“بازل” انتخابي رأسماله 30% من المقترعين

رواند بو ضرغم

لا يستطيع أحد أن يتغاضى عن الأزمة الناشئة بين الناخبين والأحزاب السياسية، إنما اختلفت المعالجات بين أركان السلطة… وحده الرئيس سعد الحريري من بادر الى الابتعاد عن المشهد السياسي لاستشعاره بأن الأحزاب لم تعد قادرة على استقطاب أكثر من 30% من المنتخبين. الهاجس نفسه تظهّر لدى ثنائي حركة “أمل” و”حزب الله”، فرأى الرئيس نبيه بري أن الاستحقاق الانتخابي هو الأهم والأخطر منذ الطائف، فأعلن نفير المعركة الانتخابية مصوّباَ على خصوم الداخل ومموّلي الخارج وغرفهم السوداء، واعتبر أن هدف حملة الحقائب المليئة بالعملة الصعبة هو خفض نسبة الاقتراع وتغيير العباءة السياسية للجنوب، في حين أن الرد عليهم يكون بتكثيف الاقتراع. ووفق مصادر مطلعة على المعركة الانتخابية في الجنوب، فإن مجموعة من المنظمات غير الحكومية التقت مع مفاتيح انتخابية جنوبية وأبلغتها أنها رصدت أكثر من ثلاثين مليون دولار من أجل إدارة المعركة وخفض نسبة الاقتراع في الدائرة التي تعد الخزان الشيعي. أما رئيس الجمهورية ميشال عون فيتغاضى عن المزاج الشعبي العام المنهك من جهنم عهده، فيدير معارك وهمية لشد العصب، ويعد بالقضاء على الفساد في آخر عهده، والذي يُعد صهره من أبرز أركانه، فيمهد بذلك للتمديد الى حين إجهازه على العصابة الفاسدة، ويعيد سيناريو التعطيل الذي أوصله الى سدة الرئاسة لإيصال جبران باسيل وفق معادلة ثلاثية: إبقاء ميشال عون، أو ترئيس جبران باسيل، أو الفراغ…
وعلى المقلب السني، نشط العديد من السياسيين والمسيّسين على خط تعبئة الفراغ الذي تركه عزوف الرئيس سعد الحريري وتياره عن الاستحقاق الانتخابي، وادعوا أنهم بدلاء بشرعية سنية حيناً وبيروتية تحديداً. فتنوّعوا ما بين متمولين، لا يمتلكون القدرة على جذب الناس، واضطروا الى تغيير ولائهم من “حزب الله” الى التهجم على سلاحه. وآخر معروف أنه رئيس نادٍ رياضي يطمح لأن يتحول الى رئيس نادٍ سياسي، فيدّعي حيناً حصوله على غطاء التيار الأزرق، إنما الحقيقة أن الرئيس الحريري لا يغطي أحداً وغير داعم لأي مرشح أو لائحة… وصولاً الى الرئيس السابق فؤاد السنيورة الذي تمخّض جبله فولد لائحة لا تقارب المزاج الشعبي البيروتي، وأقصى ما ينتج عنها إدارة بيروت لا تمثيلها.
إنما جوهر الاستحقاق لا يكمن في تعبئة أي فراغ، بل في القدرة على مواجهة المنظومة التي يقودها “حزب الله” وتمرد عليها الرئيس الحريري بعد أن رآها صعبة في المرحلة الراهنة في ظل خلط الأوراق الاقليمية والدولية. فالجو الطاغي عند البيارتة والطائفة السنية عموماً، هي اللامبالاة بهكذا انتخابات، لذلك سيكون التمثيل هزيلاً ليس في بيروت وحسب، إنما في مختلف الدوائر. لا يعود السبب حصراً الى انسحاب الحريري من الاستحقاق الانتخابي، بل لعدم قدرة المعارضة أو ما سميت بالثورة على توحيد صفوفها وخلق تيار ثوري جامع ذي مبادئ مشتركة، فلم تكن قادرة على إيجاد بديل من المنظومة الحاكمة، وهذا ما يمهد الى إعادة إنتاج رموز السلطة… فيصبح البازل السياسي شبه مكتمل للمؤسسات الدستورية، الرئيس نبيه بري أكد على اعادة انتخابه لولايه جديدة على رأس مجلس النواب، بعد أن قطع الطريق أمام محاولات شياطين السياسة من التيارات السياسية بترشيح اسم غير متفق عليه بين الثنائي الشيعي. رئاسة المجلس النيابي ستساعد على انتاج رئاسة حكومة، وفي ظل الهزالة التمثيلية السنية فلا مرشح بديل عن الرئيس نجيب ميقاتي. أما رئاسة الجمهورية فهي معركة باسيل الأساسية، التي تواجهها عقبات عدة: تبدأ بعدم دعم الرئيس بري له، اضافة الى رفض رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط له الذي يبقى الممثل الأقوى عند الطائفة الدرزية. وتمر هذه العقبات بالعقوبات الأميركية على باسيل نفسه، ولا تنتهي بالرغبة السورية في انتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية… كل هذه العوامل تصعّب وصول باسيل الى سدة الرئاسة وتطيل تمرد عون في قصر بعبدا، إما بعدم الخروج من القصر أو بتدمير المؤسسات وعلى رأسها القضاء، في محاولة منه لتطويع خصومه بسلاح التعطيل، فيعيد بذلك التاريخ نفسه.

شارك المقال