الثوار للراعي: ما الفرق بين اتفاقي مار مخايل والقاهرة؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

تركت مقابلة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي مع موقع “لبنان الكبير” تساؤلات وانتقادات مختلفة لدى الثوار، عندما تحدث عن أن “الثورة التي باركناها لم تتمكن من توحيد كلمتها… انتهت وتفككت”، مستفهماً عن ماهية دورها؟ وأشار إلى أنها لم تستطع فرز نخب من بينها، وانتهجت النهج نفسه على الطريقة اللبنانية، منتقداً شعار “كلن يعني كلن”.

الثوار تساءلوا عن معنى تصويب الراعي على الثورة في زمن الانتخابات، بدلاً من التصويب على من كان السبب في إيصال البلاد إلى ما ما آلت إليه اليوم، معتبرين أنه ساهم في وقف اندفاعة الثورة، عندما حمى العهد القوي وساكن بعبدا، في وقت كان يتجرأ فيه ويطالب الرئيس سعد الحريري أثناء مشاوراته لتشكيل حكومة تعبّر عن المتغيرات التي حصلت بعيد ثورة 17 تشرين بأمور مسؤول عنها بالدرجة الأولى الرئيس ميشال عون، الذي يسعى الى مصادرة الصلاحيات كحاكم أوحد وحيد، وفقاً لمنظومة تفكيره “أنا أو لا أحد”، وترك الفراغ ينهش في جسم المؤسسات، التي يتآكلها حزب السلاح.

وتوقف أحد الناشطين البارزين في الثورة أمام نقاط عدة وردت في حديث الراعي، وقال لموقع “لبنان الكبير”: “من حيث المبدأ، فإن الكلام الذي قاله عن الثوار وطبيعة المشكلات التي يعانون منها لم تعد جديدة ومعروفة للجميع، فالثورة لم تلب حاجة اللبنانيين ولم تحقق طموحاتهم، وهي في مأزق لأن أحداً لم يكن يتصور أن الثوار الذين نزلوا إلى الشوارع والساحات، ورفعوا شعارات الناس، وأخذوا على عاتقهم حملاً كبيراً متأملين بالتغيير، أن يكون هو أحد روافد هذا المأزق الذي وقعت فيه الثورة. وقد مرت ثلاث سنوات صعبة على الثورة والبلد: كورونا، الوضع الاقتصادي، الانهيار والأزمات المعيشية المتتالية. فالثورة كانت ثورة الطبقة المتوسطة، من المهن الحرة والمتقاعدين وغيرهم، وليس العمال والفلاحين، هؤلاء رفعوا الصوت لأنهم وقعوا فريسة هذا النظام الفاسد، وبسبب المحسوبية والمحاصصة بين أركان النظام. هؤلاء الشباب قد يكونوا خيّبوا آمال الأجيال التي لجأت الى الهجرة، لكن الثورة لم تكمل طريقها بسبب مواقف تمنع إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع، كما سقط رئيس الحكومة. وكي نكون عادلين جداً في هذه الثورة هناك شخصيات كبيرة وكثيرة، كانت لها قدرات في القيادة والادارة، اضافة الى قدرات علمية وأكاديمية ومهنية ونضالية، دفعتها إلى محاولة الخروج من المأزق والاصطفاف الطائفي والذهاب نحو بناء وطن واحد موحد يستطيع أن ينأى بنفسه عن كل مشكلات المنطقة وأن يتخذ الحياد الذي طالب به البطريرك نفسه”.

ولفت إلى أن “من نزلوا ليسوا طلاباً جامعيين لهم مطلب واحد، وليسوا أعضاء في نقابة يحاولون رفع شعارات محددة، بل هم من مشارب واتجاهات واصطفافات سياسية مختلفة، من معسكري 14 آذار و8 آذار، هذا الخليط أرغمته الأزمة الاقتصادية على النزول الى الأرض من أجل مكافحة الفساد الذي استشرى في السلطة التي تراكم الانهيارات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والسياسية والأخلاقية، وتحاول بكل وقاحة التجديد لها في مواقعها عبر الانتخابات اليوم”.

