الانتخابات “المصيرية”… رؤيتان متناقضتان لمفهوم الدولة

هيام طوق
هيام طوق

بعد اقفال باب تسجيل اللوائح، واستكمال كل التحضيرات اللوجيستية والمالية والبشرية، لا يمكن القول الا ان البلد دخل فعليا في المدار الانتخابي على مسافة أسابيع قليلة من 15 أيار المقبل، ووُصفت مواقف وتصريحات المرشحين بالنارية بعد ان ارتفعت حرارة التسابق الى البرلمان الى درجات عالية والتي من المتوقع أن تزداد سخونة مع الاقتراب أكثر فأكثر من الاستحقاق الدستوري.

وبغض النظر عن المعطيات التي تشير الى انه بات من الصعب اطاحة الانتخابات إلا اذا طرأ طارئ خطير جدا، وهذا ما يتم أخذه بالحسبان لدى كل الاطراف، فلا صوت يعلو على صوت طبول المعارك الانتخابية التي تقرع من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، والمناخ الانتخابي الذي سيطر على الساحة السياسية خلال الايام القليلة الماضية خير دليل على أهمية انتخابات 2022 التي يعتبرها الجميع “مصيرية”، لتنسحب لصالحها الملفات المعيشية والحياتية الصعبة علّه يُستأنف البت بها بعد الاستحقاق المقبل.

وإذا كانت الدراسات الاحصائية لا تتوقع مفاجآت كبيرة في صناديق الاقتراع يمكن أن تغير المشهد السياسي أو تؤدي الى قلب الطاولة أو الى ثورة أصوات انتخابية على غرار ثورة 17 تشرين، فإن المشهد الانتخابي يبدو على الشكل التالي: فريق موحد تحت عباءة “حزب الله” يريد الاحتفاظ بالاكثرية، وفريق مشتت ومؤلف من أحزاب وقوى سيادية وتغييرية وشخصيات، لكنه يتوحد في موقفه من “حزب الله”، ويريد استرجاع الاكثرية من الحزب الذي يمسك بزمام الامور في البلد.

وفي حين يقول البعض انه لا يمكن الاستخفاف بدعوات المراجع الروحية الى المشاركة الكثيفة في الانتخابات وما يمكن أن تشكله من مفاجآت خصوصا على مستوى الفئة الصامتة، يبقى الخطاب بين الفريقين الاساسيين متباعدا ومختلفا في الرؤية، وفي مقاربة مفهوم الدولة ووجهة ومستقبل البلد حتى ان بعض المراقبين اعتبروا ان المعركة الانتخابية المقبلة تختلف عن سابقاتها في الكثير من الامور، وتجري تحت شعارين متقابلين: الأول يُصنف مشروعا ​ايرانيا، بينما الثاني يُصنف مشروعا أميركيا أو خليجيا.

ويعتمد “حزب الله” وحلفاؤه في حملاتهم الانتخابية على عناوين وشعارات تصل في بعض الاحيان الى التخوين، واعتبر بعض المسؤولين ان الإنتخابات المقبلة بمثابة “حرب تموز سياسية” أو “الاقتراع أمر جهادي” كما أكد البعض انها “معركة مواجهة مع شخصيات مقربة من واشنطن في لبنان”، أو “مواجهة اقليمية” أو “المواجهة ليست مع أدوات الداخل، والمعركة الانتخابية الحقيقية ليست معهم إنما مع أسيادهم” حتى إن رئيس مجلس النواب نبيه بري وصف الانتخابات بأنها “واحدة من أهم وأخطر الاستحقاقات الانتخابية منذ اتفاق الطائف حتى الآن”، متحدثا عن “تدخلات خارجية مغلفة بعناوين براقة أكثرها وضوحاً هي المحاولات المكشوفة للاستثمار الرخيص في أوجاع الناس”.

في المقابل، يؤكد الفريق الآخر انه سيواجه التمدد الايراني من خلال صناديق الاقتراع، ويتهم “حزب الله” بانه “بات الحاكم الفعلي للبنان، بمنطق القُوّة والسلاح والفرض”، ويطمحون الى تغيير هذا الواقع، وإن “كل من يصوت للتيار الوطني الحر وحزب الله يعني تمديداً لأوجاعه بيده من دون منّة من أحد. الانتخابات النيابية تشكل فرصة حقيقية من أجل استبدال الأكثرية الحالية”. وشدّد بعض المسؤولين في حملاتهم الانتخابية على انه “من خلال الانتخابات النيابية نريد سحب الشرعية من حزب الله”.

أمام هذا المشهد الانتخابي، لا بد من التساؤل: هل المعركة الانتخابية مصيرية للبنان أو هناك مبالغة في المواقف؟ وهل انتخابات 2022 تجسّد خلافات اللبنانيين واصطفافاتهم خلف شعارات ومبادئ متناقضة، وبالتالي الانتخابات ستكون بين فريقين ورؤيتين أساسيتين لمستقبل البلد؟ ولماذا يتحول استحقاق دستوري ديموقراطي داخلي الى حملة تخوين وكأن المواجهة اقليمية؟ وهل هناك تدخلات خارجية على خط المعركة الانتخابية؟. 

