ايران “تقصف” الأسد في الخليج

أنطوني جعجع

ما كاد الرئيس نبيه بري يتغاوى باسقاط اتفاق “السابع عشر من أيار” في بيروت، حتى قفز الرئيس السوري بشار الأسد فجأة الى دولة الامارات العربية المتحدة، الخارجة حديثاً من تطبيع كامل مع الدولة العبرية، ليصبح بذلك الركن الثاني في محور الممانعة الذي يتقرب من أبو ظبي بعد الجمهورية الاسلامية في ايران.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يجوز لبعض العرب ما لا يجوز للبعض الآخر في قاموس الممانعة العربية – الاسلامية؟ وهل هناك ما هو أشد إلحاحاً على مستوى المصالح من ملفات المحاسبة والمساءلة وحتى الانتقام؟ وهل هناك رسائل من الخليج في اتجاه الأميركيين، أو رسائل من الممانعين في اتجاه اسرائيل؟ وهل هناك رسائل من الممانعين الى الممانعين أنفسهم؟ وهل يكون التطبيع بين لبنان واسرائيل مثلاً، في نظر “حزب الله”، عملاً من أعمال الشيطان ويكون في مكان آخر مسألة فيها نظر؟

الواضح، أن ما يجري في أوكرانيا وما جرى في فيينا، خلط الكثير من الأوراق ودفع الكثير من الأطراف الفاعلة في المنطقة الى القيام بجردة حساب يقوم بعضها على سبحة من التراكمات وبعضها الآخر على سبحة من الضمانات المنشودة.

فالرئيس الأسد، القلق في الظاهر من التعثر الروسي في أوكرانيا والعزلة العالمية التي يعانيها الرئيس فلاديمير بوتين، وجد الفرصة متاحة للخروج من السلطة المطلقة للكرملين، والتسلل نحو الحظيرة العربية وتحديداً تلك التي تحتاج الى علاقاته مع ايران و”حزب الله”، والتي يحتاج هو اليها لفك حصاره وعزلته وإضفاء شرعية عربية على النظام القائم في دمشق.

وذهبت مصادر ديبلوماسية بعيداً الى حد القول إن أبو ظبي ربما تتولى مد جسر بين دمشق وتل أبيب، وربما تحاول توظيف موقع الأسد للجم الهجمة الحوثية على مصالح الامارات والسعودية، بعدما تمنعت الولايات المتحدة عن ذلك، وربما تحاول توظيف هذا الموقع للجم موجة العداء والتهريب التي تقودها ايران و”حزب الله” ضد دول الخليج، وربما حاولت توظيفه أيضاً، لافهام واشنطن أن دول الخليج لم تعد تلك الدول التي لا تقطع خيطاً من دون رضى العم سام.

وذهبت المصادر أبعد من ذلك لتقول، إن الامارات التي طبعت علاقاتها مع اسرائيل بتنسيق مع الأميركيين لن يصعب عليها التطبيع مع السوريين نكاية بهم، لا سيما بعدما اعتبرت، بالتماهي مع السعودية، أن واشنطن تجاهلت أمن الخليج في الاتفاق النووي الذي تتوقع توقيعه في مستقبل قريب، عندما أسقطت من الاتفاق ملف الصواريخ البالستية الايرانية، وأبدت في ما يبدو الاستعداد لسحب الحرس الثوري من لائحة المنظمات الارهابية، تماماً كما فعلت قبل أقل من عامين عندما سحبت الحوثيين من اللائحة عينها.

وأضافت أن أبو ظبي كانت تتوقع في فيينا اتفاقاً شبه شامل يضمن أمن اسرائيل وأمن الخليج معاً، خصوصاً بعدما وجدت واشنطن نفسها بعد التعثر الروسي في أوكرانيا، في موقع يسمح لها بحمل ايران المتهالكة للتخلص من عقوباتها، على تقديم الكثير من التسهيلات والتنازلات في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

لكن مصادر ديبلوماسية معاكسة تغالط هذا الأمر، وتقول إن الأميركيين الذي يسعون الى تحجيم موسكو عسكرياً واقتصادياً وديبلوماسياً بكل الوسائل المتاحة، أرادوا طي الملف النووي الايراني في شقه الأمني على عجل، وتأجيل الملفات الأخرى، مشيرة الى أن الصواريخ الايرانية التي سقطت في أربيل، وضعت الأميركيين أمام جبهة ثالثة، بعد الجبهة الروسية المشتعلة والجبهة الصينية المتحركة، وهو أمر يجب تأجيله أو تحاشيه ولو موقتاً على الأقل.

