الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وموسكو تسرّع من صعود الصين

حسناء بو حرفوش

هل ترتد العقوبات الأميركية ضد روسيا وتؤدي عواقبها إلى تشعب الاقتصاد العالمي، واستقطاب السياسات الدولية وتقوية الصين على حساب الولايات المتحدة الأميركية؟ سؤال يجيب عنه مقال في موقع “ذا هيل” الإلكتروني الأميركي، في قراءة تركز على “تآكل فعالية العقوبات الأميركية مع التراجع النسبي للقوة الأميركية. وتشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أن مثل هذه الإجراءات غالباً ما تحمل نتائج عكسية على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الأميركية”.

ووفقاً للمقال، “لقد قامت الولايات المتحدة فعلياً بطرد روسيا من النظام المالي الذي يقوده الغرب في وقت تتحرك فيه القوة الاقتصادية شرقاً. وبالتالي، يمكن لذلك أن يكثف البحث عن نظام بديل قابل للتطبيق ولا يهيمن عليه الغرب. والأكثر تأكيداً هو أن الحرب الهجينة الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا، والتي تتمحور حول عقوبات لا مثيل لها، ستساعد في تعميق الحوار غير المعلن بين بكين وموسكو ضد واشنطن وتجعل الصين الرابح الأكبر مالياً وجيوسياسياً، وبالتالي ستساعد في توسع الصين الاقتصادي بالإضافة إلى القوة العسكرية.

ومن شأن العقوبات الاقتصادية الشديدة التي يفرضها الغرب على موسكو، بما في ذلك فصل البنوك الروسية الرئيسة من نظام مدفوعات “سويفت” الدولي، أن تحوّل الصين إلى مصرفي روسي، وبالتالي جني أرباح طائلة. ومن الناحية الهيكلية، ستشكل العقوبات المفروضة على روسيا مكسباً للصين، خاصة وأن بكين تسعى إلى تعزيز المدفوعات ودور الاحتياطي لليوان. علاوة على ذلك، فتحت العقوبات الطريق أمام الصين لبناء شبكة أمان للطاقة من خلال زيادة الواردات البرية حتى تتمكن من الصمود أمام حظر أو حصار الطاقة الذي قد تقوده الولايات المتحدة في حالة الغزو الصيني لتايوان.

والمفارقة أن الصين لم تواجه أي عقوبات مالية أو عقوبات أخرى على الرغم من ابتلاع هونغ كونغ، وإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لبحر الصين الجنوبي وتوسيع حدودها البرية في جبال الهيمالايا وإنشاء معسكرات إسلامية تضم أكثر من مليون محتجز. ومن المؤكد أن استهداف الغرب لروسيا فقط سيجعل الصين المستفيد الرئيس من العقوبات، وبالتالي مساعدة الرئيس الصيني على تحقيق “حلم الصين” في استبدال الولايات المتحدة كقوة بارزة في العالم. ومن المرجح أن يتم تقويض العقوبات الجديدة التي يقودها جو بايدن ضد روسيا من قبل النظام الصيني، لكن هذا الاحتمال يبدو بعيد المنال.

وكجزء من استراتيجيتها الديبلوماسية لانتزاع تنازلات مهمة من الغرب، ستلعب بكين اللعبة نفسها مع واشنطن بشأن عقوبات روسيا التي طالما لعبتها في مواجهة عقوبات كوريا الشمالية. وستتظاهر بالتعاون مع الولايات المتحدة بينما تعمل بهدوء على تقويض العقوبات الغربية، بما في ذلك من خلال مساعدة روسيا على إيجاد حلول مالية تتمحور حول الصين. وينبغي ألا يحجب الغضب بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا حقيقة رئيسة وهي أن الصين، التي يبلغ عدد سكانها واقتصادها 10 أضعاف روسيا، تمثل التحدي الأكبر لواشنطن. وفي حين أن الأولويات والطموحات الاستراتيجية لروسيا تتركز في جوارها، تعمل الصين على استبدال الولايات المتحدة باعتبارها القوة العالمية المهيمنة.

وبالنسبة الى الصين، التي شهدت تراجع صورتها العالمية إلى أدنى مستوى تاريخي، فإن الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وموسكو تأتي في أفضل توقيت. وأظهرت الصين شهية متزايدة للمخاطرة الكبرى، معتبرة أنها أمام نافذة ضيقة من الفرص الاستراتيجية لتعديل النظام الدولي لصالحها قبل أن تواجه أزمة ديموغرافية والجمود الاقتصادي والبيئة العالمية غير المواتية. ويساعد بوتين من خلال حربه، بكين عن غير قصد، في تشتيت انتباه الولايات المتحدة عن تحدي الصين. وستساعد الحرب، التي تؤدي إلى مواجهة طويلة وخطيرة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، على دعم سعي الرئيس الصيني الى تحقيق “حلم الصين”.

وبينما من المرجح أن يفي بايدن بتعهده بتكبيد روسيا ثمناً “غالياً اقتصادياً واستراتيجياً”، قد يؤدي ترويض أوكرانيا المعادية إلى حد كبير إلى إغراق روسيا في مستنقع، خاصة وأن الأسلحة الفتاكة الغربية تستمر في التدفق إلى الداخل الأوكراني. ومع ذلك، فإن تشابك الولايات المتحدة المتزايد في الأمن الأوروبي سيفتح مساحة أكبر للتوسع الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي المنطقة التي ستشكل النظام العالمي الجديد. وفي الواقع، بدلاً من أن تدق سياسة الولايات المتحدة إسفيناً في العلاقة بين روسيا والصين، تعمل كجسر يوحدهما ضد أميركا المنهكة. والأهم من ذلك، أن سياسة الولايات المتحدة ساعدت في كل مرة فرضت فيها واشنطن عقوبات ما، في تعزيز المصالح التجارية والاستراتيجية الصينية.

ومن خلال وضع روسيا، أغنى دولة في العالم بالموارد الطبيعية، في جيب بكين بشكل فاعل، ستحقق العقوبات مكاسب كبيرة للصين المتعطشة الى الموارد، كما قد تسمح لها بإملاء شروط العلاقة الثنائية وتأمين وصول أكبر إلى التكنولوجيا العسكرية الروسية. أخيراً وبعد كارثة بايدن في أفغانستان وفشله في ردع الغزو الروسي لأوكرانيا، هل تصبح تايوان كارثة السياسة الخارجية التالية؟ من المرجح أن ينتظر الرئيس الصيني اللحظة المناسبة قبل الانتقال إلى تايوان، مما يؤدي إلى تشتيت انتباه الولايات المتحدة بأكبر المفاجآت”.

شارك المقال