من هنا يرد على البطريرك الراعي مؤكداً أنه “ليس من المنصف أن تتحمل الثورة مسؤولية وأعباء ما حصل. الثورة تتحمل جزءاً، وهي مأزومة لأن ثوارها لم يستطيعوا توحيد خارطة الطريق لمواجهة السلطة التي تحدوها، والتي واجهتهم بالاعتقالات وإطلاق القنابل المسيلة للدموع وبالعيارات النارية الحية والمطاطة. والثوار نجحوا في محاصرة الفاسدين من وزراء ونواب وحرموهم حتى من الخروج إلى مطعم، ولكنهم أخطأوا لأنهم اختلفوا على الشعارات، ولا يمكن التوحد في مشروع سياسي إذا لم تكن الشعارات واضحة. هناك من يريد استعادة الدولة بمؤسساتها ووضع النظم القانونية والاقتصادية تحت أجهزة الدولة ومعاييرها، وفرض سيادة الدولة وإقامة علاقات ودية مع العالم العربي، وهناك من كان يرى أن الثورة ستكون لتصفية حسابات سياسية، لأنه يتعايش مع طرف في المنظومة الحالية ولا يريد التعايش مع الأطراف الأخرى، وهذه مسألة خطيرة”.

وحول تساؤل البطريرك عن نخب الثورة، أجاب: “لا يمكن القول إن الثورة لم تظهر نخباً جديدة، ولكن تباعد الآراء السياسية حال دون ذلك، ومع موافقتنا الكاملة على ما طرحه البطريرك يبقى السؤال ماذا فعل هو للثورة وكيف احتضنها لكي تستطيع أن تؤمن استمراريتها؟ وإذا كنا نذكر في إحدى المرات لم يكن بإمكان الناس الوصول إلى مكان المهرجان وكانت القوى الأمنية تمنعها، إضافة الى قصة الكورونا التي استخدمت ضد الثورة، كان هناك لقاء شعبي حاشد طرح فيه البطريرك عناوين عامة، ومنها الحياد والنأي بالنفس. كان السؤال هل الحياد يمكن تحقيقه في ظل حكومة عيّنها طرف لخدمته، أم أن قرار الحياد يجب أن يقر من قبل الحكومة وأن يذهب إلى الأمم المتحدة لكي تناقشه وتتحمل تبعاته؟ فالحياد يتطلب أن نكون مهيئين له قانونياً وديبلوماسياً، ويجب أن يكون على قاعدة القرارات الدولية. وبالتالي يفترض بالقوى الدولية أن تنفذه كي لا يحصل كما حصل في اتفاق الطائف الذي ضمن تنفيذه لسوريا بغطاء دولي، أما الحياد فعن طريق تكليف قوى إقليمية تنفيذه وإدارة هذه العملية الحيادية وفقاً للتسوية، أو التوافق بين القوى مثلما نتج عن اتفاق الدوحة بعد 7 أيار. وبالتالي جاء الثلث المعطل وعدم تطبيق الدستور واعتمدت سياسة تدوير الزوايا، والحياد لا يمكن تحقيقه من دون نشاط المجتمع المدني والاعلام والجاليات في الخارج، التي تشكل لوبيات للضغط على الحكومات من أجل التغيير. ونحن رأينا ضبابية في موقف البطريرك في هذا الأمر وغيره، حتى أنه لم يهز العصا لعون ويطالبه بالاستقالة، أو يرفع الحرم الماروني في وجهه. مهمة البطريرك ليست التوسط لانجاح الحكومة، ونحن نتذكر موقفه وحملته على الرئيس الحريري، على الرغم من أن من كان يعوق تشكيل الحكومة هو ميشال عون والتيار الوطني الحر. ومن هنا نعتبر أن موقف البطريرك كان خجولاً وتسبب بتسوية، حتى صراعه مع حزب الله لم يكن صراعاً على قاعدة حماية اللبنانيين، ولم يكن هناك ضغط عليه كما يجب، علماً أنه وحليفه ميشال عون أخذا البلد نحو الخراب، لأنه كان يعتبر أن إسقاط عون يعني إسقاط الكرسي الماروني، والنائب نواف الموسوي أعلنها واضحة حين قال إن عون جاء الى السلطة بواسطة سلاح حزب الله. كان على البطريرك حماية الثوار من ممارسات القمع وعدم التفاوض مع عون وحمايته ضمناً”.

