تيّار العهد والالتفاف على “الطائف”!

رامي الريّس

أما وقد وضعت الإنتخابات النيابيّة “أوزارها” وإنصرفت القوى السياسيّة “التقليديّة” و”التغييريّة” الى إجراء حسابات الربح والخسارة في الخارطة الجديدة للمجلس النيابي؛ فقد حان الوقت للتفكير الجدي في سبل إعادة إطلاق عجلة العمل المؤسساتي المفترض أن يمر بمنعطفات قاسية وصعبة بعد إنجاز الإستحقاق الأول المتمثل بإنتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة مكتبه ولجانه.

صحيحٌ أن “القوى السياديّة”، إذا جاز التعبير، قد حققت تقدّماً مهماً ووجهت صفعة سياسيّة مهمة لمحور الممانعة بمختلف أبواقه وصغاره وكباره، وهو كان نتيجة طبيعيّة لعنجهيّة هؤلاء وعدم فهمهم للمزاج اللبناني العام الذي يريد قيام الدولة وإسقاط “الدويلة”؛ ولكن الصحيح أيضاً أن ليس ثمّة أكثريّة حاسمة لأي من الأطراف أو القوى التي وصلت إلى المجلس النيابي، الأمر الذي يفرض واقعاً سياسيّاً لا مفر من التعامل معه بواقعيّة وعقلانيّة.

إذا كان من تعاون يفترض أن يحدث بين النواب الجدد وبعض الكتل القديمة – الجديدة، وهو تعاون حتمي وضروري، فيجب أن يصب في إطار “التطويق السياسي” للقوى التي إمتهنت التعطيل وسياسة شل المؤسسّات الدستوريّة في العديد من المحطات السابقة مثل تأليف الحكومات وتعطيل النصاب في الإنتخابات الرئاسيّة ومقاطعة جلسات الحكومة أو فرض الثلث المعطل بغية إسقاط الحكومات في لحظة سياسيّة مؤاتية لمصالحهم الفئويّة (للتذكير إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري من الرابية أثناء إجتماعه مع الرئيس الأميركي يومذاك باراك أوباما).

من ناحية أخرى، ثمّة طروحات سياسيّة ودستوريّة ملغومة تحدّث عنها أحد تيّارات الممانعة، أي تيّار العهد، منها مثلاً تحديد مهلة لرئيس الجمهوريّة لتكليف شخصيّة لتأليف الحكومة هي مهلة شهر، مقابل تحديد المهلة ذاتها لرئيس الحكومة المكلف لتأليف الحكومة وإلا يسقط عنه التكليف.

إذا كانت المهل المفتوحة التي صار يستغرقها تأليف الحكومات في لبنان تؤشر إلى أعراض مرضيّة، فالعلاج لا يكون بـ “سرقة” هامش المناورة الذي يملكه الرئيس المكلف من خلال تحديد مهلة زمنيّة قصيرة تُمكّن رئيس الجمهوريّة من التمنّع عن توقيع أي تشكيلة حكوميّة لمدة شهر في حال لم يكن راضياً عن إختيار الأكثريّة النيابيّة لرئيس الحكومة، فيذهب عندئذٍ الى ممارسة تعطيل تلو التعطيل للوصول إلى أن يختار المجلس النيابي الشخصيّة التي يريدها هو!.

إن هذا الاقتراح المفخخ من شأنه أن يُسقط الفصل بين السلطات والتوازن بينها كما ينص الدستور، وهو بمثابة إلتفاف على الإصلاحات السياسيّة التي أدخلتها وثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف – 1989) على الدستور. الحل لا يكون بهذه المقترحات الالتفافيّة إنما بإحترام الدستور والقوانين وبالاقلاع عن إختراع الأعراف الجديدة التي لا تمت اليها بصلة والتي تهدف حصراً إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أي إلى ما قبل حقبة “الطائف”، وفي ذلك مغامرة خطيرة وغير محسوبة النتائج.

لهؤلاء الصبية في السياسة، كفى لعباً بالنار!

شارك المقال