لعبة القط والفأر مع “الصندوق”: “حزب الله” مع حلول بدونه

وليد شقير
وليد شقير

من يسمع المرشحين للانتخابات النيابية ووعودهم للخروج من المأزق الذي يرزح تحته اللبنانيون يتكرر في ذاكرته معظم ما كان سمعه قبل 4 سنوات، مضافاً إليه ارتفاع النبرة في شأن محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين وزيادة ساعات التغذية في الكهرباء ودعم الجيش اللبناني ووحدانية السلاح بيد الشرعية.

تختلف الخطب والوعود في الحملات الدعائية في هذه الدورة بإضافة الحديث عن استعادة الأموال المنهوبة والدفاع عن حقوق المودعين، ومحاسبة السارقين والذين هدروا المال العام. لكن الجديد في هذه الدورة ارتفاع النبرة في الحديث عن استعادة السيادة ورفع الاحتلال الإيراني، والهجوم على هيمنة “حزب الله” على القرار السياسي واشتداد الحملة على العهد الرئاسي، الذي عاد فريقه إلى إطلاق الوعود بالإتيان بالكهرباء 24 على 24 كما فعل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في مهرجان إعلان مرشحي التيار في 9 نيسان بقوله: “سنؤمن كهرباء، سنعمر سدوداً، سنستخرج ونصدر نفطاً وغازاً، سنسترد أموالاً، سنطوّر نظاماً وسنبني دولة”.

لم يرد باسيل الاتعاظ من تجربة إغداق الوعود المكيفيلية التي أتحف اللبنانيين بها وباتت موضوع تهكم عليه ورجم لوزراء تياره في الطاقة وللعهد معه. كان الوعد الجديد بتأمين الكهرباء استباقاً للانتخابات وإيذاناً بأن حصول تياره على تلك الحقيبة سيكون شرطاً من شروط تشكيل الحكومة الجديدة، وإمعاناً في الإنكار المتهم به مع أعضاء الفريق الرئاسي كافة جراء الفشل، وانكشاف الهدر الهائل الذي سببه تسلم مسؤولية هذه الحقيبة.

في المقابل، يتحف الحزب آذان الناخبين بالتخوين رداً على تزايد طرح موضوع سلاحه، فيتهم الداعين إلى نزعه بالانصياع الى السفارات ولا سيما الأميركية خدمة لمشروع التطبيع مع إسرائيل، متناسياً أن من يخوّنهم سيضطر إلى الجلوس وإياهم في الندوة النيابية وفي الحكومة لاحقاً. وربما يتكل الحزب على أن جمهوره سينسى تلك الاتهامات للشركاء في البلد، وللذين تجرأوا على منافسته في الوسط الشيعي، لأن فراغاً حكومياً سيحصل بعد الانتخابات بسبب الشروط التي سيضعها على التمثيل فيها كالعادة، أو سيترك لحليفه “التيار الحر” أن يستنبطها لتأخير التأليف، بصرف النظر عمن سيحصل على الأكثرية النيابية في 16 أيار المقبل. فأزمة التأليف الآتية ستنسي مناصريه ما سبق من اتهامات. وهو أصلاً سعى في الخطاب الأخير لأمينه العام السيد حسن نصر الله إلى تبديد الاعتراض الشيعي ضمن شريحة من الجمهور المؤيد للمقاومة، على قول أحد قادة الحزب إن التصويت للوائحه وحلفائه هو واجب إلهي، فسعى نصر الله إلى التمييز بين من يسترضون الخارج في الهجوم على سلاحه وبين من يدعون إلى مناقشة الإفادة من السلاح في إطار الاستراتيجية الدفاعية.

واللافت أيضاً أن البحث في قانون “الكابيتال كونترول” الذي يفترض أن يكون جزءاً من العملية الإنقاذية في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلد، ليس على جدول حملات المرشحين إلا نادراً، سواء من النواب الحاليين أو المرشحين الجدد. فالنواب يتصرفون على أنهم سيواصلون دراسته للإيحاء بأنهم يقومون بواجبهم في تلبية شروط صندوق النقد الدولي الذي كان واضحاً في طلبه إقرار 4 إجراءات قبل انتهاء ولاية البرلمان الحالي: “الكابيتال كونترول”، مشروع الموازنة، تعديل قانون السرية المصرفية وقانون اعادة هيكلة المصارف الذي يجب أن ترسله الحكومة قبل الانتخابات، فتنفيذه يأخذ وقتاً. وهي نقاط رددها نائب رئس الحكومة سعادة الشامي أول من أمس بعد اجتماعاته في واشنطن مع مسؤولي الصندوق والبنك الدولي ووزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي.

