سلاح “حزب الله”… لحماية فساده

عالية منصور

منذ تشرين الأول 2019 يكرر الكثيرون من نشطاء وسياسيين ومرشحين “تغييريين” مقولة إن السلاح يحمي الفساد في اشارة الى سلاح “حزب الله”، وإن المعادلة القائمة في البلد هي السكوت عن السلاح مقابل سكوت الحزب عن الفساد، وينم تكرار هذه العبارة اما عن جهل بطبيعة واقع الحال في لبنان وحقيقته أو عن خبث في محاولة لتبرئة “حزب الله” من تهمة الفساد، فتصبح تهمة الحزب هي فقط سكوته عن الفاسدين.

ولكن من يطلع قليلاً على أدوار “حزب الله” في السلطة يدرك وبالدليل ليس أنه فاسد كآخرين وحسب، بل ان فساده يكلف الدولة اللبنانية والشعب اللبناني أكثر من غيره، وهذا بالتأكيد ليس دفاعاً عن فساد الآخرين، ولكنه محاولة لتوصيف الواقع ولتصحيح مقولة باتت تتكرر عشرات المرات يومياً على مسامع اللبنانيين حتى ممن يدّعي أنه معارض لسلاح الحزب، أي معارض للسلاح فقط، وليس لكل شيء آخر يقوم به هذا الحزب داخلياً.

وإن كان من فساد يحميه سلاح الحزب فهو فساد الحزب قبل أي شيء آخر.

والملفات التي تسببت بغضب اللبنانيين وانتفاضتهم في تشرين الأول 2019 وقبلها خروجهم الى الشارع في السنوات الأخيرة كثيرة، ومع ذلك يتجاهل البعض دور “حزب الله” في هذه الملفات.

واذا ما أردنا ذكر بعض هذه الملفات فلا بد من التطرق الى ملف النفايات، التي تراكمت قبل أعوام في شوارع لبنان، وتسببت بكوارث صحية وبيئية. فغالبية الأصوات التي ارتفعت ضد الفساد في ملف النفايات صوّبت على أفرقاء سياسيين عدة، قد يكون بعضهم متورطاً وبعضهم الآخر شيطاناً أخرس أو شاهد زور، لكن ما لا يعرفه البعض، ويصر البعض الآخر على تجاهله هو ما قام به “حزب الله” في ملف النفايات، وكيف استفاد ليس من فساد الآخرين ليسكتوا عن سلاحه كما يحاول الكثيرين الايحاء، بل كيف تسبب فساده بكوارث صحية وبيئية أول ما أصابت بيئته، وبقي الحديث عن دور الحزب خافتاً حتى من معارضين له بسبب الخوف من التصفية أو ما قد يلحق بهم وبعائلاتهم إن هم نطقوا بصوت عال.

في العام 2015 عندما تفجرت أزمة النفايات في وجه اللبنانيين وامتلأت شوارع لبنان وعاصمته بالنفايات المتراكمة، خرج علينا نائب “حزب الله” حسن فضل الله بعد الاجتماع الأسبوعي لكتلة الحزب النيابية وقال: “إن رائحة النتن المنبعث من النفايات يختلط مع نتن الفساد في الدولة”، في اشارة منه الى أن حزبه غير معني بالفساد ولا علاقة له بملف النفايات. وعندما تفجرت قضية النفايات السامة في بعلبك في العام 2018 عقد رئيس بلدية بعلبك حسين اللقيس مؤتمراً صحافياً بحضور نائب “حزب الله” علي المقداد ومسؤول العمل البلدي في الحزب في البقاع حسين النمر ورئيس الشؤون البلدية لمكتب حركة “أمل” في البقاع عباس مرتضى، وقال اللقيس: “ان الوضع كارثي ونفايات سامة تهدد بإبادتنا”. وكشف أن “هنالك مافيا يتم التعامل معها من خلال القيّمين على هذه المحطات (من مختلف المناطق اللبنانية) لنقل هذه النفايات الملوثة والمسرطنة يتم رميها في مختلف الأماكن الجردية”.

بدوره سأل النائب المقداد “إلى متى ستبقى الدولة وكل المؤسسات غير مسؤولة في هكذا جرائم؟”.

وعلى الرغم من أن كل ما ذكروه في المؤتمر الصحافي صحيح ودقيق، الا أن أمراً أساسياً تجاهلوه وهو أن من قام بهذه “الجريمة” حسب وصفهم هو “حزب الله” من خلال شركة “ميراج” التابعة له.

فشركة “ميراج التجارية والهندسية” المُدرجة بحسب وزارة الخزانة الأميركية على لوائح العقوبات منذ أوائل العام 2017، والتي يديرها سلطان خليفة أسعد إلى جانب مسؤولياته التنفيذية في “حزب الله”، تعمل في مجال إدارة التدوير والخدمات البيئية، وسبق أن حصلت على عشرات عقود المشاريع من بلديات عدة في لبنان محسوبة على “حزب الله” في الجنوب والبقاع.