منى فياض: يريدون ثلثي المجلس لتحقيق دولة فارسية

اعتبرت الكاتبة والاكاديمية منى فياض، في حديث لـ”لبنان الكبير”، ان “الانتخابات مصيرية لأن البلد في انهيار غير مسبوق وأمام طرق مسدودة. فبعد 17 تشرين، يشعر من هم في السلطة انهم في خطر، ويحاولون بكل الطرق الحفاظ على مواقعهم والامساك بزمام البلد أكثر وأكثر، ويريدون الهيمنة خصوصا في ظل المتغيرات الدولية والاقليمية الهائلة ووضع لبنان الهش”، مشيرة الى انهم “يريدون من الانتخابات تحقيق ثلثي المجلس المقبل للتغيير الجذري مستقبلا كتحقيق دولة اسلامية وامبراطورية فارسية باسم الاسلام الشيعي، لذلك نرى التفتيش عن كل صوت، وهنا المسؤولية كبيرة على اللبنانيين. من دون أن ننسى اننا بانتظار استحقاق رئاسي”.

ورأت انه “يمكن ان نشهد نسبة مقاطعة شعبية للانتخابات. وفي حال كان الانقسام بين فريقين: فريق مؤيد لسلاح الحزب وفريق يعارضه، يكون الامر جيدا، ونكون حققنا خطوة أولى في الاتجاه الصحيح لأنه في السابق كانوا قلائل الذين يقولون لا للحزب ولسلاحه ولايران”، متسائلة: “طالما ان لديهم نظرة موحدة لسلاح الحزب، لماذا لم يوحدوا جهودهم ضمن لوائح مشتركة؟، مشيرة الى عدم وعي وعدم تقدير للخصم”.

وشددت على “اننا لن نخرج من المأزق الا اذا أصبح لدى أكثرية الناس قناعة بأن هناك هيمنة لفريق وطرف”. ولفتت الى ان “الاستحقاق الانتخابي ليس ديموقراطيا في ظل القانون الانتخابي الحالي. وعن أي ديموقراطية نتحدث حين يكون المسؤول عن السلطة هو المسؤول عن الانتخابات. أي نوع من الرقابة؟. الديموقراطية الحقيقية تكون حين يتغيّر قانون الانتخاب”.

وأكدت فياض ان “البعض يلجأ الى التخوين والاتهام بالعمالة لأن ليس لديهم أدوات أخرى. هذا الشعار لم يعد يحمّس الناس لأنهم أصبحوا في مكان آخر. يتحدثون عن التخوين في وقت أوصلوا البلد الى الانهيار التام، وهمهم الاخير وضع الناس المعيشي”.

سمير سكاف: الثورة من تسونامي الى مستنقع

أشار الناشط السياسي والصحافي سمير سكاف، في تصريح لـ”لبنان الكبير”، الى ان “الانقسام بين فريقين أساسيين في البلد يتم حول 3 عناوين بارزة: سلاح حزب الله والفساد والوضع المعيشي. وهذه العناوين تجسّد خلافات اللبنانيين بين طرفي المعارضة والثورة من جهة، وفريق حزب الله وحلفائه من جهة أخرى مع العلم ان المتحالفين مع الحزب يتوافقون أحيانا مع القوى التغييرية في موضوع الفساد أو الوضع المعيشي. لذلك، يبقى عنصر الخلاف بين الفريقين الاساسيين هو سلاح الحزب”.

وتوقع “مقاطعة كبيرة للانتخابات من دون ان يكون هناك دعوة لها، وذلك اما قرفا من الوضع الراهن واما بسبب خيبة أمل الناس من الثوار والتغييريين الذين لم يتمكنوا من توحيد صفوفهم. وبالتالي، الثورة انتقلت من تسونامي ممكن في الانتخابات الى مستنقع بسبب الانانية”.

ورأى سكاف ان “الانتخابات ليست مصيرية على الرغم من انه كان من المفترض ان تكون محطة مهمة، وهنا الثورة تتحمل مسؤولية. الانتخابات لن تكون مصيرية لأنها ستعيد نفس الاشخاص الى البرلمان مع بعض التعديلات الطفيفة”، مشددا على “اننا سنستمر، وبعد 15 أيار سنذهب الى مرحلة جديدة لكننا في حاجة الى موجة ثورية أخرى، واذا لم تحصل هذه الموجة سيحل محلها الفوضى”، معتبرا ان “القانون الانتخابي الحالي ليس ديموقراطيا، لكن المقاطعة لا تجدي نفعا. التغيير يحصل عند المنافسة الجدية”.

شارك المقال