الحرب الأوكرانية كارثة لفقراء الكوكب

حسناء بو حرفوش

لماذا قد تشكل الحرب الأوكرانية كارثة لفقراء هذا الكوكب؟ سؤال تجيب عنه قراءة للمحلل السياسي رجان مينون الذي يذكر بالشروط الحادة التي فرضت إبان “الحرب العالمية الأولى على ألمانيا وعواقبها الوخيمة على أوروبا بأكملها”، ويحذر من وضع شبيه في ظل الحرب الأوكرانية، التي تهدد بدورها بتبعات تتعدى المعنيين بشكل مباشر لتؤثر على أقدار بقية العالم.

ووفقاً لمينون، “ستلحق الحرب الجارية خسائر اقتصادية فادحة، لن تترك آثارها على أوكرانيا وحسب، ولكن أيضاً على الفقراء الذين يعيشون على بعد آلاف الأميال. ولن توفر الآثار السيئة للحرب البلدان الأكثر ثراءً أيضاً، لكنها ستكون ببساطة أكثر قدرة على التعامل معها. ويتوقع البعض أن تستمر هذه الحرب لسنوات أو حتى لعقود، على الرغم من أن هذا التقدير يبدو متشائماً للغاية. ومع ذلك، فلننظر الى اللاجئين والمشردين داخلياً في أوكرانيا والذين يشكلون معاً 29٪ من إجمالي سكان البلاد. وحتى أواخر نيسان، فرّ 5.4 ملايين أوكراني من البلاد إلى بولندا والأراضي المجاورة. وعلى الرغم من أن العديد منهم بدأوا بالعودة، فمن غير الواضح ما إذا كانوا سيتمكنون من البقاء، وإذا تفاقمت الحرب واستمرت بالفعل في السنوات المقبلة، سيؤدي نزوح اللاجئين إلى حالة لا يمكن تصورها. كما سيتسبب ذلك بمزيد من الضغط على البلدان المضيفة، وتحديداً بولندا.

ولا ينتهي السيناريو بالعودة، فبمجرد أن تنتهي الحرب ويحاول الـ 12.8 مليون أوكراني المهجرون إعادة بناء حياتهم، سيجد الكثيرون أن مبانيهم السكنية ومنازلهم لم تعد قائمة أو غير صالحة للسكن. والحال مشابه بالنسبة الى المستشفيات والعيادات التي يعتمدون عليها والأماكن التي يعملون فيها والمدارس والمتاجر والمراكز التجارية في كييف وأماكن أخرى. ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 45٪ هذا العام وحده، وهذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى توقف الصادرات المنقولة بحراً من الساحل الجنوبي المحاصر حالياً. وستتطلب العودة حتى إلى مستويات الإنتاج قبل الحرب سنوات عدة على الأقل.

ولا شك في أن التكاليف أعلى من التقديرات بحيث ستزداد الحاجة الى مبالغ ضخمة من المساعدات من المنظمات المالية الدولية والدول الغربية للسنوات المقبلة. وخلال اجتماع عقده صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قدر رئيس وزراء أوكرانيا أن إعادة بناء بلاده ستتطلب 600 مليار دولار، وأنه يحتاج إلى 5 مليارات دولار شهرياً للأشهر الخمسة المقبلة فقط لتعزيز ميزانيتها.

الغرب بمواجهة التضخم

وتضر موجات الصدمة الاقتصادية التي أحدثتها الحرب بالفعل بالاقتصادات الغربية بحيث بلغ النمو الاقتصادي في أغنى البلدان الأوروبية 5.9٪ في العام 2021. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض ​​إلى 3.2٪ في العام 2022 وإلى 2.2٪ في العام 2023. وفي الوقت نفسه، ارتفع التضخم في أوروبا، بين شباط وآذار من هذا العام، من 5.9٪ إلى 7.9٪.

وبالنسبة الى الولايات المتحدة، من المرجح أن يكون النمو الاقتصادي أفضل منه في الاقتصادات الأوروبية الرائدة. لكن معدل التضخم وصل إلى 8.54٪ في أواخر آذار، وهذا ضعف ما سجل قبل 12 شهراً وأعلى مستوى منذ العام 1981. كما حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي من أن الحرب ستخلق تضخماً إضافياً.

