سيناريو “حزب الله” وميشال عون في روما: خيبة أمل!

جورج حايك
جورج حايك

لا تنضب سيناريوهات “حزب الله” والعهد الذي يترأسه ميشال عون من أجل تغيير وجه لبنان الحضاري التاريخي، وآخرها كانت زيارة عون إلى روما، وما رافقها من عمليات تضليل سياسي واعلامي، سرعان ما انكشفت من خلال الأروقة الديبلوماسية في الفاتيكان وروما.

واكب الاعلام “الممانع” وتحديداً “المنار” وجريدة “الأخبار” زيارة الرئيس عون، وأولياها اهتماماً كبيراً، تبين فيما بعد أنه من أدوات “الشغل” لتظهير مواقف عون المنسّقة مع الحزب والترويج له في الفاتيكان بأنه مكوّن من مكونات الشعب اللبناني ويجب التعايش معه لحل المشكلات وبناء الدولة اللبنانية، ونفى أن يكون لـ”حزب الله” أي تأثير أمني في الداخل اللبناني، أو أن تكون لهذا السلاح تأثيرات سلبية في الوضع السياسي العام، بل أصرّ على أن هذا السلاح هو سلاح مقاومة حصراً ضد الاحتلال الاسرائيلي. وذهب عون أبعد من ذلك عندما صرّح بأن “حزب الله” يحمي المسيحيين، مجافياً الحقيقة بأن الحزب لم يترك مكوناً لبنانياً إلا واستخدم سلاحه ضده، من 7 أيار في بيروت إلى خلدة فعين الرمانة التي وقعت على خلفية محاولة “الثنائي الشيعي” إزاحة القاضي طارق البيطار عن ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت!.

أما الأكثر خبثاً فكان فبركة “الاعلام” الممانع لخلاف بين الفاتيكان والكنيسة المارونية، محاولاً بث سمومه باتجاه تظهير عدم رضى البابا فرنسيس عن مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، معتبراً أن الفاتيكان غير مقتنع بعظات الراعي التي يحذّر فيها من خطر سلاح الحزب على الكيان اللبناني والتعايش الاسلامي – المسيحي والتعددية والديموقراطية والحرية والسيادة.

لا شك في أن الحضور الديبلوماسي “العوني” قويّ في الفاتيكان، وقد نجح في إقناع بعض الكرادلة بما يسمّى حلف الأقليات، والبعض من هؤلاء يبث في أذني البابا فرنسيس هذه الأفكار، ومن البديهي أن يستمع رأس الكنيسة الكاثوليكية إلى الجميع. من هذا المنطلق استمع إلى أفكار عون الذي حاول إقناعه بدعم استمرارية نهجه في الحكم وانتزاع غطاء كنسي كاثوليكي لدعم صهره جبران باسيل وانتخابه رئيساً!.

الفكرة الثانية التي ركّز عليها عون وتندرج في السيناريو “الجهنمي” هي محاولة إقناع البابا بضرورة زيارة لبنان في الوقت المتبقي من عهده، كون زيارة من هذا النوع تمدّه بالدفع المعنوي وتصبّ في خانة العهد ومصالحه.

يتميّز البابا فرنسيس بأنه مستمع جيد ومتفهّم، لكنه لا يقتنع بأي كلام ولو كان ظاهره ايجابياً ومتأنقاً. صحيح أنه أظهر حماسته لزيارة لبنان لكنه لم يحدد موعد هذه الزيارة، وهو سيحددها لاحقاً بالاتفاق مع البطريرك الراعي وليس عون. أما في موضوع الانتخابات الرئاسية فلم يظهر البابا حماسة لانتخاب باسيل، بل إن الفاتيكان يبدو واضحاً بضرورة الاحتكام إلى الانتخابات النيابية في لبنان ثم انتخاب رئيس بواسطة النواب الجدد الذين يعكسون مزاج الشعب اللبناني، وهذا مطلب دولي لا يقتصر على الفاتيكان فحسب.

ترتكز مواقف البابا وعاصمة الكثلكة في العالم على مواقف الكنيسة المارونية والبطريرك الراعي الذي لا يوفّر فرصة في انتقاد ما يفعله “حزب الله” من تقويض للدولة وإضعافها ووضع قرارها في يد ايران، واشكالية سلاحه والفوضى والانهيار الاقتصادي وتغيير وجه لبنان الحضاري. وليس صعباً على البابا أن يلاحظ أن مواقف عون تتناقض مع جوهر مواقف الكنيسة المارونية، التي يمثلها الراعي، الذي رفض أولاً ممارسات سياسية تسعى إلى تطويق القضاء من جهة أو التأثير على العمل القضائي بهدف ضرب كل المواقع المسيحية الأولى في الدولة من جهة أخرى، وثانياً يختلف البطريرك الراعي مع عون في ملف “حزب الله” والمقاربة المتعلقة به.

