حكومة بعد الانتخابات… رهينة التسويات والانهيارات

هيام طوق
هيام طوق

على مسافة 23 يوماً من الانتخابات النيابية المقبلة، يبلغ الشحن الانتخابي أوجه، وتستحوذ العمليات الحسابية للربح والخسارة على الاهتمام الأكبر للمتسابقين الى الندوة البرلمانية، وتقاس لعبة الحواصل بدقة متناهية، وتوضع الأصوات في ميزان الجوهرجي في الدوائر كافة لأن كل صوت له تأثيره الفاعل ويمكن أن يرجح كفة هذا الفريق أو ذاك في انتخابات يعتبرها الجميع مصيرية انطلاقاً من حساباته ومصالحه.

وإذا كان الجميع مهتماً باتمام الاستحقاق النيابي كونه منطلقاً أساسياً للاستحقاقات الأخرى الحكومية والرئاسية، فإن المحللين السياسيين والخبراء والمراقبين يستشرفون مرحلة ما بعد الانتخابات التي يمكن أن تتجلى وفق أكثر من سيناريو. فهناك من يقول إن حكومة “معاً للانقاذ” برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي ستستمر في سلطتها التنفيذية بعد التوافق على بقائها بحيث تكون هناك استشارات نيابية سريعة وشكلية، ليبقى المشهد الحكومي بعد 15 أيار على ما هو عليه قبله، خصوصاً وأن الرئيس ميقاتي يعطي وعوداً لصندوق النقد الدولي بتنفيذ الشروط انطلاقاً من قناعته بأنه سيكون حُكماً رئيساً للحكومة المقبلة، اذ أنه لا يمكن خلال الفترة القصيرة الفاصلة بين الانتخابات النيابية والرئاسية، الاتفاق على حكومة يستغرق تشكيلها أشهراً وفق مسار الأمور سابقاً. أما أصحاب السيناريو الثاني، فيجزمون بأن البلد ذاهب الى فراغ حكومي لأن هناك تباعداً كبيراً بين القوى مع العلم أن الفريق الرابح سيضع شروطه على الحكومة ورئيسها، في حين أن أي شخصية إن كانت الرئيس ميقاتي أو سواه لن تقبل بالتكليف من دون ضمانات التأليف لا سيما وأن الوقت ضاغط.

وبين هذا الرأي وذاك، يرى مراقبون أن القصر الجمهوري يريد تأليف حكومة بعد الانتخابات بشكل سريع أي خلال أسبوع أو أسبوعين شرط توزير النائب جبران باسيل وإسناد حقيبة وازنة اليه في حكومة ربما ستدير الحكم في حال حصل الفراغ على المستوى الرئاسي. وأشار مصدر متابع للمشهد السياسي لموقع “لبنان الكبير”، الى أن “حزب الله” لا يريد الغوص في الملف الرئاسي حالياً لكنه في الغالب لن يعارض هذا الطرح، ويريد استرضاء رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” خصوصاً وأنه لم يتبنّ ترشيح باسيل لرئاسة الجمهورية. في المقابل، تشير الوقائع والمعطيات الى أن رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية يسجل نقاطاً ايجابية في هذا الاطار إن كان من خلال استقباله في موسكو أو من خلال المرونة في تعاطي الدول العربية والأوروبية والأميركية معه.

وفي هذا السياق، أكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة لموقع “لبنان الكبير” أن “الرئيس ميقاتي منذ تكليفه كان يضع هدفين لحكومته: وقف الانهيار وإجراء الانتخابات النيابية. اليوم لا يجوز الدخول من باب التكهنات في من سيكون رئيس الحكومة المقبل ومن هم الوزراء الجدد لأن هناك أصولاً دستورية يجب اتباعها بحيث أن البرلمان المنتخب سيختار شخصية لتشكيل الحكومة”، موضحاً أن “الحكومة، فور حصول الانتخابات النيابية ستكون حكومة تصريف أعمال، والاتفاق مع صندوق النقد هو اتفاق بين الدولة ممثلة بالحكومة وبين الصندوق، والأمر ليس منوطاً بأشخاص”.

