخابية عبر إطلاق وعود بتأمين المياه لسكان الضاحية. وهو يستغل معاناة الناس من شح المياه الناتجة عن سوء الإدارة لقطاع المياه الخاضع لمافيا المحاصصة.

قرار مجلس الوزراء معاودة التواصل مع البنك الدولي بخصوص إعادة احياء هذا المشروع وتهديد وزير الأشغال علي حمية بأنه ممنوع إلغاء سد بسري لأنه أساس لمياه الشفة لمناطق كثيرة وكلّف ما يقارب ١٧٠ مليون دولار، أظهر أن الفريق الذي يصرّ على طرح المشروع من جديد يتجاهل التجارب الفاشلة في سدود لم تجمّع نقطة ماء واحدة، وتسببت في هدر أموال الخزينة تحت عنوان الإصلاح، ليكتشف اللبنانيون أنها كانت بوابة للهدر والفساد وتسببت بإفلاس البلد، علماً أن الدراسات العلمية الموثقة والمنشورة أظهرت إنعدام الجدوى الاقتصادية من سد بسري كما تم التخطيط له، وأن البدائل العلمية لتأمين المياه أيضاً موجودة وتمت مناقشتها ودراستها.

في هذا المجال، يرى الناشط في اللجنة الأهلية لحماية مرج بسري حسان الحجار، أن “الكلام عن اعادة احياء موضوع سد بسري يدل على عهر الطبقة السياسية التي تتعاطى في موضوع المياه وإنشاء السدود، خاصة وأن كل الدراسات أجمعت على أن جبال لبنان لا تصلح لانشاء السدود والأمثلة حية من سد بريصا في العام 2003 الى آخر سد تم إنشاؤه في المسيلحة، مروراً بكل السدود المتعثرة التي دفعت عليها عشرات ملايين الدولارات وحتى الآن لم تفد في شيئ بعد مرور 10 و15 سنة على إقامتها. حتى السد الذي تغنوا به في شبروح، يخسر حوالي أربعين بالمئة من مياهه، لأنه يرشح عن الجوانب. والشيئ نفسه إذا تحدثنا عن سد بلعة الذي يخزن مليون متر مكعب، أي مثل أي بئر إرتوازي”.

ويؤكد الحجار أن “إنشاء سد بسري سيتسبب بكارثة وطنية كبيرة في حال تم البدء بالأعمال وجرى تجريف السهل وقطع كل أشجاره وحصول جرفيات. وكل هذه الأعمال ستهدد بيئة المنطقة التي سيمر فيها، وحسب الصور التي نشرتها جماعة السد ومعلمون في السهل، كتب في وسطها (فولد) أو (فروم) ويعني المرج، وهناك فالق ومتعامدان، أي إذا كانت هذه الأرضية حسب السهم المشار اليه فهي أرضية متفسخة لا تصلح، أي تغب المياه، والمياه على عمق مئة وعشرين أو مئة وخمسين متراً، وهو أمر تأكد بعد تجربة الآبار التجريبية. وقديماً وحديثاً آبار الاقليم التي حفرت، خرجت المياه منها على مئة وعشرين متراً بإندفاع حوالي أربعة آلاف الى خمسة آلاف متر يومياً لكل بئر، يعني لدينا نحو 15 ألف متر مياه، وهذه الآبار الأربعة ستضخ يومياً حتى تسقي منطقة مثل اقليم الخروب، وترفدها بهذه الكمية اليومية، أي بما يعادل خمسة أو ستة ملايين متر مكعب في السنة. من هنا نرى أن الآبار الأربعة تعادل أكبر سد من السدود الأخرى التي يعملون عليها وكلفتها بمئات الملايين من سد جنة الذي يخزن 6 ملايين متر مكعب بينما أربعة آبار تعطينا ستة ملايين متر في السنة صيفاً شتاء”.

ويعتبر أن الكلام اليوم عن سد بسري “هو كلام سياسي أكثر مما هو كلام مهني”، متسائلاً “من يستطيع في هذه الظروف التي يمر بها البلد من الافلاس مع الدين العام الهائل وتآكل المدخرات وارتفاع سعر الدولار غير المسبوق، أن يعود الى مشاريع بقروض؟”. ويشكك في تحقيق هذا المشروع أي نجاح، كما يشكك في أهدافه. ويقول: “إذا كان الكلام عنه مشبوهاً وكلام مزايدات، أو مجرد تنقير وتنمير، فقدرنا نحن أن نوصل رسالتنا الى كل السياسيين. وهناك قوى سياسية اقتنعت واتخذت موقفاً مباشرة وترجمته الى موقف حاسم من بلديات المنطقة المعنية برفض المشروع. لذلك نعتبر أن المشروع أصبح وارءنا وما يحاولون فعله اليوم ناتج عن أسباب تتعلق بالموازنة التي صرفت عليه وخوفهم من الآتي مستقبلاً. وعندما يبررون على شاشات التلفزيون أنهم صرفوا 185 مليون دولار، فهذا الكلام غير صحيح أبداً، لأن ما صرف أكثر بكثير ويجب ضرب ما أعلن عنه بأربعة”.