ولعل أكثر ما يعكس فشل زيارة عون إلى الفاتيكان وخيبة أمله، كات عظة رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الكرسي الرسولي الكاردينال ليوناردو ساندري خلال ترؤسه القداس على نية لبنان في دير مار شربل التابع للرهبانية اللبنانية المارونية في روما، وبدا كـ”قنبلة اعتراضية”، بحضور عون، وأهم ما قاله وحمل رسالة مبطنة وواضحة “إن التنكّر للايمان يُفقد الهوية، والبحث عن الأمان عبر التحالف مع الطغاة يدمّر الهيكل ويسبي الشعب”، داعياً إلى “القيام بفحص ضمير عميق”، إذ “لا أمر أعظم من خدمة المجتمع، وبالأخص من هم الأكثر فقراً”. وقريباً سيضع الفاتيكان المستاء من كلام عون النقاط على الحروف وستكون لديه مواقف ترد على “حفلة التضليل” في إطار السيناريو المرسوم من “حزب الله” وعون لتحوير الحقائق وخلق التباس في الموقف الفاتيكاني.

أكثر ما يزعج “حزب الله” هو البطريرك الراعي وإصراره على الحياد، وتزامنت “حفلة التضليل” مع زيارته إلى مصر حيث كانت له مواقف نوعية وسيادية، حاول عون حجبها عبر خلق أجواء فاتيكانية متناقضة، إلا أنه سرعان ما ذاب الثلج وبان المرج، ولم يتأخر الفاتيكان عن تصويب المواقف وإظهارها على حقيقتها.

من جهة أخرى، سعى عون في لقاء الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريلا في روما إلى اعطاء صك براءة لسلاح “حزب الله”، لكن ماتاريلا المهذب واللبق يعرف أن معظم عواصم القرار وأكثريتها في أوروبا تصنّف الحزب ارهابياً، بل أكثر من ذلك، يعرف أن ايطاليا وضعت يدها على شحنة كبتاغون أرسلها الحزب إليها في كانون الأول 2020! وبالتالي لم يكن مقتنعاً بكل مواقف عون التي يبيعها إلى الحزب دولياً.

واللافت أن أجزاء من السيناريو الخطر الذي شهدت بعض جوانبه روما والفاتيكان ينفّذها عون و”حزب الله” في لبنان، إذ لا يوفّران وسيلة لتوتير الأوضاع في البلد، والهدف ليس تطيير الانتخابات النيابية لمجرّد تطييرها، إنّما في محاولة لفرض تسوية على أثر فوضى اجتماعية تُفضي إلى التمديد للبرلمان ورئيس الجمهورية أو التمديد للبرلمان لسنة واحدة وأن ينتزع العهد انتخاب النائب جبران باسيل رئيساً للجمهورية على أن يتسلّم مهامه الدستورية بعد انتهاء ولاية عون.

وما تقدّم هو أحد السيناريوهات التي يتمّ بحثها جدّياً، لأنّ العهد يدرك جيّداً أنّ إجراء الانتخابات النيابية على وقع استقرار سياسي يعني خروجه من القصر الجمهوري قبل منتصف ليل 31 تشرين الأول المقبل، وأنّ خياره الوحيد لمحاولة خلط الأوراق من أجل الاحتفاظ بموقع الرئاسة الأولى يكمن في توتير الأجواء، لأنّ المسار الطبيعي للأمور لا يناسبه، ولا قدرة له على تغييره سوى بالتسخين، وهذا ما يفسِّر التوتير المتنقِّل من محاولة تطيير اقتراع المغتربين وتحويل “الميغاسنتر” إلى حرب وجودية على الرغم من أنّ مَن يرفض هذه الاجراءات هو حليف العهد، إلى السعي لتطيير حاكم مصرف لبنان وتوقيف اللواء عماد عثمان ومنع 6 مصارف من نقل وتحويل الأموال الى الخارج مع ما قد ينجم عن ذلك من تداعيات سلبية على حركة حسابات التجار لتمويل الاستيراد، والخشية من أن تؤدي الحملة على المصارف إلى إقفالها وانزلاق البلد إلى مرتبة إضافية من جهنّم، ولن يكون آخر ملفات التوتير الادعاء المتجدِّد من القاضي فادي عقيقي على رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.

ما هي سوى أشهر ويُرفع عن كاهل اللبنانيين كابوس العهد العوني، ولكن المخاوف كبيرة من أن يُدخِل هذا العهد البلد في فصول جهنمية جديدة قبل رحيله.

شارك المقال