ما الذي تغير عند حلفاء الأمس خصوم اليوم؟

عاصم عبد الرحمن

ضياع، إرباك، خوف وخشية… هذا حال معظم القوى السياسية ذات الشعارات الثورية والاستقلالية والتحررية التي شاركت سعد الحريري الخيارات والقرارات والحكومات، وأنهكته إبان توليه السلطة إلى أن أنهكها قراره تعليق العمل السياسي التقليدي والانتخابي. فأي مصيبة حلت بها حتى صارت لا توفرا جهدا ووسيلة لاقناع جمهور “المستقبل” بالتصويت؟

يوم أعلن الحريري تعليق العمل السياسي والانكفاء عن المشهد الانتخابي ريثما تنجلي الصورة التي تُرسم للبنان في مكان ما من هذا العالم، كان هناك مَن ضحك في سره ظناً منه بحلول موعد تقاسم الترِكة السياسية والجماهيرية وحتى التنظيمية، وقد غاب عن باله أن للبيت السياسي والميدان الجماهيري والوفاء الوطني سقفاً يغطيهم مهما هبت من عواصف عاتية.

على بعد أيام من اقتراب الاستحقاق الدستوري المنتظر، وتحت شعار “عدم إخلاء الميدان السياسي أمام حزب الله وتركه يحوز على الأكثرية النيابية”، يخوض خصوم “المستقبل” (حلفاء الأمس) وحتى بعض مَنْ تفلت من قرار تعليق العمل السياسي، الانتخابات النيابية. الشعارٌ لا يحمل التناقض بين حروفه فحسب بل يصرخ في وجه مَن لطالما اعتبر الحريري متنازلاً عن الحقوق السياسية، متساهلاً في أداء المسؤولية ومستغنياً حتى عن صلاحيات رئاسة الحكومة في حضرة “حزب الله”، متناسياً أنه أسقط لاءات السيد حسن نصر الله الثلاث في إحدى ليالي ثورة 17 تشرين مسقطاً بذلك حكومة العهد القوي تحت أقدام جوعى صرخوا في وجوه سلاطين جائرة، وتمكن هؤلاء السلاطين فيما بعد من خنق حناجر تشرين الحقيقية فأوجدوا في صفوفها مَنْ يفسد فيها ويسفك دماء التغيير المنشود.

وإذا كان خوض الانتخابات النيابية، خصوصاً من القوى السنية، يهدف بالدرجة الأولى إلى منع “حزب الله” من السيطرة على البرلمان، ففي هذا اعتراف جلي بأن سعد الحريري كان يتصدى للحزب في السياسة والتشريع وحتى التنفيذ ما استطاع إليه سبيلاً. فهو لم يتنازل يوماً عن الحقوق السياسية لجميع اللبنانيين وليس للطائفة السنية فحسب. لم يتساهل يوماً في أداء المسؤولية السياسية والدستورية والوطنية الملقاة على عاتقه كرجل دولة، كما لم يستغنِ يوماً عن صلاحيات رئاسة الحكومة.

أما اليوم وعلى مشارف تجديد شرعية “حزب الله” النيابية والشعبية وبمشاركة تغطوية لمرشحي القوى السيادية، يفترض بخصوم سعد الحريري إما الجلوس على كرسي الاعتراف وتلاوة فعل الندامة عما ساقته ألسنتهم من اتهامات بحقه، وإما تغيير شعارهم الانتخابي المرفوع في التصدي للحزب. فهؤلاء لم يوفروا جهداً إلا وبذلوه من أجل استرضاء سعد الحريري أو حتى دفعه كي يسأل خاطر الأوفياء له من أجل العودة عن خيار المقاطعة لا بل تكثيف المشاركة في الاقتراع يوم 15 أيار المقبل.

إذاً تحت شعار “السيادة في مواجهة الإحتلال الإيراني” تسعى بعض القوى إلى ممارسة لعبة الشياطين الذين يدعون إلى ارتكاب الخطيئة ويتملصون منها. سعد الحريري قرر عدم المشاركة في الانتخابات كي ينزع الغطاء الشرعي عن ديموقراطية تمثيل “حزب الله” كما دعت هذه القوى نفسها على الدوام، وها هي اليوم توسوس في صدور الحريريين والسنة ليشاركوا اقتراعاً في استحقاق دستوري هو نفسه سيبارك الأكثرية النيابية لعدوهم السياسي المفترض “حزب الله”.

شارك المقال