الحرب الأوكرانية والأمن الغذائي في الشرق الأوسط

حسناء بو حرفوش

لا يخفى على أحد أن الحرب الروسية في أوكرانيا تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط، حيث تهدد الحرب وصول الإمدادات الضرورية، ومع ذلك، تبقى بعض البلدان أكثر عرضة من غيرها لنقص الغذاء والاضطرابات. وسلط مقال لكالي روبنسون الضوء على تعريض “الغزو الروسي لأوكرانيا الإمدادات الغذائية للخطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة تعتمد فيها العديد من الدول بشكل كبير على الواردات، وخصوصاً المواد الغذائية الأساسية مثل القمح. وشكل انعدام الأمن الغذائي بالفعل تحدياً كبيراً في المنطقة نتيجة لتغير المناخ والجفاف وجائحة كورونا.

ويعاني بعض بلدان المنطقة من انعدام الأمن الغذائي أكثر من غيره، بحيث اختبر العديد منها بالفعل أزمات عميقة عندما عطلت الحرب الروسية – الأوكرانية الإمدادات الغذائية في وقت سابق من هذا العام. وصعبت النزاعات المستمرة منذ سنوات والاقتصادات المحاصرة في كل من سوريا واليمن، على سبيل المثال، على العديد من السكان شراء الطعام حتى في حالة توافره.

لبنان وتونس وسواهما

وفي غضون ذلك، شهدت أسعار المواد الغذائية في لبنان ارتفاعاً تخطى الألف بالمئة على مدى السنوات الثلاث الماضية، بحيث تحول الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد إلى حالة من الفوضى وانهارت قيمة العملة مقابل الدولار الأميركي. ودمر انفجار ميناء بيروت في العام 2020 صوامع الحبوب الرئيسة في البلاد، مما قلل بشكل كبير من القدرات على تخزين المواد الغذائية.

ومن ثم هناك تونس، حيث أعاقت الموارد المالية الضعيفة للحكومة قدرتها على الدفع لموردي المواد الغذائية. وأدى ذلك الى نقص في السكان أثار قلقهم بالفعل بسبب ارتفاع معدلات البطالة وعدم الاستقرار السياسي. كما تأثرت الإمدادات الغذائية على مستوى المنطقة بسبب الوباء. وارتفعت أسعار القمح، على سبيل المثال، بنسبة 80% منذ أوائل العام 2020.

ولطالما لُقبت روسيا وأوكرانيا بـ “سلة الخبز في العالم”، اذ يحتل كلا البلدين الصدارة لناحية تصدير محاصيل الحبوب مثل القمح والذرة والشعير. وفي العام 2020، أرسل كل منهما حوالي نصف إنتاجه من القمح إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن الحرب عطلت إمدادات الحبوب والسلع الأخرى التي تحتاجها المنطقة بشدة، مثل البذور وزيت الطهي والأسمدة. وبالتالي، توقفت حوالي ربع صادرات القمح المجمعة لروسيا وأوكرانيا ونصف صادرات الذرة المتوقعة لعام 2021-2022 كما دمرت الكثير من البنية التحتية في أوكرانيا التي تدعم التجارة، بما في ذلك الموانئ وخطوط السكك الحديدية. كما حظرت أوكرانيا تصدير بعض الحبوب لحماية إمداداتها. علاوة على ذلك، من المرجح أن يستمر الصراع في إعاقة الزراعة حتى لو انتهى القتال قريباً؛ وتقدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن 30% من مناطق المحاصيل في أوكرانيا غير مزروعة أو لن تشهد الحصاد بسبب الحرب.

بالنسبة الى المسلمين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يظهر هذا التوقيت مزعجاً بشكل خاص: خلال شهر رمضان المبارك، الذي بدأ في أوائل شهر نيسان، والذي تستهلك فيه العائلات عموماً كميات أكبر من المتوسط ​​من الطعام. تلا ذلك انتشار الذعر في جميع أنحاء المنطقة بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب بحيث خشي الجمهور من نقص الإمدادات لوجبات الإفطار على وجه الخصوص. ويبقى فقراء المنطقة الأكثر عرضة للخطر، فهم ينفقون حصصاً أكبر من دخلهم على الغذاء ومن المرجح أن يكونوا مزارعين، لذا فإن نقص البذور والأسمدة سيؤثر عليهم بشدة. كما يُتوقع من الذين يعتمدون على المعونة الغذائية الدولية تحمل المزيد من المصاعب؛ وتعتبر أوكرانيا وروسيا من الموردين الرئيسيين للقمح والذرة وزيت عباد الشمس لبرنامج الغذاء العالمي.

كيف ستتأقلم المنطقة؟

تركت الأزمة العديد من الحكومات في مواجهة تدافع كبير لتغيير السياسات والبحث عن بدائل. فأوقف المغرب، على سبيل المثال، بعض الصادرات الغذائية لدعم الإمدادات المحلية. أما بالنسبة الى مصر، فتمتلك عدة أشهر من الاحتياطيات الغذائية كما تلقت أموالاً من الإمارات العربية المتحدة ساعدتها في الحفاظ على ضبط أسعار الخبز. وتدرس أيضاً التعامل مع منتجي الأغذية الرئيسيين مثل الولايات المتحدة وأستراليا والهند كشركاء بديلين. وقد تسلك تركيا مساراً مشابهاً، لكن دول الخليج العربية قادرة بسهولة على تأمين موردين جدد. ووقعت إيران اتفاقاً مع روسيا لضمان الواردات. لكن الخبراء يجزمون بأن الدول التي تعاني من عدم استقرار عميق مثل لبنان وليبيا وسوريا واليمن، ستكافح من أجل الاستجابة بفاعلية.

ويقول محللون إن الحكومات ستحاول تجنب رفع أسعار الخبز على وجه الخصوص، بحيث أن دعم الخبز يشكل في بعض الدول جزءاً من العقد الاجتماعي، وقد تشعل زيادة الأسعار الاضطرابات المتعلقة بالغذاء وهي الأكثر ترجيحاً في البلدان التي يشعر فيها الناس بالفعل بالإحباط من حكوماتهم”.

شارك المقال