متى وكيف ستنتهي حرب أوكرانيا؟

حسناء بو حرفوش

ينشغل العالم بالسؤال حول توقيت الحرب في أوكرانيا ومآلها. وبالنظر إلى الطريقة التي يتفاعل بها الغرب، يبدو أن خطة الناتو تمضي قدماً بكامل قوتها: مع أو بدون فلاديمير بوتين، حسب مقال في موقع diem25 الأوروبي. وحسب القراءة، “أخذ الناتو التهديد الروسي على محمل الجد بعد ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، وهذا ما اعترف به وكيل الأمين العام لحلف الناتو مؤخراً، بالقول إن الحلف يعد لاستجابة أوكرانيا قبل وقت طويل من غزو شباط 2022. بينما في الواقع، لا يغطي التخطيط للعمل العسكري الروسي جميع الجوانب، بسبب ضعف التدريب والصراعات اللوجيستية وجمع المعلومات السيء.

ويمكن القول إن الناتو كان أكثر تهيؤاً لغزو أوكرانيا مما هو الحال بالنسبة الى روسيا. ومع ذلك، يتوافق العديد من المحللين السياسيين والعسكريين على وجه الخصوص، المطلعين على آلة الحرب الروسية، على فكرة أن بوتين لن يتوقف حتى يحقق أهدافه، وذلك من خلال التدخلات العسكرية العنيفة للغاية والجرائم ضد المدنيين والتدمير غير المسبوق. ومن شأن كل ذلك أن يضاعف الهوة التي نشأت بين الشعبين الشقيقين، والتي لن تقفل لعشرات أو ربما حتى مئات السنين من الآن.

ومن الواضح أن الدول الأخرى التي استهدفتها روسيا تماشياً مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لاحظت الأساليب التي تهدف موسكو من خلالها الى تنفيذ هذه المشاريع وبالتالي ستسعى بشدة الى حماية الغرب، مما يعد بتأثير معاكس لما خطط له بوتين تماماً.

وبمجرد الانتهاء من هذه المشاريع، يطرح السؤال نفسه حول تعريف بوتين لانتصاره، بحيث يبدو واضحاً أنه لن يكون قادراً على العودة إلى شعبه مدعياً النصر على النازية. لا شك أنه يحتاج في هذا السياق الى نتائج ملموسة أكثر واقعية لتبرير الخسائر الفادحة ليس على مستوى البشر والحجر وحسب، ولكن أيضاً على مستوى سنوات الحرمان التي ستتبعها. ويبدو الآن أن مشروعه البسيط هو “نوفوروسيا”.

ومن أجل غزو جنوب وشرق أوكرانيا وضمهما، هناك حاجة الى إعادة العمل العسكري وتعبئة أفضل بكثير للقوات. ومن المحتمل أن تحوّل المنطقة بأكملها إلى أنقاض ثم احتلالها من قبل قوة عسكرية أكبر بكثير باتباع نموذج ماريوبول. ثم للانتقال إلى المستوى التالي من التعبئة والعمل العسكري، هناك حاجة إلى تقديم تبرير للشعب الروسي، كما أن هناك مخاوف من الدفع باتجاه هجوم بأسلحة غير تقليدية ضد روسيا. والوضع الجديد يعني أن حيادية أوكرانيا، التي تشكلت من خلال التخلي عن ترسانتها النووية الموروثة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، تعرضت للاستهداف. ولا يبدو أن واقع اليوم يقود باتجاه استقرار أوروبا: فلا يمكن لبوتين وقف التوسع الإقليمي الذي انطلق في أوكرانيا والغرب، ومن المفارقات إلى حد ما، أنه لا يمكنه قبول هذا النظام الجديد الذي يسمح للأقوياء أن يكتسبوا أجزاء من أراضي الدول الأصغر لمجرد أن لديهم القدرة على القيام بذلك.

مفاوضات السلام

وفي ما يتعلق باحتمالية قبول بوتين بمفاوضات من شأنها إنهاء الصراع عن طريق التخلي عن المطالبات الإقليمية أو تجميد الصراع، فيجب مراعاة السياق الداخلي الروسي الذي خلقته القرارات الاستراتيجية في السنوات الأخيرة. أما عن تصعيد الصراع في أجزاء أخرى من أوروبا أو العالم فهو أمر غير محتمل. ومنعت روسيا 70 – 80% من قوتها العسكرية النشطة في أوكرانيا واستهلكت حوالي نصف الصواريخ التي كانت بحوزتها في بداية الحرب، بينما لم يطلق الناتو رصاصة واحدة من ترسانته. بالطبع، قد تظهر تحديات لتبرير التحركات الداخلية الجديدة في روسيا، لكن هذا كل ما في الأمر.

أما بالنسبة الى خطر وقوع هجوم نووي، فيبدو مستبعداً كذلك. وبعد الانهيار الأولي في مواجهة الواقع القاسي على الأرض، من المرجح أن يتراجع الروس بسبب الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيهم. ولا يمكن التوصل إلى حل أعمق للأزمة العسكرية والاقتصادية أثناء وجود بوتين في السلطة في روسيا. كما لا يمكن التخلي عن المشاريع التوسعية إلا باستبدال القيادة الروسية. ولا يترك موقف الغرب القاطع من بوتين مجالاً للمصالحة. ولهذا السبب، يربط الغرب عدد الضحايا وحجم الدمار في أوكرانيا، فضلاً عن المعاناة التي ستؤثر على الكوكب بأسره، بالسرعة التي يستبدل بها بوتين في ما يخص قيادة روسيا.

وبصفتهم ديموقراطيين، يتمتع الأوروبيون بفرصة للنظر بعيداً عن ألعاب القوة والمصالح الجيوسياسية وإبراز حرية الاختيار وإرادة المواطنين. إذا قرر الشعب الأوكراني، في سياقه التاريخي والسياسي الحالي، الدفاع عن حريته في اختيار مصيره، والتمسك حالياً، على حساب التضحية القصوى، بالرغبة في الانضمام إلى الغرب وحلف الناتو، فليس بإمكان الغرب سوى المراقبة ورفع شعار التأييد في النهاية. وبالانتظار، يجب أن تتركز أهدافه على إرساء الديموقراطية ونزع السلاح ووضع أسس السلام مصحوبة بنهج عملي للوضع الدولي الراهن. وهذا يعني أن الاندفاع نحو الحماية العسكرية والضمانات الأمنية سيبقى على قائمة الأولويات في الفترة المقبلة. وينبغي ألا يعوق قبول هذا الواقع العمليات الديموقراطية وتوحيد المواطنين في جميع أنحاء العالم تحت علم الحرية والتعاون، بغض النظر عن المنطقة السياسية والعسكرية التي ينتمون إليها”.

شارك المقال