حرب بوتين في أوكرانيا استغرقت 15 عاماً

حسناء بو حرفوش

كيف وصل الحد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى شنّ حرب بهذا الشكل السريع ضد أوكرانيا؟ وفقا للمحلل دانيال لافيس، “ساهم الغرب على مدى 15 عاما في التحضير لهذه الحرب الروسية – الأوكرانية. ويلعب هذا الواقع دوره في هذه الحرب بشكل صارخ سواء لناحية سلوك بوتين تجاه أوكرانيا أو لناحية منع الحرب.

وتوافرت للغرب على مدار سنوات عدة، العديد من السياقات الملائمة لتهدئة أسوأ دوافع بوتين تجاه كييف والتي ربما كانت لتمنع اندلاع الحرب في الأصل. ومن الأهمية بمكان، حتى في خضم هجوم الدبابات الروسية على كييف، أن يدرك الغرب المكان الذي أهدر فيه الفرص لمنع الحرب، لأنه إذا حافظ على النقاط العمياء عينها التي منعته في الأصل من منع اندلاع الحرب، فقد يساهم عن غير قصد في وضع الأساس لشيء أسوأ بكثير: تصعيد الأعمال العدائية التي قد تتوسع إلى ما وراء الحدود الأوكرانية، وتنتهي في أسوأ الحالات الكارثية، بهجوم نووي.

ولم يرغب عدد كبير من قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، على مدى عقدين من الزمن، بالاعتراف بالواقع العسكري والديبلوماسي والسياسي من حيث صلته بروسيا وأوكرانيا وتوسع الناتو باتجاه الشرق. وتفاقمت الأخطاء على مر السنين كما تفاقمت في الأيام الأخيرة قبل اندلاع الحرب في 24 شباط. وعلى مدى 15 عاما متوالية، كان بوتين يشير إلى أن الناتو على حدوده في جورجيا وأوكرانيا هي خطوط حمر قد يستخدم القوة من أجلها إذا تم تجاوزها. وبدءا من شباط 2007، أشار بوتين بقوة في مؤتمر ميونيخ للأمن إلى أنه يعتبر توسع الناتو شرقا حتى حدوده “استفزازا خطيرا”.

وفي العام التالي، بعد مؤتمر الناتو في بوخارست الذي أعلن فيه حلف شمال الأطلسي رسميا عن دخول جورجيا وأوكرانيا اليه في المستقبل، حذر بوتين من أن توسيع الناتو ليشمل أوكرانيا أو جورجيا سيشكل “تهديدا مباشرا” لأمن بلاده. وبعد أربعة أشهر، أظهر بوتين أنه مستعد لاستخدام قوة عسكرية محدودة لمنع انضمام الناتو إلى حدوده بالهجوم على جورجيا. وفي آذار 2014، حذر بوتين في خطاب ألقاه أمام الشعب الروسي شرح فيه دوافعه لضم شبه جزيرة القرم، من “التهديد الحقيقي تماما لجنوب روسيا بالكامل”.

وكان ينبغي للغرب أن يفهم مجددا أن بوتين لن يوفر جهدا لمنع الناتو من الوصول إلى حدود روسيا. وفي تلك المرحلة، لاستطاع قادة الناتو أن يعترفوا ببساطة بحقيقة أن النظر في طلب كييف الانضمام إلى الحلف، غير قادر على تعزيز حلف الناتو. وبدلا من ذلك، قد يؤدي على العكس إلى عدم الاستقرار ويزيد بشكل لا طائل منه من المخاطر الأمنية. ومع ذلك، تجاهل التحالف والقادة الأميركيون الواقع واستمروا في الترويج علنا لاحتمال انضمام أوكرانيا الى الحلف في المستقبل.

وفي ربيع العام 2021، أشار بوتين بقوة مجددا، من خلال نشر أكثر من 100 ألف جندي على الحدود الأوكرانية، إلى استعداده لغزو أوكرانيا إذا واصل الناتو الضغط نحو العضوية. وهدد بوتين بأن أي دولة تهدّد الأمن الأساسي لروسيا “ستندم على أفعالها”. كما أعرب عن أمله في ألا “يتجاوز أحد ما يسمى بالخط الأحمر مع روسيا”. وفي أوائل كانون الأول، حذر بوتين مرة أخرى من أن توسع الناتو في أوكرانيا يمثل “خطا أحمر” خطيرا. وردا على ذلك، ضاعف الأمين العام لحلف الناتو، من رفضه المباشر لتحذير بوتين. وحذر ستولتنبرغ بشدة من التزام الحلف بقرار العام 2008 “بشأن مسألة إمكانية انضمام أوكرانيا إلى عضوية الناتو. وبحلول منتصف شباط الماضي، وصل عدد قوات بوتين إلى 150 ألف جندي. وبدلا من التحرك، تجاهل قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي خطر الحرب على أوكرانيا، ولاموا بوتين على ممارسته الألاعيب.

حتى الآن، فقد الآلاف حياتهم وتضررت المدن بشدة. وتعرضت القوات المسلحة الأوكرانية لأضرار جسيمة. وربما قد يأتي الأسوأ بعد في حال لم يتوصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الى اتفاق لإنهاء الحرب مع بوتين في الأيام المقبلة. وفي هذه الحالة، من الممكن أن تطلق روسيا العنان لدمار أكبر على السكان المدنيين وتفرض في النهاية حصارا على العاصمة. وبالتالي، قد تفقد أوكرانيا جميع حرياتها. لا شك أن بوتين مخطئ في هجومه على أوكرانيا وهو وحده المسؤول عن مقتل الكثير من الأوكرانيين. لكن القادة الأوروبيين تجاهلوا على مدى 15 عاما، الواقع بشكل أعمى بينما كان بمقدورهم الضغط من أجل منع الحرب وزيادة احتمالية استمرار أوكرانيا كدولة مستقلة ومحايدة في المستقبل.

لكن بدلا من ذلك، تجاهل الغرب الحقائق على الأرض وأصبح جزء كبير من شرق أوكرانيا في حالة كارثية. وقبل حدوث المزيد من الضرر وتصاعد الأحداث لتخرج عن نطاق سيطرة أي شخص وتتعدى حدود أوكرانيا، يجب على قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وضع سياسات تستند إلى الواقع، لأن أمن الغرب والتحالف الغربي يعتمد عليها”.

شارك المقال