العتمة على الأبواب وفقدان نصاب “الدستوري” يعقّد مصير “السلفة”

فدى مكداشي
فدى مكداشي

هل سيكون لبنان أمام العتمة الشاملة قريباً وهو على أبواب الصيف الحار، فيما أهله يعيشون أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية وصحية، وفيما يربط المجتمع الدولي أي مساعدة له بإصلاح قطاع الكهرباء الذي كبّد الخزينة حوالي 48 مليار دولار؟

وفي وقت تستمر الصراعات السياسية حول سبل تأمين الوقود قبل حصول الانفجار الاجتماعي الذي سيولده انقطاع الكهرباء والاعتماد على مافيات المولدات، برزت مشكلة طارئة في هذا الملف الشائك. اذ أخطرت شركة “كارادينيز” التركية أنها قررت أن توقف باخرتيها “فاطمة غول” و”أورهان باي” الموجودتين على شواطئ الزوق والجية عن العمل احتجاجاً على قرار النيابة العامة المالية الحجز على الباخرتين إلى حين البت بغرامة الـ25 مليون دولار.

وهذا يعني أن االلبنانيين باتوا قريبين جداً من العتمة وقد يواجهونها في آخر الأسبوع. وهو ما أفصح عنه رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه نزيه نجم عقب زيارته ووزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، وزير المالية غازي وزني. ويتم البحث في الوقت الراهن عن خيارات في حال أصرت الشركة التركية على قرارها.

“السلفة”

منذ أيام قليلة، طعن المجلس الدستوري بالقانون الرقم 215/2021 (قانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 300 مليار ليرة لتأمين حاجتها من الفيول لشهرين).

جاء هذا الطعن الذي تقدم به نواب تكتل “الجمهورية القوية” بعدما أثار سعي نواب كتلة “لبنان أولاً” إلى تأمين سلفة خزينة بقيمة مليار دولار لمحروقات الكهرباء، جدلا واسعاً خصوصاً لجهة تأمين الأموال بالعملة الأجنبية من الاحتياطي الإلزامي الذي شارف على النفاد.

ومع ذلك تبدو الصورة غير مكتملة في ظل عدم وضوح مصير المجلس الدستوري الذي فقد نصابه القانوني مع وفاة أحد اعضائه ما يمنعه من الاجتماع من أجل البت في مصير السلفة. فهل يتم التوصل الى حل ينقذ البلاد من العتمة أم نتجه مهرولين إلى الجحيم؟

“لبنان الكبير” يعرض في هذا التحقيق وجهات النظر المختلفة حول أزمة الكهرباء والحلول المقترحة من دون مزايدات.

أسباب الطعن

عن أسباب الطعن، يقول الخبير في الشؤون السياسية والإقتصادية الدكتور بلال علامة، إن “كل السلف التي أخذتها وزارة الطاقة منذ سنوات لم تسدد بعد، ويقدّر المبلغ المتراكم حوالي أربعة مليارات ونصف المليار دولار، وهذا السبب الذي أدى إلى توقيف العمل بقانون السلفة بالدّرجة الأولى. أما السبب الثاني، فهو تمويل هذه السلفة من الاحتياطي الإلزامي، أي من أموال المودعين في مصرف لبنان، وبالتالي لا يحق عقد نفقة عليها أو التصرّف بها مهما كانت موجبات السلفة. أما السبب الثالث، فسياسي يتعلق بالجهة التي تقدّمت بالطعن أي نواب كتلة القوات اللبنانية”.

وعن السجال الحاصل بين وزيري الطاقة والمال، لفت الى أن “الأول يحذر من توقف إنتاج الكهرباء في حال تم توقيف التمويل، خصوصاً أنه لم يعد بمقدور مؤسسة الكهرباء شراء المازوت، بينما وزارة المال تؤكد من جهتها أنه يمكن الشراء من الأرصدة المحجوزة في موازنة وزارة الطاقة. وهذا السجال يخفي في طياته الصراع القائم بين الوزارتين على كيفية إدارة ملف الطاقة في لبنان. فوزراء الطاقة يريدون أن يحافظوا على الأموال للقيام بالتلزيمات وعقد الصفقات والسمسرات، بينما وزارة المال تقول لهم اصرفوا هذه الأموال الموجودة في الموازنة على شراء المازوت للاستمرار بإنتاج الكهرباء”.

