هل أبطلت حرب أوكرانيا مفاعيل “البريكست”؟

حسناء بو حرفوش

أدت الحرب الروسية ضد أوكرانيا الى إلغاء مفاعيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بحسب قراءة للمحلل البريطاني بول مايسن، الذي وفقاً لمقاله، يصور الموقف البريطاني ورفض فرض العقوبات أو الدفاع أو حتى إتخاذ قرار بخصوص الطاقة بدون مشاركة أوروبا، الكثير حول ما يتعلق بـ”البريكست”.

ووفقاً للتحليل، “لقد انتهى البريكست، في شكله الأصلي، بسبب الحقائق الجيوسياسية الجديدة التي خلقتها الحرب في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن الكثير من الشكوك تحوم حول إمكان انضمام المملكة المتحدة مجدداً الى الاتحاد الأوروبي في أي وقت قريب، إلا أن موقفها الكامل تجاه أوروبا يتغير في ما يخص الدفاع والطاقة وحتى في التجارة نفسها.

ومن أجل فهم الأسباب وراء هذا القرار، يمكن التفكير في المراجعة المتكاملة التي قدمها بوريس جونسون في آذار الماضي والتي تشكل استراتيجية خارجية وأمنية شاملة. حينها قال إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حرّر بريطانيا، واعتبر أنها اكتسبت المزيد من الحرية في السير على طريقتها، تنعم بشبكة عالمية من الأصدقاء والشركاء، مع فرصة تكوين علاقات جديدة وأعمق. ورأى أن المملكة المتحدة ستكون الوكيل الحر المغامر والجاهز للغوص في السياق الآسيوي والأميركي في منطقة المحيط الهادئ، كما سطر قدرتها على تعزيز التجارة الحرة بدلاً من الكتل التجارية القائمة، ونقل قواتها المسلحة إلى “المحيطين الهندي والهادئ”.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ههنا هو التالي: أين تلك الحرية الآن؟ الحقيقة أنها قد اختفت لأربعة أسباب: أولاً، أقامت الصين وروسيا تحالفاً اقتصادياً استراتيجياً. وهيأ الإعلان الذي تم التوقيع عليه في بكين في 4 شباط بشكل فاعل لنهاية “النظام العالمي القائم على القواعد” الذي تم تصميمه في العام 1945. وبدلاً من ذلك، افتتح فلاديمير بوتين وشي جين بينغ حقبة من الصراع المنهجي، حيث تتدفق التجارة والمعلومات ويتغير إمكان الوصول إلى المواد الخام على طول المسارات التي يحددها تحالف الديكتاتوريات العسكرية.

ثانيًا، لأن التقارب اكتسب أهمية أكبر فجأة بعد الهجوم الروسي. وحالياً، تعيد العقوبات الغربية على روسيا تشكيل الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن روسيا لا تمثل سوى 3% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي، فان تأثيرات العزل وإبطال كل شيئ من الطيران المدني إلى بطاقات الائتمان، ستكون محسوسة في جميع أنحاء العالم. وما علينا سوى مشاهدة مدى سرعة مباشرة الولايات المتحدة بالمكافحة لاسترضاء فنزويلا المنتجة للنفط لفهم أهمية القرب الجغرافي.

ثالثًا، لقد دخل العالم الحديث في حرب طاقة ستستمر حتى نهاية عصر الكربوني. وتتمتع الولايات المتحدة بالاكتفاء الذاتي من الوقود الأحفوري. أما الوضع في أوروبا فليس كذلك. ففي حال أطفأ بوتين الأنوار في إيطاليا وألمانيا، وهما أكبر مستهلكين للغاز السيبيري، بغض النظر عن مدى سرعة بناء حكومة المملكة المتحدة لمزارع الرياح ومحطات الطاقة النووية، سنبقى جزءاً من أزمة الطاقة القارية، والتي تتطلب بدورها حلولاً قارية.

رابعاً، في هذا الوضع الجديد، إما أن يصبح الاتحاد الأوروبي قوة عالمية، مساوية لروسيا والصين والولايات المتحدة، أو يصبح رقعة شطرنج يتقاتل الآخرون من خلالها. وكان “البريكست” الصعب مبنياً منذ البداية على تفكك الاتحاد الأوروبي وانحداره. وإذا حدث ذلك الآن، فسيشكل كارثة لبريطانيا وانتصاراً لبوتين. ويفرض ظهور الصراع المنهجي على بريطانيا إعادة التعامل مع أوروبا، في مشاريع دفاعية، في الفضاء، وحتى على المستوى الأساسي لنقل البضائع الانسانية من دوفر إلى كاليه.

ويعرف الاتحاد الأوروبي أنه يجب أن يحقق استقلالية استراتيجية من أجل ترسيخ القدرة على الدفاع عن نفسه، وتنظيم مساحة المعلومات الخاصة به وتأمين تدفئة المنازل لـ 500 مليون شخص من دون الاعتماد على الغاز الروسي، وكل ذلك بشكل أسرع بكثير مما كان يتصور. وللتذكير، بمجرد اختياره خروج بريطانيا الصعب من الاتحاد الأوروبي، ابتعد جونسون عمداً عن 70 عاماً من القيادة البريطانية في أوروبا. فمن تراه المستفيد؟ في النهاية، لا أحد خلا فلاديمير بوتين. وسيتعين على الحكومة القادمة إعادة بناء التجارة والطاقة والفضاء والانترنت والتعاون الدفاعي مع الاتحاد الأوروبي، مما يعني المعايير المشتركة، وفي النهاية السوق المشتركة”.

شارك المقال