وانتقد الناشط في الثورة “عدم اتخاذ البطريرك موقفاً من تعامل العهد مع الصحافيين وتعامل القضاء وفقاً لايعازات العهد. ولم نر مواقفه الرافضة لتجاوزات التيار الوطني الحر تحت عنوان إعادة حقوق الموارنة، وماذا تنفع هذه الحقوق بدون موارد؟ وكيف غطى على ما جرى في لاسا من قبل حزب الله؟ طبعاً لا ننكر أن صوت البطريرك مؤثر، ليس بين الموارنة وحسب، بل بين كل اللبنانيين، وللبطريركية المارونية وارتباطاتها تأثيرها ويجب أن يكون صوتها أعلى من أجل أن يعيش لبنان”.

ويستدرك بالقول: “البطريرك وضع النقاط على الحروف وليس هدفنا القول انه أخطأ هنا أو هناك، أو خيّب الآمال، بل نريد القول ان تحديد رؤية واضحة يجب أن تطرح من قبل البطريركية لكي تؤمن حماية وتكون مظلة واقية لاستنهاض الشباب للوقوف من جديد في وجه هذه المنظومة الفاشلة المحمية من قبل السلاح، وبالتالي عدم تبرير ممارسات العهد الذي أخذ اللبنانيين إلى جهنم، فالبطريركية مسؤولة عن تحصين الموقف اللبناني لتحقيق الحياد، ولا يمكن الهروب تحت شعار (إننا نقاتل… إننا نقاتل)”.

ويتابع: “بالطبع، يجب أن نحدد موقفنا النابع من المحافظة على لبنان، وعلى مكوناته، وليس الانصياع لرغبات بعض المجموعات المتطرفة التي تقود البلاد بواسطة السلاح، وتجبر لبنان على أن يكون ورقة للتفاوض من أجل أجندات خارجية، وعلى البطريرك تفهم هذه النقطة، فرأس المصيبة في عدم مواجهة حزب الله هو التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، اللذان يؤمنان له الحماية منذ اتفاق مار مخايل، وهو اتفاق أخطر بكثير من اتفاق القاهرة الذي عقد في العام 1969، وانتهت فاعليته عندما خرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان في العام 1982، لأن اتفاق مار مخايل سلم لبنان كلياً إلى حزب الله، مقابل تقديم رئاسة الجمهورية إلى عون والى وارثه جبران باسيل، وهو ما أنتج ما نعيشه من فساد طوال هذه الفترة، أي 17 سنة أخذ حزب الله فيها لبنان رهينة، ووضعه ورقة على طاولة المفاوضات النووية، واستخدمه وشعبه لافقاد دستورية الدولة وتهديم الكيان، حتى يصبح محمية أمنية لتنفيذ مآرب إيران. وهذا الأمر يجب أن تفهمه المجموعة المحيطة بالبطريرك في إدارة التعامل مع لبنان بكونه كياناً يجمع اللبنانيين، فلا يمكن للبنان أن يكون في موقع تحالف الأقليات في المنطقة العربية لمواجهة الأكثرية السنية، ويصبح كأنه يقارع طواحين الهواء”.

شارك المقال