ويوضح أنه “حتى الآن كان هناك قرض من البنك الاسلامي بقيمة مئة وستين مليون دولار وأخذوا من البنك الدولي في حدود الأربعمئة مليون دولار”، لافتاً الى أنه “في مشروع نفق الجر أو خطوط جر الجاذبية في النفق الى الوردانية ومنها الى ملتقى النهرين فالحدث، هذا الالتزام أخذته شركة (سي ام سي) بقيمة 200 مليون دولار، ثم أضيف اليه 30 مليوناً، أي صرف على نفق 230 مليوناً بدأوا فيه منذ سبع أو ثماني سنوات ولم ينته، والشركة الصينية المتعهدة رحلت على خلاف وحجزت أملاك شركة (سي ام سي) والتي تبين أنها شركة وهمية تتعاطى الأعمال المشبوهة في أفريقيا وغيرها”.

ويضيف: “حول استملاك مرج بسري هناك لجنة استملاك أولى لمساحة خمسة ملايين وسبعمئة وخمسين ألف متر، بسعر لا يتجاوز 23 دولاراً. ثم أضيف اليها 3 دولارات يعني عشرة آلاف زيادة. صار المتر حوالي 26 دولاراً لخمسة ملايين وسبعمية وخمسين ألف متر، فأصبحوا مئة وخمسة وثلاثين مليون دولار. لجنة الاستملاك الثانية تتعلق بالوردانية – جون، تم استملاك حوالي مئة وعشرين ألف متر، بمبلغ خمسين مليون دولار، أي تم استملاك المتر بــ 625 دولاراً، وهنا نرى التفاوت الهائل في المنطقتين بسعر الاستملاك من 23 دولاراً الى 625 دولاراً، فما هي المبررات لذلك؟ كل يفسر الأمر كما يريد لكن المسألة مفهومة. وتبقى أيضاً المصاريف والأشغال والمهندسون واللجان وغيرها، فيرتفع المبلغ الى 25 مليون دولار، وبذلك نصل الى 450 مليون دولار. وهناك تلزيم أعطي لشركة أوزالين التركية، المرحلة الأولى منه كانت قيمتها 4 ملايين دولار، والشركة لم تعمل نهائياً، بل أقامت مكاتب وأحضرت رملاً وقطعت 12 ألف شجرة، وأقامت مرملة بعشرين ألف متر رمل، وهنا جاء دخول الناشطين والأهالي الى المنطقة وتغيير موقف البلديات وبعض القوى السياسية التي رفضت المشروع من أساسه، أو بعدما اتضح لها خطره”.

ويشدد على أن “تحريك الموضوع اليوم سياسي ونوع من الضغط والبروباغندا من قبل أصحاب السد، الذين لا يزالون على سياساتهم القديمة ولم يرتدعوا، لعدم وجود محاسبة حقيقية، ولا يزالون يستبيحون الدولة وهم طبعاً محميون من قوى قادرة. كما أنها محاولة تنقير على القوى التي وقفت ضد السد تحديداً، وقد تكون على الحزب الاشتراكي لأنه غيّر موقفه”، مشيراً الى أن “الاشتراكي لم يغيّر موقفه بعكس كل الأقاويل وكان ضد السد وأنا شاهد على هذا الموضوع، لأننا عملنا معه وكانت لنا الكثير من النقاشات والدراسات، في اللقاءات التي توجت من خلال انشاء لجنة علمية وكان وليد جنبلاط قد تابعها شخصياً، إضافة الى أن هذه أرض زلزالية ولا يمكن إقامة منشآت من هذا النوع فيها. وهناك مخالفات للايروكود الى جانب الدعوى في شورى الدولة منذ سنة 2014، لأن مشروع بسري لا يتضمن دراسة الأثر البيئي”.

وعن كيفية رد الناشطين على قرار مجلس الوزراء وإعادة طرح المشروع، يقول الحجار: “وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين عرفناه أستاذاً جامعياً وإنساناً مثقفاً وهو مطلع على الموضوع قبل توزيره، وأخذ موقفاً لأنه يعرف أن مشروع السد لن ينجح، وهو قد يطرح البدائل. ونحن متأكدون أن المرج سيكون محمية ذات طابع زراعي، ومنتزهاً وطنياً، وسنحافظ على ميزاته الزراعية وهكذا يكون الرد وسنعمل على إقامة تجمع شعبي، إضافة الى أن البنك الدولي قد يكون تواطأ معهم، ولكن لا أعتقد ذلك، فالأموال التي كانت مخصصة له صرفت على كورونا، وفي هذه الظروف لا يمكن وضع ميزانية جديدة في ظل تعقد الأوضاع الدولية، لذلك أعتبر ان إعادة طرح المشروع كانت للمزايدات وهوارة كأسلوب وقائي حتى لا يتهمهم أحد بالهدر والسلب والنهب الذي حصل في بسري وغيرها”.

شارك المقال