طرابلس: “حبر” التصويت لم يلغ الانهيار الوشيك

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يُعلق الكثير من الطرابلسيين آماله على نتائج الاستحقاق الانتخابي الذي حصل يوم 15 أيّار الجاري، إذ كان من المتوقّع أن تعود “حليمة إلى عادتها القديمة” حاملة كلّ الأزمات المعيشية والاقتصادية إلى ما بعد مرحلة إتمام الانتخابات التي لم تُؤدّ نتائجها إلى تخفيف حدّة هذه الضغوط المختلفة، بل يُمكن القول إنّها ازدادت بشكلٍ كبير ودفعت الكثيرين من المقترعين إلى النظر إلى أصابعهم التي ابتلت بالحبر الانتخابي، سائلين: ماذا اقترفت أيدينا؟

إنّ تعديل المشهد السياسي عبر تغيير نواب أو منح بعضهم الثقة من جديد، لا يُمكن أن يُعدّل مساراً سياسياً كتب على هذه البلاد. وإذا كانت الأقاويل والأخبار المتداولة (قبل انتهاء التحضيرات الانتخابية) وصفت حينها بالشائعات المغرضة التي تُحاول النيل من استحقاق ديموقراطي يُعبّر عن سيادة البلاد وحرية تعبير المواطنين عن توجهاتهم، فإنّ ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تجاوز الـ 35 ألف ليرة لبنانية (مع توقعات اقتصادية بمزيد من الارتفاع)، إضافة إلى اتخاذ قرارات صادمة رسمياً تكمن في رفع تسعيرات عدّة تطال شبكة الهواتف الخلوية أو “أوجيرو” أي شبكة الانترنت التي نرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، فضلاً عن اقتراب سعر صفيحة البنزين من 600 ألف ليرة، كلّها مؤشرات تلفت إلى سوء الأوضاع التي وصلنا إليها، وهي ظروف لن يتمكّن الطرابلسيون من تحمّلها بأيّ صورة من الصور.

هدوء ما قبل العاصفة

وفي جولة بين أحياء طرابلسية لمعرفة توجهات المواطنين بعد الانتخابات، لا وجود لأيّ نسبة من التفاؤل (ولو ضئيلة) بين المواطنين، إذ لم يعد الطرابلسيّ يفكر اليوم في نتائج الانتخابات التي رآها الكثيرون “تحصيلاً حاصلاً”، فيما اعتبرها البعض الآخر “ضربة حظ أخرجت بعض المجهولين إلى الساحة السياسية علناً”، بل بات يُفكّر في كيفية تأقلمه مع الوضع المعيشي الجديد الذي قد يدفع المدينة إلى انفجار سياسي وشيك ومواجهة أمنية ممكنة ومحتملة، وذلك وفق ما يُشير مصدر طرابلسي لـ “لبنان الكبير”.

ويقول المصدر: “إنّ المواطن الذي انتخب نظراً الى وجود رشوة من جهة، أو نتيجة اقتناعه بفكرة ما من جهة ثانية، لا يُمكن أن يتحمّل هذه التداعيات لأنّه يُعاني في الأساس سلسلة أزمات ومشكلات أبرزها أزمة البطالة، ما يعني أنّ نسبة السرقات، الفساد، جرائم القتل، والتعدّيات المختلفة كلّها ستكون من أولويات المخرّبين الجدد الذين أنتجتهم السلطة الحاكمة التي لن يُغيّرها نواب جدد أو حبر انتخابي. والمشكلات اليومية بالرصاص العشوائي القاتل، وعمليات القتل العلنية مع الاشتباكات العائلية وآخرها في البداوي منذ ساعات، ليست الا دليلاً قاطعاً على أنّ الدّولة بقواها الأمنية يجب أن تدق ناقوس الخطر، فهذا الهدوء الذي يبدو في الظاهر ليس إلّا تحضيراً لعاصفة شعبية نخاف عليها ومنها في الوقت نفسه من عمليات الفتنة وتدخل طوابير خامسة غير قابلة للكسر”.

ويضيف: “سنكون على موعد مع اعتصامات نخشى جداً تطوّراتها أمنياً ونقلق من احتمال حصول تعدّيات على القوى الأمنية نتيجة الغضب الشعبي الكبير، ما يفسح في المجال أمام مخرّبين للدخول على الخط لتكرار سيناريوهات سابقة لا نريد تكرارها ولا نرغب في تطورها لأنّها ستكون فعلياً ضمن استراتيجية سياسية دفاعية بعد تراجع قوى سياسية من جهة، ورغبة في إيصال رسائل سياسية من جهة ثانية تبدأ من طرابلس لتعكير صفو الأمن فيها، وانتقالاً منها إلى المناطق والمدن الأخرى بعد فترة كما يحصل في كلّ مرة تقريباً”.

وإذ يُؤكّد أحقية حصول اعتصامات واحتجاجات شعبية “ستتطوّر تدريجاً”، يُشدّد على ضرورة عدم اكتفاء النواب الجدد ببيانات توضيحية من جهة أو استنكارية من جهة ثانية ترتبط بمدينتهم أم لا، “بل عليهم التوجه ميدانياً للوقوف إلى جانب المواطنين ومساندتهم على الأرض ثمّ في المجلس النيابي، إذ لا تكفي هذه المظاهر الالكترونية مع العلم أنّه لم يكن أيّ منهم (من الفائزين) على الأرض في ثورة 17 تشرين بصورة واضحة، لكن ندعوهم ليكونوا مع الناس اليوم لأنّهم باتوا في قلب السلطة وروحها، فهذه المدينة التي عانت الكثير من المشكلات التي اعتادت عليها، واجهت فاجعة منذ أيّام ولم تُسهم دولتها في انتشال ضحاياها جميعهم حتّى اللحظة، ما يُشير إلى ارتفاع حدّة النقمة إنْ فكرت الناس فعلياً بهذه الأرواح التي نأسف لأنّها زهقت بهذه الطريقة في هذا العهد المهمل”.

وكان بعض المحتجين تجمّعوا في ساحة النور وعبّروا عن غضبهم بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، بوجود وجوه ثورية كانت عرفت منذ ثورة 17 تشرين، لكن الأعداد لم تكن كافية في وقتٍ يشعر المواطنون بعدم ثقتهم بهذه التحرّكات بعد “الفتور” الذي أصاب “عروس الثورة” في ظلّ خيبة أمل واضحة عاشها الكثير من الثوار مع تراجع البعض منهم، وهجران بعضهم الآخر لقضية محقّة كان يُمكنها الاستمرار في وطنٍ لا يشبع سياسيوه من ضرب مواطنيه بأزمات مختلفة بلا رحمة أو كلل.

شارك المقال