علم: الاصلاحات لحكومة ما بعد انتخابات الرئاسة

اعتبر الصحافي جورج علم أن “الحكومة تخضع لامتحانين بعد الانتخابات: الأول، هو حجم الكتل التي ستدخل الى المجلس النيابي. هل الأكثرية ستكون لما كان يعرف بـ 14 آذار أو لما يسمى بخط الممانعة؟ بحيث أن التوازنات السياسية هي التي ستتحكم بتشكيل الحكومة. الامتحان الثاني يكمن في أهمية هذه الحكومة التي ستتحمل المسؤوليات الرئاسية في حال تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، لذلك يجب أن تكون تركيبتها دقيقة للغاية. اذا ذللت هاتان العقبتان، فإن الحكومة تكون صورة مصغرة عن المجلس النيابي الجديد”، معرباً عن اعتقاده أن “الحكومة الجديدة لن تكون حكومة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بمعنى أنها لن تحقق الاصلاحات التي ربما ترجأ مرة جديدة الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي. وبالتالي، عندما يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن أول حكومة ستتشكل في عهده ستأخذ الاصلاحات في الاعتبار”. وأبدى قلقه وتخوفه من أنه “في حال فاز محور الممانعة بالأكثرية النيابية سيتحكم هو بانتخاب رئيس الجمهورية وبالمفاوضات مع صندوق النقد. ومحور الممانعة لا يريد التفاوض مع صندوق النقد ولا يريد وصاية دولية تمسك بمفاصل الاقتصاد في لبنان خصوصاً وأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان أول من دعا الى التوجه شرقاً”، مشيراً الى وجوب “أن نأخذ في الاعتبار مسألتين: تداعيات التفاهم النووي وعدمه على لبنان والمنطقة، وكيف ستنتهي الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة” .

ورأى أنه “اذا كانت الأمور ستسير ضمن الحدود الممكنة فربما يصار الى تطعيم حكومة الرئيس ميقاتي ببعض الوزراء والحقائب، مع الأخذ في الاعتبار أنه اذا تعثر انتخاب رئيس جمهورية يكون الرئيس ميقاتي بحكومته الجديدة من سيملأ الفراغ الرئاسي الى حين التفاهم على رئيس جديد”، متسائلاً: “هل المبادرات الدولية التي تؤكد ضرورة اجراء الانتخابات الانيابية ستطرح حلولاً معينة بعد الانتخابات من ضمنها انتخاب رئيس للجمهورية والتفاوض مع صندوق النقد؟. علينا أن نأخذ في الاعتبار أيضاً امكان انتخاب الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون الذي سيدعو الى مؤتمر دولي من أجل لبنان يكون ضمن بنوده الاستحقاق الرئاسي والمفاوضات مع صندوق النقد”.

وقال علم: “السيناريوهات كثيرة لكن علينا أن نأخذ في الاعتبار التعاطي الدولي مع لبنان. وهنا لا بد أن نسأل: هل سيسهل رئيس الجمهورية ولادة الحكومة أو سيتذرع بالبقاء في القصر الجمهوري في ظل عدم القدرة على انتخاب رئيس، هو الذي قال إنه لن يترك الرئاسة للفراغ؟”.

الأمين: بعد الانتخابات سيُفرض تحدي التغيير

بدوره، لفت الصحافي علي الأمين الى أنه “لا يمكن الحديث عن الحكومة المقبلة بمعزل عن نتائج الانتخابات والأكثرية النيابية، كما لا يمكن تغييب الوضع الذي سيكون عليه لبنان بعد الانتخابات من الجانب الاقتصادي والمالي وما اذا كان سيبقى واقفاً على رجليه. هناك تحديات كبيرة على المستوى المعيشي والاقتصادي والمالي وانتخاباتما يفرض ايقاعاً مختلفاً عما هو عليه اليوم”.

وسأل: “كيف ستقارب السلطة أو المجلس النيابي الجديد الأزمة؟ هل سيتم التعامل بالذهنية القائمة نفسها حالياً بعد الانتخابات؟ وكيف سيتعامل المجتمع الدولي مع لبنان في هذه اللحظة في حالة التدهور؟”، معتبراً أنه “في حال جاءت نتائج الانتخابات النيابية على صورة البرلمان اليوم، فكأننا نقول إنه سيتم التعاطي مع الأمور كما هو حاصل اليوم بما يعني أن لا معالجة بل الأزمة الى تأزم أكبر”.

أضاف: “بعد الانتخابات سيُفرض تحد جديد في التغيير الذي اما يكون في المجلس الجديد أو من خلال الوقائع والانهيار الحاصل، اذ لا يجوز الاستمرار بالنهج الحالي نفسه. الانتخابات النيابية مفصل لا بد من أن يأتي بعدها مشهد مختلف”.

وأشار الأمين الى “أننا أمام سيناريو احتمال عدم تشكيل حكومة يمكن أن ينعكس ذلك على الانتخابات الرئاسية، وذلك بسبب ارتطام اجتماعي كبير لا نعرف تداعياته اذ يمكن أن يتطور الى بعد أمني وفوضى. وبالتالي، كل مواطن اليوم معني بالتغيير ومحاسبة المنظومة”، مشدداً على أنه “لا بد من قيامة على قاعدة التغيير في النهج وفي الوجوه”.

شارك المقال