هكذا يرى الطرابلسيون قرار عزوف ميقاتي عن الترشح

إسراء ديب
إسراء ديب

حصل ما كان في الحسبان، وأعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عزوفه عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة، لكن هذا القرار لم يكن مفاجئاً للطرابلسيين الذين كانوا يُردّدون معلومات من مصادر مختلفة تلفت إلى عدم رغبة ميقاتي في خوض هذا الاستحقاق المقرّر إجراؤه في 15 أيّار المقبل.

ومن دارته في طرابلس، توجّه ميقاتي بنداء إلى أهالي مدينته يدعوهم فيه إلى المشاركة في الانتخابات، مشدّداً على أنّه “لا يجوز التلكؤ عن القيام بهذا الواجب الوطني، لأيّ سبب كان”، ولكن في المقابل، لم يستغرب الطرابلسيون خطوته السياسية التي أخافت بعضهم ولم تعن كثيراً للبعض الآخر.

وفي التفاصيل، لم يُحدث هذا الخبر ضجّة شعبية كبيرة بين الطرابلسيين والشماليين على الرّغم من إدراكهم أنّه كان يجب أن يُحدث ضجة سنّية عامّة مع غياب قطب سياسي شمالي اتخذ قرار العزوف، لا سيما بعد عزوف رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري، الأمر الذي يُتيح ظهور قيادات سنية جديدة قد تكون مرفوضة من أهالي المدينة الذين سبق أن اعتادوا على أقطاب سياسية من عائلات معروفة، كما لم يعتد الكثير منهم بعد على وجوه انتسبت إلى صفوف الثوار الذين يرى الطرابلسيون أيضاً أنّ كثيراً منهم “استغلّ الثورة سعياً للوصول إلى مزيد من المكاسب والمناصب”.

يُمكن القول، انّه بعد إعلان ميقاتي عزوفه لم يقم الطرابلسيون بإحراق الاطارات، وقطع الطرقات أو حتّى الاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، إذْ شعر بعضهم بأنه “لم يقم بأيّ إنجاز قد يُصفقون من أجله”، فيما رأى القليل منهم لا سيما مناصروه أنّه “خسارة كبيرة لطرابلس والشمال”، بينما رأى البعض الآخر أنّ قرار عزوفه جاء روتينياً نظراً الى “عجزه عن تقديم أيّ جديد انتخابياً خاصة وأنّه ما زال رئيس حكومة لبنان الحالية”.

في الواقع، إنّ النهوض باقتصاد مدينة طرابلس (التي تُعدّ منصّة لوجيستية لاعادة إعمار سوريا والمنطقة)، والشمال الذي يتضمّن الكثير من المرافق الاقتصادية الكبيرة لم يتمّ، وذلك على الرّغم من الوعود التي أطلقت في كلّ زمن انتخابيّ، كالوعود بإطلاق مطار رينيه معوض، سكة الحديد، المنطقة الاقتصادية الخاصّة، إضافة إلى تطوير المرفأ (الذي تُطوره غالباً الجهود الأجنبية العربية منها والغربية)، وتفعيل معرض رشيد كرامي الدولي، فضلاً عن غيرها من الوعود التي بات الطرابلسيون يُدركون أنّها لم تكن سوى شعارات انتخابية “رنّانة” استغلّت نقاط ضعف شعب عاش فقراً مدقعاً، في ظلّ وجود عائلات مرموقة وغنية سياسية أم غير سياسية في الساحة، لم تُقدّم أيّ إنجازات فاعلة تُنشط الاقتصاد المحلّي، لكنّها قامت بكلّ إتقان بإفقار الشعب لسنوات بلا ملل أو شفقة على حاله.

ماذا بعد؟

من خلال رصد بعض الآراء التي تتحدّث عن هذا الخبر، يُمكن التأكيد أنّ الكثير من الطرابلسيين قد تأثروا أكثر بخبر عزوف الرئيس الحريري الذي بكى أثناء إعلانه ذلك، فيما لم يتأثر كثيرون بخبر عزوف ابن مدينتهم. وتقول أم عبد الله من التبانة (50 عاماً) لـ”لبنان الكبير”: “لست من مؤيّدي أيّ تيار سياسيّ لكن ميقاتي ابن طرابلس الفقيرة لم يُقدّم لها سوى (كراتين) المواد الغذائية أو مستوصفه الطبّي وهي تقديمات إنسانية لن ننساها، لكنّه كرجل سياسي وابن طرابلس أثبت أنّ المدينة هي في آخر اهتماماته التي طغى عليها مركزه السياسي”.

بدوره، يُؤكّد أحد المواطنين وهو مصاب بداء السكري ويتلقى علاجه شهرياً عند مستوصف “العزم والسعادة”، أنّ “الرئيس ميقاتي قدّم دعماً طبياً، لكنّه حوّل مع العديد من رجال السياسة طرابلس إلى محطة انتخابية ومالية تُستغل للحصول على مزيد من المكاسب”. ويقول: “لقد أخذ من طرابلس أكثر ممّا أعطاها”.

أمّا فاديا م. (35 عاماً) فهي تُناصر ميقاتي وترى أنّ خسارته أمر سيئ للغاية خاصّة في هذه الفترة الحرجة، وتقول: “سيعرفون قيمة ميقاتي عند خسارته فعلياً، فهو رجل سياسيّ بامتياز وقد يُعارضه البعض، لكنّ عزوفه غير مناسب على الاطلاق لأنّه يُعدّ رجلاً سياسياً له حجم كبير ومهمّ على صعيد مدينته التي تحتاج إلى مساعدة وعون”.

من جهته، لا ينكر فادي تقصير ميقاتي بحقّ مدينه، إذْ يُشدّد على ضرورة تعاون رجال السياسة كلّهم مع بعضهم البعض للنهوض بطرابلس، لكنّه يقول: “انتخابياً، وعلى الرّغم من قدرته على دعم شخصيات عدّة، لكن وجوده يبقى أساسياً وضرورياً لإنهاء حال الضياع السنية أو على الأقلّ التخفيف من حدّتها، إذْ بات الشمال الآن في حال صعبة وغامضة مع انتخابات تغيب عنها شخصيات مهمّة في وقتٍ لا نأمل فيه بالتغيير الجيّد بل نتوقّع تغيّرات سلبية وفرض أمر واقع علينا وهو ما ترفضه المدينة بالتأكيد”.

شارك المقال