ولن تفلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ من العواقب بدورها علماً بأنه لا يمكن أن تُعزى كل الاتجاهات القاتمة الى الحرب وحدها. فقد تسببت جائحة كورونا بأزمات على جبهات عديدة لكن الحرب تزيد بالتأكيد الأمور سوءاً.

وبعد غزو أوكرانيا، تفاقمت اضطرابات سلسلة التوريد وارتفعت أسعار المواد الغذائية، ليس بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وحسب، ولكن أيضاً لأن روسيا تستحوذ على ما يقرب من 18٪ من الصادرات العالمية من القمح (وأوكرانيا 8٪)، في حين أن حصة أوكرانيا من صادرات الذرة العالمية تبلغ 16٪ ويمثل البلدان معاً أكثر من ربع الصادرات العالمية من القمح، وهو محصول مهم للعديد من البلدان.

كما تنتج روسيا وأوكرانيا أيضاً 80٪ من زيت عباد الشمس في العالم، والذي يستخدم على نطاق واسع في الطهي. وقد اتضح ارتفاع الأسعار ونقص هذه السلع بالفعل، ليس في الاتحاد الأوروبي وحسب، ولكن أيضاً في الأجزاء الأكثر فقراً من العالم مثل الشرق الأوسط والهند، التي تحصل على كل إمداداتها تقريباً من روسيا وأوكرانيا.

أزمة البلدان “منخفضة الدخل”

وسيؤثر تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار ومعدلات الفائدة المرتفعة الناتجة عن جهود البنوك المركزية لترويض التضخم فضلاً عن زيادة البطالة، على الأشخاص الذين يعيشون في الغرب، ولا سيما الأكثر فقراً منهم الذين ينفقون نسبة أكبر بكثير من أرباحهم على الضروريات الأساسية مثل الطعام والغاز، لكن “البلدان ذات الدخل المنخفض” تبقى الأكثر تضرراً. وقد أجبرت جائحة كورونا بالفعل البلدان منخفضة الدخل على الصمود في وجه العاصفة الاقتصادية من خلال الاقتراض، الا أن أسعار الفائدة المنخفضة جعلت الديون مقبولة. لكن الآن، ومع انحسار النمو العالمي وارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، ستضطر البلدان الى الاقتراض بمعدلات فائدة أعلى بكثير مما سيزيد من عبء السداد. وعلى سبيل المثال، تخلفت سريلانكا هذا الشهر عن سداد ديونها. ويحذر خبراء اقتصاديون بارزون من أن دولاً أخرى مثل مصر وباكستان وتونس تواجه مشكلات ديون مماثلة.

وكلما زاد عبء ديون البلدان منخفضة الدخل، قلّت قدرتها على مساعدة أفقر مواطنيها على التعامل مع الأسعار المرتفعة للضروريات، وخصوصاً الغذاء. وارتفع مؤشر أسعار الغذاء بنسبة 12.6٪ ما بين شباط وآذار، أي أعلى بنسبة 33.6٪ عما كان عليه قبل عام. كما تضاعفت أسعار القمح مما تسبب بالفعل في نقص الدقيق والخبز في مصر ولبنان وتونس، والتي كانت تتطلع منذ وقت ليس ببعيد إلى أوكرانيا للحصول على ما بين 25٪ و 80٪ من وارداتها من القمح. وقد تواجه دول أخرى، مثل باكستان وبنغلادش واليمن المشكلة نفسها.

السلام ضرورة للأوكرانيين وسواهم، وعلى الرغم من أن أكثر سكان العالم فقراً لا يتحملون أي مسؤولية عن الحرب في أوكرانيا ولا يمتلكون أي قدرة على إنهائها، سوف يتضررون بشدة من إطالة أمدها. ويتشارك هؤلاء مع الأوكرانيين القدر نفسه… ذلك القدر الذي يربط بين إحلال السلام والبقاء على قيد الحياة”.

شارك المقال