العروض الايرانية… “حزب الله” يؤكد جديتها و”السياديون” يعتبرونها شعبوية

محمد شمس الدين

زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لبنان الأسبوع الماضي، وبعيداً من الأسباب والأهداف السياسية للزيارة، كانت في جعبة الضيف الإيراني عروض مغرية جديدة للبنان، اذ أعلن عن استعداد إيراني لإنشاء معامل كهرباء للبنان، وتغطية سريعة لحاجاته من الطحين والمازوت والغاز، واستجرار الكهرباء بواسطة شبكة الربط مع العراق عبر سوريا، كل هذه العروض هي بالتعامل التجاري بين البلدين بعملتيهما، الليرة اللبنانية والريال الإيراني، وليس العملة الصعبة. وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن إيران استعدادها لتأمين حاجات لبنان، ومده بالمحروقات والمواد الأساسية وإنشاء معامل كهربائية، بل حتى أنها عرضت سابقاً السلاح على الجيش اللبناني، ولكن هذه العروض لم تبصر النور، وكان السبب دائماً الانقسام السياسي في لبنان ورفض العديد من القوى التعامل مع إيران، حتى في حكومات، من المفترض أنها من لون واحد، من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأولى قبل عقد من الزمن، إلى حكومة حسان دياب، وحكومة ميقاتي اليوم، ولا يبدو أن العروض الإيرانية سيتم قبولها أو تنفيذها، فما السبب؟ وهل يتخطى “حزب الله” القرار الرسمي اللبناني ويقبل العروض من دون إذن حكومي؟ وماذا يقول “السياديون”؟

مصدر مسؤول في “حزب الله” أكد لموقع “لبنان الكبير” أن “الجمهورية الإسلامية لطالما أعلنت استعدادها للتعاون التجاري مع لبنان بأفضل العروض، والأمر ليس جديداً. فموضوع الكهرباء كانت إيران قد أعلنت استعدادها لمعالجته في لبنان منذ أيام الوزير محمد فنيش في وزارة الطاقة، ولاحقاً عرضت تسليح الجيش اللبناني بكل ما يحتاج إليه، وقالت يومها، مخازننا مفتوحة للجيش اللبناني، وبعد الأزمة عرضت على لبنان محروقات ومواد غذائية وأدوية، وكل هذه العروض كانت تذهب أدراج الرياح، بسبب الفيتو الأميركي”.

أضاف المصدر: “يبدو أن العرض الجديد لن يلقى أذاناً صاغية أيضاً، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على كذبة إشاعة أن الحكومة بيد حزب الله. الآمر الناهي هو الأميركي، الذي يمنع لبنان من الافادة من هذه العروض بقرار مباشر وليس عبر الإيحاء والتهويل عن بعد، والأمر ليس متعلقاً بايران وحسب، بل ان أميركا تحاصرنا وتقطع عنا الهواء، وتمنع عن لبنان التنفس من مكان آخر. وكان سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله تحدث سابقاً عن عرض روسي متعلق بمحطات التكرير، المرتبطة مباشرة بانتاج الغاز والتي تشغل محطات الكهرباء من دون كلفة، ولم تحرك الحكومة ساكناً تجاه الافادة من هذا العرض أيضاً، وهذا توصيف لقمة الاستكبار الأميركي، وهنا نسأل، أين أدعياء السيادة والحرية والاستقلال؟ هم يدعون السيادية فقط بينما يتحركون كأدوات”.

أما عن إمكان تخطي “حزب الله” القرار الرسمي الحكومي، فقال المصدر: “يجب أن يكون هناك قرار سيادي لبناني، يوصل إلى ترجمة مصالحه وليس مصالح الأخرين، ويجب أن يتحرر لبنان على مستوى قراره وخياره، ولذلك، على الرغم من عدم الحسم من جهتي، ولكن قياساً الى ما حصل في موضوع المحروقات سابقاً، من الممكن جداً أن يقرر الحزب تخطي الاملاءات الأميركية بالفيتوات الحكومية، بل أعتقد أن اللبنانيين أنفسهم هم من سيتخطون هذا الحظر والحصار المفروض عليهم من قبل الأميركي، ولا أظن أن هناك لبنانياً يستطيع تحمل المزيد من هذه الاجراءات، من حصار وتجويع والوضع المالي والاقتصادي، وسيكون مدعي السيادة في مواجهة مباشرة مع الشعب اللبناني في موضوع الكهرباء والبنية التحتية، وسيفرض الشعب إرادته بشكل أو بآخر، وقد نجد في لحظة ما محطات كهرباء يؤمنها حزب الله للشعب اللبناني”.

من جهته، وضع مصدر سيادي في حديث لموقع “لبنان الكبير”، العروض الايرانية في خانة الشعبوية والمزايدة، معتبراً أن “حزب الله وإيران يعرفان جيداً تبعات قبول هذه العروض، فهي قد تتسبب بوضع لبنان في لائحة العقوبات الأميركية التي لا يستطيع تحملها، والموضوع ليس مالياً وحسب، فلبنان بلد مستهلك وليس منتجاً، ووضعه على اللائحة السوداء يعني أنه لن يستطيع استيراد احتياجاته، فقبول الكهرباء أو أي أمور أخرى من إيران قد يتسبب بفقدان لبنان المواد الغذائية، ومواد أساسية متنوعة”. وأكد أن “الأمر مجرد شعبوية، وتحديداً أننا على أبواب الانتخابات، وإلا لكانت إيران هرعت الى مساعدة دول صديقة أخرى في أزماتها، ها هي سوريا تعاني أزمة في الكهرباء والنقص في قطاعات عدة، فلمَ لا تساعدها إيران؟ لمَ الإصرار على لبنان تحديداً؟ هي مجرد شعبوية من حزب الله وإيران، وهما لا يريدان فعلاً المساعدة، ويبيعان أوهاماً للشعب اللبناني عامة والبيئة الشيعية خاصة”.

وعن ارتهان “السياديين” للأمر الأميركي وتنفيذ سياسته والسياسة الغربية، رد المصدر بالقول: “كل الدلائل تبرئنا من هذه التهمة الكاذبة، ألم ترشح فرنسا مصطفى أديب لتشكيل الحكومة؟ هم قبلوا به ونحن رفضناه، فمن ينفذ الأجندات الغربية في هذه الحال؟ السياسة الأميركية تقتضي الجلوس في الحضن الاسرائيلي، بينما نحن نرفض ذلك، وإذا وصل الأمر بالدول العربية إلى التطبيع مع اسرائيل فنحن سنكون آخر المطبعين وفقط وفقاً للمبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002، وهذه الاتهامات مردودة الى أصحابها المرتهنين لتنفيذ أجندات خارجية، ونحن ليست لدينا ميليشيات مسلحة، ولا نقاتل في دول أخرى، وربما قد يذهبون الى القتال في أوكرانيا إذا أُمروا بذلك، بينما نحن نلتزم النأي بالنفس”.

عروض إيرانية جديدة تثير الجدل بين المحورين المشتبكين في لبنان، بينما الشعب اللبناني سئم من المحاور ومن عراكها في ساحته، وكل ما يريده هو حقوقه كاملة، يريد الكهرباء والمحروقات والأكل والشراب، يريد جنى عمره المحجوز في المصارف، يريد أن يخرج من هذه الأزمة، كي يعيش كمواطن محفوظ الكرامة. عرض إيراني وعرض روسي وعرض بلاد “الواق الواق” لا يهم، بل حصّلوا حقوق الشعب من المريخ إذا اقتضى الأمر، وهذا لن يحصل طالما أن القوى السياسية ترفض الحوار على طاولة واحدة، للخروج بصيغة موحدة تحدد مصلحة لبنان، وليس مصلحة أي بلد آخر.

 

 

 

شارك المقال