يمارس الحكام ومن يمثلونهم في اللجان النيابية لعبة القط والفأر مع قانون “الكابيتال كونترول”.

يقول مصدر معني بإقرار “الكابيتال كونترول” إن إنجازه باتت تقتصر أهميته على أنه إشارة إلى الخارج حول جدية السلطات اللبنانية، لأن المانحين ينتظرون من لبنان الخطوات التي اشترطوها ولا خيار غير الاستجابة لها. ويعتبر أن ذاكرة القوى النيابية والنقابية المعترضة على إقرار المشروع الحالي قصيرة، على الرغم من الملاحظات عليه، ومنها تركيبة اللجنة المولجة إصدار القرارات في شأن سقوف السحوبات من المصارف وفق تغيّر الظروف. والصيغة المطروحة أمام اللجان النيابية لإقرارها هي الصيغة الخامسة، وسبق أن تمت دراستها في هذه اللجان. اللجنة كانت مؤلفة في مشروع سابق من كبار الموظفين في وزارات العدل والمال والاقتصاد ومصرف لبنان، فباتت مؤلفة من رئيس الحكومة ووزراء العدل والمال والاقتصاد، ومصرف لبنان، أي جرى رفع مستوى اللجنة والمرجعية التي تتشكل منها، بحيث يتحمل الأعضاء فيها مسؤولية مالية ونقدية، وسياسية، في القرارات التي تتخذها. ومع صدور الاعتراضات، لم يتقدم أي فريق بأي اقتراح بديل حتى الساعة في انتظار اجتماع اللجان الثلاثاء.

يلخص المصدر إياه المأزق الذي بلغه لبنان في العلاقة مع صندوق النقد والمانحين بالقول: “التشريع المطلوب من لبنان هدفه ضمان أن يشبك البلد العلاقة الإيجابية مع المانحين. واللاتشريع يعني بكل بساطة أننا لن نشبك علاقة إيجابية مع الخارج. وكل يوم تأخير لاستعادة ثقة الخارج بنية السلطة الإقدام على الإجراءات المطلوبة يعني تفاقم الأزمة في البلد”.

وعلى الرغم من الحديث عن استعجال رئيس البرلمان نبيه بري إقرار القانون، وتأكيد النواب المقربين منه أنه اتفق مع الرئيس نجيب ميقاتي على إنجاز المشروع، بات المتحمسون لذلك على قناعة بأن الموقف الضمني للنواب هو تأجيل هذا الإجراء إلى ما بعد الانتخابات لأنه سيغضب الناخبين حكماً.

اختصر النائب عن “حزب الله” حسن فضل الله هذا التوجه بقوله أول من أمس: “إن ‏المناخ القائم لا يُتيح إقرار مشروع الحكومة للكابيتال كونترول، بل يدفع باتجاه ترحيله ‏إلى ما بعد الانتخابات”.

يقترح فضل الله على صندوق النقد وعلى أميركا مساعدة لبنان على تعقب أموال “من تعاقبوا على السلطة لاستعادتها بدلاً من الإجراءات التي يطرحها الصندوق”، ويتهم أميركا بأنها لا تريد ذلك “لأنهم من جماعتها وهي تخوض بهم الانتخابات النيابية”…

ومع أن الحزب يردد بأنه لا يعترض على تعاون السلطة مع الصندوق، فإنه يخوض ضمناً لعبة إفشال ذلك لسبب يتعلق بصراعه وإيران مع الولايات المتحدة. فضل الله أنهى مطالعته بالتأكيد أن “هناك إمكانية لإيجاد حلول من خارج الإتفاق مع صندوق النقد”.

فلماذا يمعن المعنيون في مسرحيات الإيحاء بأنهم يسعون إلى الاستجابة لإجراءات الثقة التي يعوّل عليها الصندوق؟ فالحزب يمارس “الكونترول” على توجهات البرلمان على طريقته.

شارك المقال