سمّ الإطالة

الراجح
الراجح

يقول الأديب عبد السلام العجيلي “إن الإطالة في الكلام سم المحاضرات والخطابات القاتل والهوة التي يقع فيها المتحدث من حيث يظن أنه حلّق وتفوق”.

ويروي في كتابه “أحاديث العشيات” عن مارك توين الكاتب الأميركي الساخر أنه حضر خطبة لكاهن طلب من الحضور التبرع لإتمام بناء الكنيسة، ونظراً لبراعته وبلاغته قرر توين التبرع بمئة دولار، ثم بدأ يخفض المبلغ كلما أطال الكاهن خطبته، حتى وصل إلى قرار أنه يحق له أن يطالب بخمسة وعشرين دولاراً يأخذها من المال المجموع ويضعها في جيبه. ذلك لأن الخطبة تحولت إلى مضيعة للوقت ولم تقدم جديداً وكأنها من عالم آخر لا يهم الحضور بشيء… حضرني هذا الشعور حين اقترح الأمين العام لـ”حزب الله” التبرع لفك حالة الحصار التي يعاني منها جمهور الممانعة.

وهذا الشعور يأتي بعد، وأثناء، كل خطبة من خطابات الأمين العام لـ”حزب الله” الذي يتحدث وبإطالة عن كل شيء يخص محور المقاومة وجديته وتضامنه، في ظل ارتباك المحاور الأخرى واهتزازها أمام ثبات محوره، ويدلّنا على رفع الرايات البيضاء واعتراف حامليها بالهزيمة، ما يجعل هذا المحور “أقرب إلى القدس” وصانعاً للمستقبل… فأسأل نفسي: هل يرى صاحب الخطاب ارتباك الداخل اللبناني بحكم الأزمة الخانقة التي نعيشها، أم أنه لا يرى إلا ارتباك المحاور الأخرى؟ وهل رأى الرايات البيضاء المرفوعة استسلاماً أمام هجمة الغلاء والخوف على المصير أم أنه لا يرى إلا رايات بيضاء مرفوعة في أمكنة اخرى لا يراها سواه؟… ويقول الأمين العام أن ليس للكيان الصهيوني أي مستقبل وعمره قصير، فماذا عن الكيان اللبناني الذي يتعرض كل يوم لتدمير ممنهج لن يقربه إلا إلى جهنم، في الوقت الذي يقترب فيه محور الأمين العام من القدس بحسب قوله…

فرحمة بالناس اختصروا كلاماً هو في النهاية موجه لمجتمع، اذا استثنينا منه القلة، نرى نصفه أمياً والنصف الآخر يكافح للبقاء حياً، يلهث وراء الرغيف المغمس بدمه في كثير من الأحيان.

ولأني لا أحب أن أترك مناسبة من دون ذكر جبران باسيل، ولأنه من أصحاب وروّاد مدرسة الإطالة بالكلام، وكونه من المنتمين لمحور الانتصارات، أعود إلى الأديب عبد السلام العجيلي الذي يثني في مقدمة كتابه “أحاديث العشيات” على قبيلة أفريقية تشترط على الخطيب أن يقف على رجل واحدة… كي لا يطيل.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً