كيف يرى الطرابلسيون اجتياح 7 أيّار؟

إسراء ديب
إسراء ديب

تحلّ الذكرى الـ 14 لاجتياح 7 أيّار هذا العام، في وقتٍ يُعلن الكثير من اللبنانيين عمومَا والطرابلسيين خصوصًا، نفورهم من حزب الله وسلاحه الذي يُحاول “كسر الثقل السنيّ الموجود في هذه البلاد وخارجها”، وقد تكون أزمة 7 أيار عام 2008 بمثابة “بروفة” لسنوات قاسية تلت هذه المرحلة المفصلية الصعبة التي بتنا نشهد نتائجها وانعكاساتها خلال الفترة الأخيرة، لكن لا يُمكن إغفال قدرة هذه الأحداث التي كسرت فيها بعض الأحزاب والتيارات السياسية “الممانعة” هيبة الدولة في بيروت وبعض المناطق، على الـتأثير في مدينة طرابلس التي ازدادت حدّة وصمودًا أمام هذا الحزب الذي يمدّ مخالب سطوته لكسر كلّ معارض لسياساته التي لم تُشبه لبنان يومًا.

إنّ سقوط قناع “مقاومة العدو” منذ أعوام، ليتحوّل إلى “مقاومة أعداء الداخل” لم يكن ليخفى على أهالي المدينة الذين لم يرتاحوا لسياسة هذا الحزب أبدًا، وقد جاءت الثورة السورية عام 2011، لتُؤكّد بعد أحداثها الدموية ومشاركة الحزب فيها عسكريًا وميدانيًا، أنّ الشكوك باتت مثبتة بالأدلة الدامغة أنّ الحزب الذي يُمثل سياسة فارسية، لا يُمكنه تمثيل لبنان الذي ينأى بنفسه (كما ترى حكومته) عن هذه الأحداث والصراعات التي غيّرت خريطة العالم العربي وهي في طريقها أخيرًا لتغيير هوية لبنان بعد صراعات سياسية، اقتصادية، ومالية يُقال عنها (ضمن أوساط الحزب) أنّها ناتجة عن “حصار أميركي-صهيوني له”.

طرابلس التي تحوّلت ذات ليلة إلى “إمارة” طائفية في فترة الحرب الأهلية مع حركة التوحيد الإسلامية والشيخ سعيد شعبان، ومع القيام بإزالة تمثال عبد الحميد كرامي رمز الاستقلال والوطنية، من ساحة النور لوضع تمثال كلمة “الله” ليُكتب عليه جملة “قلعة المسلمين”، لم تتمكّن من كسر هوية العيش المشترك الذي دمّرت معالمه هذه الأحزاب والتيارات التي لم تسعَ يومًا إلى إعمار المدينة بقدر تدميرها وتشويه صورتها، كما أنّ عاصمة الشمال كانت واجهت أعنف المعارك بين جبل محسن وباب التبانة لأسباب سياسية- عقائدية مرتبطة بالسوريين والفلسطينيين منذ أعوام، لتتحوّل إلى معركة مناطقية بظاهرها لكنّها سياسية بباطنها تحوّلت معها المدينة إلى صندوق بريد سياسيّ يتلقفون من خلالها الرسائل التي أرهقت أهالي المدينة واقتصادها المدمّر أصلًا بفعل الإهمال والغبن. لكنّها في الوقت عينه، وعلى الرّغم من سلسلة طويلة من المعارك والتحدّيات، لم تستسلم لظروفها المعيشية أو لمبدأ “الأمر الواقع” الذي فرضته أحداث 7 أيّار مثلًا وغيرها من الخروق التي رآها سياسيون ومتابعون أنّها عبارة عن “اغتصاب للدولة بقوّة السلاح”، إذْ لم تتقبّل المدينة حتّى اللحظة الحزب، وهي لا تقبل ولا بأيّ شكل من الأشكال المناصرين أو التابعين له مهما حدث.

قد يشعر أهالي المدينة بتقصير الدولة معهم، حين تقوم بعض الأجهزة الأمنية بإهمال حقوقها وواجباتها والتركيز على وثائق اتصال غير قانونية لتضييق الخناق على شبان المدينة، ولا يُعدّ ملف الموقوفين الإسلاميين إلّا دليلًا واضحًا على “شرعنة” الدولة لمفهوم إخضاع طرابلس، مع العلم أنّ مناطق أخرى باتت “تُكشّر عن أنيابها” عند كلّ فرصة متاحة أمامها لتفرض سيطرتها القائمة على سلطة السلاح غير الشرعي، لكنّ طرابلس لا تزال تمدّ يدها لدولتها التي لا تُريد الانفصال عنها والتخلّي عن قانونها الغائب أصلًا، معلنة بشكلٍ دائم حاجتها لهذه الدولة، ورفضها المطلق لسلاح يُرفع بوجه أبناء الوطن، إذ لم ترفع طرابلس يومًا سلاحًا على الرّغم من مرور أكثر من 20 جولة عنف لأعوام، في وجه ابن محافظة أخرى لتفرض سطوتها كالحزب الذي يُعلن أصحابه “بصراحة” حتّى اللحظة أنّهم لا يندمون على هذه الخطوة، ولو أتيحت الفرصة أمامهم سيقومون باقتراف هذا التعدّي من جديد.

في الواقع، لا تخشى طرابلس من نيّة أو تهديدات المناصرين لهذا الحزب أو أيّ تيار سياسيّ “ممانع” آخر، لكن يخشى مراقب للشأن الانتخابي من “استغلال بعض السياسيين شمالًا ولا سيما مع قرب حلول الانتخابات النيابية يوم 15 أيّار، هذا الملف الذي يُقال أنّهم يُحاربون من خلاله سلاح المقاومة، وذلك تحقيقًا لمصالحهم الانتخابية وهي تصبّ بشكلٍ أو بآخر لمصلحة لائحة تدعم هذا الخطّ الممانع”، وفق ما يقول لـ “لبنان الكبير”.

ويُضيف: “نتمنّى منهم ألّا يضحكوا على عقول الناس في برامجهم الانتخابية، وهم يُحاولون إتمام صفقات وتحالفات لا تُشبه طرابلس وترفضها تمهيدًا لمحاربة الحزب الذي لم يحاربونه طوال الـ 30 عامًا التي تطوّر فيها وبات موجودًا في صلب هذه الدولة وعنصرًا لا يُمكن تجاوزه لقوته المفروضة بالدعم الخارجي والسلاح المتطوّر، فكيف يستغلون ضعف الناس وكرههم للحزب الذي يُناهضونه لأسباب سياسية واضحة، لإطلاق شعارات رنانة لا تمتّ للواقع بصلة؟ فهم عاجزون عن إزالة السلاح والسنوات الماضية تشهد، وهم يُعلّقون الناس بأوهام، فإزالة السلاح أو تراجع قوته يعود لقرارات واتفاقيات خارجية ودولية لا علاقة للداخل بها، وبالتالي نعوّل على اتفاق فيينا وما سينتج عنه قريبًا من جهة، كما نعوّل أيضًا على وعي الناس وإدراكهم للحقيقة من جهة ثانية، وذلك لأنّ هذه الطبقة تفنّنت بالكذب على المواطنين لأعوام، ولو أرادت محاربة الحزب فعليًا، لكانت الفرصة أمامها لكنّها لم تقم بأيّ خطوة عملية أبدًا، بل أطلقت تصريحات واستفادت من نفوذها السياسي فحسب”.

شارك المقال