بعد أوكرانيا… هل تغزو روسيا فنلندا؟

حسناء بو حرفوش

على الرغم من التحذيرات الروسية المتعلقة بوضع دول الشمال الفنلندية والسويدية نسبة لحلف الناتو، أعلنت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين أن بلادها تنوي إجراء نقاش حول هذه المسألة وتتخذ قرارا بعد ذلك بوقت قصير، بينما انضمت رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون إلى مارين في مؤتمر صحافي في ستوكهولم الأربعاء قالت فيه إن بلادها تدرس بدورها مشروع التقدم بطلب لعضوية الناتو. وبالعودة إلى التاريخ، عانى البلدان، حسب تحليل في موقع “نيوزويك”، من الحرب وانعدام الثقة المتبادل وصولا أحيانا الى الحرب مع روسيا. ويبدو أن قرارات النظر في عضوية الناتو مدفوعة بالغزو الروسي المستمر لأوكرانيا، والذي بدأ في 24 شباط وشهد تهجير حوالي 11 مليون أوكراني من ديارهم.

وحذر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف من انضمام السويد وفنلندا إلى التحالف العسكري، تحت وطأة نشر بلاده أسلحة نووية في بحر البلطيق. وقد تشكل التهديدات الروسية مصدر قلق خاص لهلسنكي، التي تشارك حدودها مع روسيا على طول أكثر من 800 ميل. وتعرضت فنلندا للغزو من القوات الروسية أو السوفياتية ثلاث مرات منذ العام 1918. وأشار الخبراء الذين تحدثوا إلى “نيوزويك” إلى أن روسيا لن توفق بأي هجوم ضد فنلندا، لافتين إلى الصعوبات الأخيرة التي تواجهها في أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا قد تعني عدم قدرة الروس على إرسال قوات لغزو، الا أن روسيا لن تقف مكتوفة اليدين. وقال الخبير الدكتور ستيفان بيدل: “يمكنني أن أتخيل أن روسيا تضرب فنلندا بالصواريخ أو المدفعية أو الضربات الجوية كوسيلة لخلق صراع يجعل الناتو حذرا من قبول فنلندا، لكنني أعتقد أنه من غير المرجح أن تغزو روسيا فنلندا ببساطة”.

وأضاف بيدل: “أظن أن هيئة الأركان العامة الروسية حذرة من بدء حرب أخرى يمكن أن تتحول بسهولة إلى مستنقع مسدود آخر فوق ذلك الذي يمكن أن يواجهوه في أوكرانيا”.

تاريخ الصراع

ووفقا للدكتور إيان جونسون من جامعة نوتردام، لم تستطع القوات الروسية في السابق غزو فنلندا، وشنت القوات السوفياتية ثلاث غزوات كبرى على فنلندا منذ العام 1918 ولم تسفر أي من الصراعات عن هزيمة عسكرية صريحة لها، على الرغم من التفاوتات الهائلة في حجم الدولتين وسكانهما. وغزا الجيش الأحمر فنلندا خلال الحرب الأهلية الروسية في العام 1918، لكن الخصوم انتصروا في نهاية المطاف بعد ثلاثة أشهر من القتال وطردوا الروس وأسسوا جمهورية فنلندا الحديثة.

وخلال حرب الشتاء 1939- 40، غزا الاتحاد السوفياتي فنلندا “بهدف الاستيلاء على العديد من المناطق الحدودية لكن الخطط السوفياتية لاحتلال البلاد كلها انهارت بعد الهزائم العسكرية الساحقة التي تكبدتها في الشهر الأول من الحرب. وبدأت الأعداد السوفياتية المتفوقة في النهاية بالتغلب على الدفاعات الفنلندية. وفي آذار 1940، وافقت الحكومة الفنلندية على معاهدة سلام أعطت ستالين ما كان يسعى إليه إقليمياً، لكنها تركت فنلندا مستقلة.

ثم خاض البلدان الحرب مرة أخرى في العام 1941 عندما هاجمت فنلندا الاتحاد السوفياتي بهدف استعادة الأراضي المفقودة. وقال جونسون: “إن هذا حدث بعد أن شنت ألمانيا النازية غزوها الخاص على الاتحاد السوفياتي بقيادة جوزيف ستالين والغارات الجوية السوفياتية ضد المدن الفنلندية. واتسمت ما عرفت بحرب الاستمرار بتقدم فنلندي سريع تلته حرب الخنادق حتى العام 1944. وفي النهاية، ألحقت القوات الفنلندية خسائر فادحة بالسوفيات، لكنها مع ذلك دعت من أجل السلام وتنازلت مرة أخرى عن الأراضي”. وأشار جونسون إلى أن الحربين “كلفتا فنلندا 15 بالمائة من أراضيها الوطنية، لكنها تجنبت مصير جيرانها في البلطيق الذين ضمهم الاتحاد السوفياتي وعانوا بشدة على يد الشرطة السرية السوفياتية”.

وخلال حرب الشتاء وحرب الاستمرار، كانت الروح المعنوية عالية في فنلندا، والقيادة فاعلة واستخدم الحصار والدفاع الفاعل بفضل التضاريس في البلاد. وإذا صدقت دروس التاريخ، فسيكون الغزو الروسي لفنلندا صعبا ومكلفا على الأرجح بالنسبة الى الغزاة. كما قد يكون الغزو المستمر لأوكرانيا بمثابة مثال لا يختلف عن النزاعات الروسية الفنلندية السابقة. وبينما اضطرت فنلندا إلى “تسريح جزء كبير من جيشها” عندما انتهت مفاوضات السلام مع الاتحاد السوفياتي في العام 1947، سُمح للبلاد بامتلاك احتياطيات عسكرية. وبالنتيجة، حافظت فنلندا على تجنيد شبه شامل مع قوة احتياطي نشطة كبيرة. وعلى عكس أوكرانيا، هذه القوات مسلحة بشكل أساس بأنظمة أسلحة أوروبية وأميركية، بينما حاليا تعاني القوات المسلحة الروسية المنخرطة بشكل كامل في أوكرانيا بالفعل من نقص في القوى البشرية واللوجيستيات.

ومع ذلك، وفي حالة غير مرجحة، في حال قررت روسيا القيام بعمل عسكري ضد فنلندا في المدى القريب، فإن كل من تاريخ الاستعدادات العسكرية الفنلندية وحقائقها تشير إلى أن الأمور لن تسير على ما يرام.

وفي ظل هذه القراءة، توقع الدكتور باتريك بوري من جامعة باث في بريطانيا، انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو بسرعة. وأوضح أنه في حال تقديم طلب رسمي للانضمام، “أتوقع أن يقبل الناتو كلا البلدين بسرعة، مما يثبت فشلا روسيا آخر في فهم تداعيات غزوها بشكل كامل”.

شارك المقال