وسلطان خليفة أسعد الذي أدرجته وزارة الخزانة الأميركية على لائحة العقوبات لاحقاً، يشغل منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الذي يرأسه هاشم صفي الدين، والذي أدرج اسمه أيضاً في وقت سابق على لوائح العقوبات. ويتولّى أسعد منذ العام 2011 منصب المسؤول الأول في الملف البلدي المركزي التابع للحزب. وتفاصيل هذه العقوبات موجودة في بحث بسيط على “جوجل” ومع ذلك يتذاكى الحزب عندما يصر على اتهام الآخرين بالفساد ليبرئ نفسه، في وقت حتى أن بعض خصوم الحزب يتجاهل هذه المعلومات الموثقة ويكرر أن مسؤولية الحزب تنحصر بحماية الفاسدين.

فالشركة التي قامت أيضاً بالعديد من الجرائم بحق اللبنانيين وبحق البيئة، وحتى المياه الجوفية لم تسلم منها، بحيث عمدت الى رمي نفايات سامة في جرود بلدة بريتال مهددة بذلك المياه الجوفية التي يشرب منها أهل البلدة والبلدات المجاورة، تتولى إدارة معمل النفايات الصلبة في منطقة العباسية في جنوب لبنان، وكذلك تتولى معالجة نفايات 9 مستشفيات في لبنان، مقابل عقد مع الدولة اللبنانية. فهل سيكون مفاجئاً إن ذكرنا أن وزارة البيئة منحت الشركة الترخيص وافتتح مركزها في العام 2014 برعاية وزير التنمية الإدارية حينها محمد فنيش المنتمي الى “حزب الله”؟.

وشركة “ميراج” ليست الوحيدة التابعة لـ”حزب الله” الخاضعة للعقوبات، ولا الوحيدة التي تضحي بلبنان واللبنانيين وصحتهم لتقوم بالاحتيال وتهريب الأموال وتبييضها، وكله لصالح المشروع الايراني في لبنان والمنطقة.

ومن الملفات التي يدفع اللبنانيون ثمن فشل السلطة في ادارتها هو ملف قطاع الكهرباء، التي صارت في لبنان أشبه بالحلم بعدما كلف هذا القطاع خزينة الدولة مليارات الدولارات بما يعادل نحو 45% من الدين العام.

وان كان “التيار الوطني الحر” يتحمل، في عقول الناس وضمائرهم، الجزء الأكبر مما آل اليه وضع قطاع الطاقة في لبنان، حيث صارت الكهرباء حلماً أشبه بالمستحيل بالنسبة الى اللبنانيين، وباتوا يعانون الأمرين ليؤمنوا ثمن ساعات قليلة من الاشتراك في مولدات الحي بما يفوق قدرة الكثيرين منهم، فهل “حزب الله” بريء من هذا الملف؟ بالتأكيد لا، ومسؤوليته ليست محصورة فقط بحمايته لشريكه في اتفاق مار مخايل وتغطية ما ارتكبه ويرتكبه بحق لبنان واللبنانيين، ليس في هذا القطاع وحسب، ولكن بشكل عام وشامل. فـ”حزب الله” أيضاً مسؤول مسؤولية مباشرة، ومتورط بالفساد، ومن لا يذكر عقد وزارة الطاقة في زمن الوزير فنيش مع شركة “سوناطراك” الجزائرية وفضيحة “الفيول المغشوش” وما تسبب به هذا الأمر من أعطال في معامل الكهرباء وتكلفات اضافية على الخزينة اللبنانية، اضافة الى الأضرار البيئية وبالتالي الصحية التي لحقت باللبنانيين؟

وان كان فنيش برّأ نفسه من المسؤولية كون فضيحة “الفيول المغشوش” حصلت بعد خروجه من الوزارة، الا أن قراءة سريعة لافادة المدير العام لادارة المناقصات جان العليّة كفيلة باعطاء شرح واف عن كمية المخالفات وما ينتج عنها من شبهات هدر وفساد، والتي ارتكبها الوزير فنيش بتوقيعه “عقداً سرياً” مع الشركة الجزائرية.

وللحديث تتمة، من ملف الدواء الفاسد الى ملف “مافيا المولدات” من دون أن ننسى كيف استنزف التهريب من لبنان واليه، لبنان وماله وأهله، وكيف يحمي سلاح “حزب الله” فساد الحزب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية.

وفي النهاية لا بد من أن نسأل هل يدرك من يبرؤون “حزب الله” من الفساد حجم فساده، أم أن بعضهم يطمح الى أن يتحول سلاح الحزب الى وسيلة لايصالهم الى “جنة الحكم”؟ بل ومن المفيد البحث عن اطار جديد لعلاقة سلاح “حزب الله” مع الفساد، ففكرة تعايش الاثنين هي فكرة مرّ عليها الزمن خاصة وأن السلاح والفساد واحد وأزمة النفايات والتهريب والكهرباء خير مثال على ذلك.

شارك المقال