الاعلان عن زيارة البابا… خطأ بروتوكولي أو استغلال سياسي؟

هيام طوق
هيام طوق

خلال أكثر من مناسبة، وقبل زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الى الفاتيكان، أعلن البابا فرنسيس عن رغبته في زيارة لبنان، وترددت معلومات أن الزيارة ستكون خلال سنة 2022 ولكن لم يتم تحديد موعد رسمي لها. إلا أن ما صدر عن القصر الجمهوري بأن الكرسي الرسولي أبلغه بموجب نصّ الرسالة الخطية التي تسلّمها من السفير البابوي المونسنيور جوزيف سبيتري أن البابا سيزور لبنان في حزيران المقبل، جاء مفاجئاً في شكله وتوقيته. لناحية الشكل، فإن الاعلان عن موعد الزيارة لم يأت وفق الأصول البروتوكولية والديبلوماسية التي تقضي بأن يصدر بيان رسمي من الفاتيكان يحدد فيه تاريخ الزيارة ومدتها وتفاصيلها وبرنامجها، خاصة وأن بيان بعبدا نفسه أشار الى أن الرسالة التي تسلمها رئيس الجمهورية من السفير البابوي تطرقت الى ترك اعلان الزيارة الى وقت لاحق بالتنسيق بين لبنان والفاتيكان: “قداسة البابا فرنسيس قرر زيارة لبنان في شهر حزيران المقبل، على أن يصار الى تحديد تاريخ الزيارة وبرنامجها وموعد الاعلان عنها رسمياً، بالتنسيق بين لبنان والكرسي الرسولي”.

أما لناحية التوقيت، فرأى فيها البعض “دعسة ناقصة” أو “سقطة بروتوكولية هادفة” شبيهة بـ”السقطات” التي نتجت عن تصريحات الرئيس عون في الفاتيكان، والاعلان عنها يمكن وضعه في خانة الأهداف الشخصية عشية الانتخابات النيابية، اذ أكدت مصادر معنية لـ “لبنان الكبير” أنه لا يجوز التعامل بهذه الطريقة مع حدث تاريخي كهذا، وحصره في زاوية ضيقة لتبدو الزيارة كأنها أتت تلبية لدعوة رئيس الجمهورية واستخدامها كرافعة سياسية للعهد، في حين أن الحبر الاعظم أراد أن تكون زيارته رسالة دعم للبنان “الوطن والكيان والهوية”، والوقوف الى جانب اللبنانيين، وهو الذي قال ذات مرة: “عندما أفكر في لبنان، أشعر بقلق شديد للأزمة التي يواجهها، وأشعر بمعاناة شعب متعب وممتحن بالعنف والألم”.

الاعلان عن الزيارة لم يمر مرور الكرام في الدوائر الفاتيكانية، وسرعان ما ردّ مدير الموقع الرسمي للفاتيكان ماتيو بروني على تغريدة الصفحة الرسميّة التابعة لرئاسة الجمهورية، قائلاً: “الزيارة فرضيّة قيد الدراسة”. وأشار إلى أن “الرئيس ميشال عون هو من أعلن الخبر عبر تغريدة على تويتر، أمّا الفاتيكان فلم يأخذ أيّ قرار رسميّ في هذا الأمر”. كما شكك المراسل الصحافي للفاتيكان كريستوفر وايت في تغريدة عبر “تويتر” بـ “ما أعلنته الرئاسة اللبنانية عن الزيارة البابوية في حزيران فيما لم يؤكد ذلك الفاتيكان”.

وفي حال تمت الزيارة في حزيران أو في موعد آخر، فهي بحسب مطلعين قائمة، وتكون الزيارة الثالثة لحبر أعظم إلى لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية بعد زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني التاريخية في العام 1997، طبعتها عبارته “لبنان أكثر من وطن إنه رسالة”، وزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر في أيلول 2012.

وتعليقاً على بلبلة الاعلان عن الزيارة، أكد المدير التنفيذي لـ “ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ لـ “لبنان الكبير” أن “من يعلن عن أي زيارة رسمية للبابا هي الدوائر الفاتيكانية والسفارة البابوية في الدولة التي سيزورها الحبر الأعظم. حتى الآن هذا لم يحصل، وبهذا المعنى علينا انتظار الاعلان الرسمي للزيارة”، معتبراً أن “ما جرى خطأ بروتوكولي كان يفترض عدم الوقوع فيه لأنه يخرج كلياً عن المسار الديبلوماسي الدولتي”.

وشدد على أن “الاستغلال السياسي والشعبوي لأي زيارة للبابا فرنسيس هو خارج سياق هذه الزيارة لأن هناك ثوابت فاتيكانية واضحة في تعاطيها مع لبنان، وهناك بروباغندا وغرفة عمليات تقود محاولة توريط الكرسي الرسولي بمواقف وخيارات لا علاقة له بها”.

وتحدث عن “خمس ثوابت فاتيكانية: أولاً، الفاتيكان يريد دولة مدنية في لبنان أساسها المواطنة، ويرفض حلف الأقليات، وهذه نقطة أساسية. ثانياً، دولة يحكمها الدستور، وهو يرفض الانقلاب على الدستور وعلى الشرعية. ثالثاً، دولة فيها حصرية السلاح بيد القوى العسكرية والأمنية. رابعاً، دولة خارج الصراعات الاقليمية والدولية، من هنا قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني إن لبنان أكثر من وطن انه رسالة حريات وأخوّة. خامساً، لبنان ملتصق بمحيطه العربي، وينتمي الى المجموعة الدولية. هذه الثوابت الأساسية للفاتيكان في تعاطيه مع لبنان، وكل كلام خارج هذه الثوابت لا معنى له وهو استغلال سياسي شعبوي رخيص”.

وقال: “بحسب الغرف المغلقة، اذا زار البابا فرنسيس لبنان يحقق تعويماً للمنظومة”. وتساءل: “هل زيارة البابا يوحنا بولس الثاني في العام 1997 كانت تعويماً للاحتلال السوري والاسرائيلي حينها، أو كانت تأكيداً على ضرورة تحرير لبنان من المحتل الاسرائيلي والمحتل السوري، وأطلقت شرارة الاعداد لبيان مجلس المطارنة الموارنة سنة 2000، ومسار انخراط الكنيسة في تحرير لبنان، وأطلقت أيضاً الارشاد الرسولي الذي يصلح أن يكون اليوم أساسياً لتنقية الذاكرة اللبنانية”، لافتاً الى أن “علينا ألا نكون ضحية البروباغندا التي ستستغل سياسياً هذه الزيارة لأن البابا فرنسيس هو المدافع الأكبر عن الهجمة الشرسة لتغيير هوية لبنان الحضارية”.

ورأى أن “المنظومة أفلست أخلاقياً وتقوم بعملية إبادة جماعية للبنانيين وترتكب جريمة ضد الانسانية بحقهم، وهي تقوم بأي شيء لمحاولة تسويق أن هناك شرعية لها. وفي وقت أن الفاتيكان والبابا يمثلان شرعية أخلاقية، فإن هذه المنطومة خارج الشرعية الأخلاقية لأنها ترتكب جريمة ضد الانسانية بحق شعبها، والبابا والفاتيكان على بيّنة وبأدق التفاصيل مما يتعرض له الشعب اللبناني”.

وأوضح أن “هذه الزيارة حين يُعلن عنها ستكون رسالة مقاومة ورسالة رجاء في مواجهة محاولة تغيير الهوية اللبنانية وتغيير الاختبار التاريخي للبنان وتيئيس اللبنانيين وتهجيرهم”، مشيراً الى أن “بكركي لا تعلن عن الزيارة لأنها لا تتعاطى باستغلال شعبوي وسياسي مع هذه القضايا بل من منطلق احترام موقع الفاتيكان، واحترام الأصول البروتوكولية والديبلوماسية”.

واعتبر أن “رد الفاتيكان على اعلان الزيارة، خطير، وكأنه يقول لرئيس الجمهورية بشكل غير مباشر إن هناك خطأ بروتوكولياً. انها سابقة حقيقية في العلاقات الديبلوماسية بين الفاتيكان ولبنان، وكان يجب تفاديها وتجاوزها”.

وأكد الصائغ أن “الفاتيكان يعمل ضمن الثوابت الاستراتيجية ولا علاقة له بالتكتيك السياسي، ويتعاطى مع الشعب اللبناني ويوجه له رسالة أمل ورجاء. وكل كلام خارج هذا السياق لا معنى له. وعلى اللبنانيين أن يعودوا الى عقلنة الخطاب في التعاطي مع هذه القضايا، وألا يكونوا ضحية البروباغندا. ولنذهب الى صناديق الاقتراع لاحداث التغيير، والاستمرار في المقاومة المدنية السلمية للحفاظ على هوية لبنان الحضارية”.

شارك المقال