عون: السلفة الحل الوحيد

وفي هذا السّياق، يؤكد عضو تكتل “لبنان القوي” النائب آلان عون، أنه “يحترم قرار المجلس الدستوري واتخاذه الإجراءات القانونية”، معتبراً أنه “من حيث المبدأ من الواضح أن هناك خلفيّة سياسية وراء الطعن”. ويرى أن “حجّة القوات اللبنانية في معارضة هذا القانون فاشلة، فإذا كانت تعتبر أنها تدافع عما تبقّى من الاحتياطي الإلزامي فهي تستنزف منه أكثر، فبدلاً من تحويل الأموال الى مؤسسة كهرباء لبنان مباشرة سيتم تحويلها الى المولّدات وبالتالي ستستفيد الأخيرة من المازوت المدعوم، ما يعني هدر المزيد من الاحتياطي”.

وعما إذا كانت السلفة هي الحل الوحيد للأزمة، يقول: “لسنا من مؤيدي السلفة ولكن لا يوجد حل آخر. ففي النهاية، نريد الكهرباء وليس العتمة. اعتمادات الموازنة لا تكفي، خصوصا أننا بتنا ننفق على قاعدة الاثنتي عشرية. وبالتالي، السلفة التي استخدمناها السنة الماضية سنضطر لأن نستخدم مثلها اليوم”.

موعد مع العتمة؟

من جهته، يوضح رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه وعضو كتلة “المستقبل” النائب نزيه نجم أن “المجلس الدستوري لم يرد بعد على الطعن كما يتم التداول، ولكن كل الذي أشار إليه أنه بحاجة الى المزيد من الوقت لدراسة القانون ومن المتوقع أن يصدر القرار بعد شهر تحديداً”.

وفي حال وافق المجلس الدستوري على الطّعن، يجيب نجم: “نحن على موعد مع العتمة. تكلفة الـ200 مليون دولار على سعر صرف الـ1500 سوف تكبد الدولة ما يزيد عن 350 مليون دولار لشراء مادة المازوت من أجل تشغيل المعامل. أضف الى هذا المبلغ، ما يحصل من تهريب عبر الحدود فيما المواطن يضطر الى زيادة عدد ساعات اشتراكه بالمولدات. حتى إن هناك بعض المناطق التي ستبقى معتّمة 24 ساعة. هذا عدا انتشار الفوضى لعدم وجود الكهرباء وتأثيرها السلبي على الانترنت والهواتف وشبكات الاتصالات وغيرها من المواضيع الحساسة أمنيّاً كتعطيل أجهزة المراقبة وبالتالي تغيب الحراسة وتعم الفوضى. وهكذا، نصل إلى حالة يُرثى لها على كل الأصعدة”.

طعن “القوات” بسلفة الكهرباء

وعن موقف حزب “القوات اللبنانية” بهذا الشأن، يؤكد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات” شارل جبور أنه “لو لم ير المجلس الدستوري الأسباب الموجبة لقبول هذا الطعن لما وافق على تعليق السلفة وتتماشى نظرة تكتل الجمهورية القوية مع ذلك القرار”، معتبرا أنه “في حال تم قبول الطعن، تكون القوات حققت نقطة أساسية في مرمى كل من يحاول استخدام أموال الناس من الاحتياطي الإلزامي لاعتبارات ومصالح بعيدة كل البعد عن المصلحة اللبنانية العليا وهذا الطعن أيضا سيشكل درساً لكل من يمس بالمال العام وسنكون قد دخلنا في مرحلة إصلاح حقيقي بهذا القطاع، فمنذ عقود يتم التعاطي مع اللبنانيين على قاعدة تخييرهم بين العتمة أو استخدام أموالهم وهذا ابتزاز للناس”.

