دخان حرب أوكرانيا يخنق المفاوضات… والترسيمات

هيام طوق
هيام طوق

يبدو أن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً لن تمر من دون أن تترك بصماتها على الملفات كافة بحيث خلطت الأوراق الدولية التفاوضية والمحادثات الاقليمية، ومن الطبيعي أن يكون لبنان من أكثر البلدان تأثراً لأنه الخاصرة الأضعف بين الدول العربية. وهذه المفاعيل السلبية على المستويات الاقتصادية والغذائية والمالية والنفطية تنسحب بكل مندرجاتها على الصعيد السياسي حتى أن مراقبين للتطورات الميدانية والسياسية يعتبرون أن الأجواء قاتمة وملبدة بكل أنواع القلق، والأفق مفتوح على كل الاحتمالات.

جولة بانورامية عامة وسريعة على المشهد يمكن تلخيصها على الشكل التالي: توقف مفاوضات فيينا بعد بلوغها مراحل متقدمة وحاسمة بحيث كشف الاتحاد الأوروبي الذي يتولى تنسيق المحادثات الايرانية – الأميركية حول الملف النووي عن الحاجة إلى “توقف” هذه المفاوضات. وبالتوازي، أعلنت وزارة الداخلية في إقليم كردستان العراق عن هجوم بـ 12 صاروخاً باليستياً بعيد المدى، نُفّذ من خارج حدود البلاد، استهدف المقر الجديد للقنصلية الأميركية في أربيل، ولاحقاً أعلن الحرس الثوري الايراني أنه شن ضربات بـ “صواريخ قوية ودقيقة” على “المركز الاستراتيجي للتآمر وجرائم الصهاينة” في أربيل.

وعلى خط آخر، أعلنت ايران أنها علقت الجولة الخامسة من المحادثات مع المملكة العربية السعودية، ولم يتم تحديد موعد لاحق مع العلم أن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين كان قد أعلن أن بلاده ستستضيف جولة جديدة من هذه المحادثات.

أما في ما يتعلق بالشأن اللبناني، فيبدو أن الأجواء ليست أفضل حالاً لا بل على العكس، فلا أفق واضحاً لحلول تبدو بعيدة المنال لأنها عالقة في عنق الاشتباكات السياسية بين الأطراف، وهذا ما ظهر جلياً في ملف ترسيم الحدود، اذ أنه بعد الكلام عن تأليف لجنة للاجابة عن المقترحات التي حملها الموفد الأميركي الموكل ملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية آموس هوكشتاين، لم يبلغ مستوى التطبيق خاصة وأن “الثنائي الشيعي” امتنع عن التمثل فيها، و”حزب الله” شكك بالوسيط الأميركي ووصفه بـ “الثعلب”.

مستجدات يمكن القول انها غيض من فيض مما دفع بمراقبين الى اعتبار ملف الترسيم بمثابة “قنبلة موقوتة” يمكن أن تنفجر في أي لحظة في ظل توجه اسرائيل الى البدء بعمليات الحفر والتنقيب في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع لبنان، لا سيما وأن رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد كان قد شدد على “أننا سنبقي غازنا مدفوناً في مياهنا الى أن نستطيع منع الاسرائيلي من أن يمد يده على قطرة ماء من مياهنا”.

في ضوء كل هذه المؤشرات، لا بد من التساؤل: الى أي مدى أثرت الحرب التي تشهدها القارة العجوز على ايقاف المفاوضات النووية في فيينا في ظل معلومات تشير الى أن التعثّر سببه مطالب روسية بإعفائها من عقوبات غربية مستقبلية؟ وهل ارتباط ملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية بمفاوضات فيينا أعاد الملف الى نقطة الصفر؟ وفي حال بدأت اسرائيل بعد مدة بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه المتنازع عليها، هل سيكون لبنان مشرّعاً أمام أحداث وتوترات أمنية كما يتوقع بعض الخبراء في هذا الاطار؟

دخان كثيف يغطي سماء السياسة الدولية

قال العميد الركن نزار عبد القادر لموقع “لبنان الكبير”: “في ظل الدخان الكثيف الذي يغطي سماء السياسة الدولية والذي مصدره الحرب في أوكرانيا، من الطبيعي أن نرى أن المفاوضات والديبلوماسية الدولية متعثرة من خلال تركيزها فقط على موضوع الحرب ونتائجها وطريقة ايقافها”. وأشار الى أن “ما عطل محادثات فيينا الموقف الروسي الذي طالب بضمانات حول إعفاء أي تعاون روسي مستقبلي مع إيران من عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويبدو أن كل الأزمات الدولية بإمكانها الانتظار الى حين انتهاء هذا الضباب الكثيف الصادر عن الحرب”.

ولفت الى أن “السبب الأساس للعرقلة في ترسيم الحدود البحرية ليس الحرب أو الموقف الدولي أو العربي انما عدم وجود رأي واحد في السلطة، ويبدو أنه مكتوب على لبنان أن يضيّع 15 سنة اضافية في البحث عن موقف موحد”.

أضاف: “لا نعرف ماذا نريد ولا أحد منا يعرف حقيقة ما يجري وما طرحه الوسيط الأميركي. أمام لبنان حلول عدة لكنه لا يجتهد لطرحها”. ورأى أنه “في حال وصلنا الى حائط مسدود يكون لبنان داعماً أساسياً فيه، ونحن بحاجة ماسة للتوصل الى اتفاق كي نستجلب شركات تبحث عن النفط. وعلى القوى السياسية أن تدرك أنه ليس لدينا وقت لاضاعته، ونحن في أزمة كبرى وبأمس الحاجة الى الأموال، وكلما بكّرنا كلما كان ذلك أفضل لأن لبنان متجه نحو الهاوية”.

واعتبر أن “الموضوع السعودي – الايراني معقد جداً خاصة وأن المحادثات لم تتطرق الى القضايا الأساسية مثل دور ايران في المنطقة. أن تبقى المحادثات تبحث عن القشور فيما يستمر الاعتداء الايراني على السعودية والدول العربية فتكون محادثات لهو من دون وجود مبرر”.

الأزمة الأوكرانية تنعكس سلباً لا ايجاباً

رأى أستاذ العلاقات الدولية وليد عربيد أن “انعكاسات الأزمة الروسية – الأوكرانية على بعض المشكلات الدولية ستكون سلباً وليس ايجاباً”.

وتحدث عن حيثيات الأزمة في أوروبا وتداعياتها، لافتاً الى أن “الولايات المتحدة بحاجة الى كسب النفط الايراني ولكننا نعلم أن ايران حليفة ما يسمى الشرق (روسيا والصين والهند). من جهة ثانية، هناك خلاف معين مع الأتراك لاسيما في قضية الممرات المائية اذ تحاول تركيا أن يكون لديها دور أساس من خلال المدخل على البحر الأسود، وروسيا لن ترضى بإغلاق هذه الممرات. اضافة الى ما حصل من خلال الرد الايراني على اسرائيل وقصف مركز للموساد في أربيل ما يدل على أن الايرانيين يتابعون التمدد الاسرائيلي في مناطق عدة”.

واعتبر أن “الأزمة الأوكرانية تمددت من الناحية الجيوستراتيجية ليس من أوكرانيا الى أوروبا وحسب، بل أيضاً الى ملفات أخرى، وهذا ما سنشهده في شرقي البحر الأبيض المتوسط حيث هناك الفيلق الخامس الذي تم تدريبه من قبل الروس، ويقاتل حالياً الى جانب موسكو”.

وقال: “السؤال الأساس والأهم: من سيربح الحرب؟ ايران بحاجة الى فك العقوبات عنها قبل تصدير الغاز الى أوروبا. وروسيا تضغط على حليفتها ايران المطلوب منها حالياً مساعدة موسكو ومساندتها في أزمتها مع أوكرانيا”.

وأشار الى أن “عوامل عدة تدخل في الأزمة الروسية – الأوكرانية”، معتبراً “أننا سنتوجه الى عالم متجدد بعلاقات دولية جديدة، وهذه العلاقات الجديدة ستقودنا الى عالم متعدد الأقطاب”.

شارك المقال