وما ساعد الامارات على القفز فوق العقوبات الأميركية المفروضة على نظام الأسد، حاجة العالم الى موارد النفط التي تقلصت من روسيا، وحاجة الغرب الى أكبر قدر من الدعم العالمي للحملة المضادة التي يشنها ضد الكرملين. وما ساعد الأسد على الخروج من سوريا نحو الخليج، حاجته الى التواصل مع فرقاء آخرين، عدا الفريق الايراني الذي قطع عليه الطريق نحو لبنان وحوّله الى لاعب عادي يستجدي من “حزب الله” وايران الحصول على نائب من هنا أو وزير من هناك.

لكن التحركات والاتصالات وتبادل الرسائل شيئ والواقع شيئ آخر، اذ لا يبدو أن ما يخطط له الأسد يمكن أن يمضي كما تشتهي سفنه، وهو الذي أرسل قوات الى أوكرانيا لنصرة الجيش الروسي، فالامارات ليست في موقع مريح يفتح له الطريق نحو الغرب قبل رفع العقوبات عنه، ولا يبدو أن الأسد قادر على التطبيع مع اسرائيل، من دون مظلة أميركية من جهة، ومن دون طلاق قد يصل الى حدود الصدام مع ايران و”حزب الله” من جهة ثانية، ولا يستطيع أن يعطي اسرائيل السلام الذي تريده من دون استرجاع هضبة الجولان وهو أمر غير وارد بالوسائل السياسية، ومن دون التخلص من الوجود العسكري الايراني على طول الحدود السورية واللبنانية مع الدولة العبرية.

ولا بد أيضاً من السؤال، هل تستطيع الامارات أن تذهب بعيداً في حال الفتور مع واشنطن، وهي التي تعتمد في هيكلها العسكري والأمني على الترسانة الأميركية، وتعتبر نفسها واحدة من دول الاعتدال التي تتصدى للموجات الأصولية في الداخل والخارج؟

ونعود الى السؤال الأول، هل يمّم الأسد شطر الخليج بالتنسيق مع طهران أم أنه فتح على حسابه؟

الواضح أن الصواريخ الايرانية التي انهالت على السعودية خلال الزيارة وبعدها، توحي بأن ثمة تبايناً بين طرف يحاول استعادة موقعه بعد انتهاء الحرب، وطرف يحاول الحفاظ على موقعه بعد الاتفاق النووي من دون نقصان في أي ملف أو مكان .

ويبدو أن ايران تريد إفهام من يعنيه الأمر، أن لا حرب تندلع مع اسرائيل من دون قرار ايراني، ولا سلام يعقد مع اسرائيل من دون تطنيش ايراني، ولا تفاهم يعقد مع واشنطن من دون ضوء أخضر ايراني، ولا انفتاح على دول الخليج سواء من قبل سوريا أو لبنان، قبل أن تضمن طهران أنها صاحبة الكلمة الفصل أو قبل أن تضمن سلطتها على الشريط الممتد من طهران الى المتوسط.

وليس من باب المصادفة أن تحمل القيادة العسكرية الأميركية على الخطر الذي تمثله ايران على مستوى أمن المنطقة وإمدادات النفط، وأن تحذر اسرائيل من مغبة تحربر الحرس الثوري من العقوبات الأميركية المادية منها والمعنوية، الأمر الذي يعتبره أعداء ايران، قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، لا بل جائزة اضافية تضاف الى جائزة رفع العقوبات.

وختمت المصادر الديبلوماسية أن ما يجري، باستثناء ما فعله الأسد في أبو ظبي، ليس الا سباقاً ضمنياً بين من يحاول سد النقص في النفط الروسي قبل سواه، وتحديداً ايران التي تحاول القول: اما النفط من طهران واما لا نفط من أحد، وبين من يحاول أن يرسخ حكمه في دمشق ومن يسعى الى ضمان أمنه في الخليج.

انها في اختصار سياسة المصالح المتشابكة، وسياسة الجيوش التي تداخلت بعضها مع بعض في انتظار انكشاح الغبار تحت أقدام الفيلة التي تتصارع في أوروبا الهادئة حتى الآن ، وبوادر الخطر الذي يهدد القسم الآخر من العالم وتحديداً في منطقة طالما وصفت بأنها “رمال من بارود”.

شارك المقال