أما بالنسبة لقطاع الكهرباء الذي يسبب خسائر سنوية تقارب الملياري دولار أي ما يمثل قرابة ثلث العجز في الموازنة السنوية للحكومة، يرى جبور أن “ذلك يأتي نتيجة التعاطي باستسهال مع ملف من هذا النوع، ولو تم التعامل بحذر على قاعدة أنه لا يمكن تسليف القطاع هذه الأموال التي تبدد هدراً، لاتخذت الإجراءات اللازمة من أجل وضع حد لهذا التبذير المفتوح منذ سنوات”، متأملا أن “يقبل المجلس هذا الطعن ويتحمل الفريق المسؤول الهدر وفي حال لم يكن قادراً على إصلاح هذا القطاع أن يتنحى ويفسح المجال أمام من هو قادر على إعادة الكهرباء ٢٤ ساعة في هذه الظروف الصعبة والوقت الذي بات يداهمنا”.

الحلول المقترحة

وعن الحلول المقترحة لانقاذ هذا القطاع، يقترح مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون أن “يتم أولا تقسيط السلفة المعطاة لمساعدة كهرباء لبنان وربط إعطاء مساعدة جديدة لاحقاً للغاية نفسها بمجموعة شروط وهي أن تصرف من الاعتماد المفتوح بموجب القانون حصراً، المبالغ المتوجبة ثمناً للمحروقات التي يتم تأمينها لمؤسسة كهرباء لبنان بنتيجة مناقصة تجري لدى إدارة المناقصات، ويمنع من المشاركة فيها الشركات والمتعهدون الذين هم موضع شبهات فساد أمام القضاء، على أن يتم تحديد آلية فتح الاعتمادات اللازمة لدى مصرف لبنان وتصفية وصرف ودفع المبالغ المتوجبة بموجب قرار يصدر عن وزير المالية بالاتفاق مع مصرف لبنان، ووفقاً للأصول المقررة في قانون المحاسبة العمومية وبما يضمن استلام المحروقات بالكمية والنوعية المتعاقد عليها. وتلغى أية تعليمات أخرى سابقة تتعلق بالتحقق من قانونية المستندات ويحظّر على مؤسسة كهرباء لبنان إجراء أي عملية بيع أو إعارة للمحروقات”.

ويضيف: “ثانياً، أن يتم استكمال عملية ضم منشآت النفط إلى المديرية العامة للنفط تطبيقاً للمرسوم الاشتراعي رقم 79/1977 واستكمال إجراءات ضم القاديشا إلى مؤسسة كهرباء لبنان تطبيقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادرة بهذا الشأن. وثالثاً، أن يتم تعيين رئيس جديد لمجلس إدارة كهرباء لبنان، والهيئة الناظمة خلال مهلة شهرين من تاريخه دون انتظار تعديل القانون 462/ 2002”.

ويختم: “أما رابعاً، فأن تباشر مؤسسة كهرباء لبنان فوراً باتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لما يلي: رفع تعرفة مبيع الطاقة لدى المؤسسة والتعجيل بتحصيل فواتيرها المتأخرة، إعداد وتقديم حساباتها النظامية إلى ديوان المحاسبة، على أن يتم إبلاغ المجلس النيابي بالمنجز منها تباعاً، خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ نشر القانون، وضع جداول بمستحقات المؤسسة لدى الإدارات العامة، ما يمكن تنزيله من المتوجب بذمة المؤسسة لصالح خزينة الدولة، على أن تقترن هذه الجداول بموافقة وتصديق الإدارات المعنية على المبالغ الخاصة بكل منها، ويتم إرسالها إلى ديوان المحاسبة لتدقيقها واقتراح المناسب لمعالجتها”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً